لماذا قد يكون مستقبل الاقتصاد المغربي أكثر إزدهاراً؟

عدن لنج_وكالات

تواجه المملكة المغربية تحديات هائلة وفرص نمو في السنوات القادمة. وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأنها الأولى في وجهة الاستثمار في أفريقيا في عام 2017، فإن البلاد بحاجة عليها أن تتصدى لبعض التحديات عميقة الجذور قبل وصولها إلى كامل إمكاناتها كقوة إقليمية ومحور أفريقي رئيس للاستثمار الدولي.
 
تطوير شراكات عالمية
آفاق النمو المغربي تدعمها شراكات عالمية قوية. وما زالت المغرب مستمرة في إقامة علاقات قوية مع الدول الأوروبية، التي تعتمد على المملكة لدورها الحاسم في قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب. وللمغرب أيضًا مزية غاية في الأهمية إذ إنها تستحوذ على غالبية خام الفوسفات في العالم، وكمورد طبيعي، تعتمد أوروبا اعتمادًا كبيرًا عليه وذلك لتقدمها في القطاع الزراعي. ففي اجتماع سبتمبر الماضي المنعقد في الرباط، قال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية: "بالنسبة للاتحاد الأوروبي، تعد المغرب شريكا استراتيجيا رئيسيا في شمال أفريقيا والقارة بأسرها. إننا نتشارك العديد من التحديات والفرص المشتركة".

وتحقيقا لهذه الغاية، قبلت المغرب مبلغ 160 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي في أكتوبر لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر الجيوب الإسبانية في سبتة ومليلة على الساحل الشمالي للمغرب. وهي زيادة كبيرة حيث تلقت العام الماضي ما يقدر بنحو 20 مليون دولار. وأحد العوامل الحيوية الأخرى في العلاقات المغربية الأوروبية هو وضع الصحراويين - شعب الصحراء الغربية - ممثلين بجبهة البوليساريو، حيث يتم تعذيب وسجن الآلاف منهم، كما يتم قتلهم بينما يقاومون ما يعتبرونه احتلال مغربي. ومع ذلك، ففي النهاية، لا ترجح الحكومات الأوروبية الضغط على المغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وهو ما ينعكس في استمرار التمويل لحملة واسعة النطاق ضد المهاجرين من الصحراويين، وعلى الرغم من الاعتقالات التعسفية وعمليات الطرد، والمعاملة اللاإنسانية عمومًا.

وفي حين تعتمد المغرب اعتمادًا كبيرا على التمويل والاستثمارات الأوروبية، قامت المملكة بتحركات استراتيجية للصمود أمام صدمات السوق الأوروبية. حيث قلل العاهل المغربي الملك محمد السادس بعض مخاوف الاعتماد على الأوروبيين من خلال اعتماد الأجندة الأفريقية حول الهجرة. والتي جددت النشاط المغربي في القارة، والتي تنص على "وحدة العمل" والتماسك، وجعل المغرب ثاني أكبر مستثمر الأفريقية في أفريقيا. وفي مارس من عام 2017، وقع الملك 80 اتفاقية ثنائية مع مالي، وغينيا، غابون، وساحل العاج، تغطي قضايا التجارة والاستثمار. وقال محسن الجزولي، الوزير المنتدب المكلف بالتعاون الإفريقي، إن الهدف الأساسي من الأجندة هو "دفع أفريقيا نحو النموذج الذي يعتبر الهجرة فرصة للنمو الاقتصادي وفرصة لمستقبل قارتنا". 

وفي الآونة الأخيرة، بذل الملك جهودًا حثيثة للتوفيق بين المملكة وبين الجزائر - لتسوية الخلافات الطويلة بينهما - على الرغم من أن الجزائر يبدو أنها رفضت محاولة الاتصال. وما زالت هذه الجهود مستمرة لتصفية الخلافات وسنوات طويلة من الإهمال الناجم عن توترات دبلوماسية مع "الاتحاد الأفريقي".

وقد بدأت المغرب تتجاوز شركائها التقليديين، وكذلك، تخطو خطوات نحو توسيع العلاقات والتفاوض على صفقات عالية المستوى مع الصين. حيث يتزايد تدفق المستثمرين الصينيين إلى المغرب، جزئيًا للاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة القيمة التي عقدتها المغرب مع أوروبا والولايات المتحدة. لقد أصبحت المغرب "محبوبة وسائل الإعلام في الصين"، وذلك لاستقرار البلاد وموقعها وحضارتها التي تعتبر عوامل جذب للاستثمارات الصينية؛ كما تضاعف السياحة أيضًا، وذلك بعد تخفيف القيود على التأشيرات. وتم تتويج ذلك بمشروع مشترك بقيمة 10 مليار دولار، والذي اقترحته ووافقت عليه مجموعة "هايت" الصينية، لتطوير مدينة صناعية لتشغيل حوالي 300. ألف مغربي، غير أن المدينة لم تؤتِ ثمارها بعد، مما يشير إلى أنه قد يكون هناك بعض العقبات الهيكلية التي تحول دون النمو السريع والتحديث الاقتصادي.
 
التحديات المستمرة والأساسية
في الواقع، وعلى الرغم من هذه المساعي السياسية، فإن النمو الاقتصادي المغربي ما زال هشًّا وضعيفًا. حيث أشار تقرير للبنك الدولي في أبريل الماضي إلى أنه "في غياب الإصلاحات الهيكلية الأكثر حسمًا،" سوف ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في المغرب. وللحيلولة دون تدهور المناخ الاقتصادي الهش، يدعو التقرير إلى الحاجة إلى تحديد أولويات "النمو الشامل.. وانخفاض معدلات الضريبة على الشركات، وتحسين إدارة الاستثمارات العامة، وفرض الضرائب أفضل"، وعلى نفس النسق، ففي أغسطس، قال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك لمنطقة الشرق الأوسط: "على مر السنوات، كانت هناك جهود جادة فيما يتعلق بالإصلاحات والبنية التحتية. ولهذا السبب أرى أن المغرب مليئة بالإمكانات. ولكن هناك مغرب أخرى تواجه صعوبات هائلة، حيث ينبغي عليها إعادة توزيع الموارد، والتماسك الاجتماعي. ولكن هناك شيء محزن: هناك الكثير من الاحتمالات والإنجازات التي تجعل المغرب استثناءً إقليميًّا، ولكن هناك أيضا بعض الهفوات"، فالإصلاحات الاقتصادية الموضوعية الداخلية ستكون خطوة حاسمة في تحقيق استقرار الاقتصاد، وتمكين التنمية الشاملة.

وتشمل القيادة في المغرب كل حالة استثنائية للمغرب في المنطقة، فضلا عن التحديات المتغلغلة. وعلى الرغم من الإنفاق على مشاريع بنية تحتية براقة - مثل اتفاقات حول القطارات السريعة وتأسيس المدن الجديدة - لم تتم الاستجابة للعديد من البنية التحتية الأساسية واحتياجات التنمية في أنحاء البلاد. وفي حين تحاول الحكومة الإمساك بإحكام على قيادة ثابتة – أو على الأقل، بصورة أكبر من جيرانها بعد انتهاء عهد الربيع العربي – فإن المملكة بحاجة إلى العمل الجاد لمعالجة هذه الشقوق الحرجة والتهديدات التي تلوح في الأفق إذا ما استمرت في مسار النمو التصاعدي.

ووراء التفاوتات الاقتصادية، تواجه المملكة تحديا كبيرا يتمثل في تغير المناخ. وتتنبأ "مؤسسة بروكينجز" أن تغير المناخ سوف يصل إلى ارتفاع متوسط في درجات الحرارة في شمال أفريقيا إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2050. وفي الواقع، على الرغم من أن معدلات هطول الأمطار من المتوقع أن تنخفض بنسبة 10%، سيزداد الطلب على المياه أضعافاً مضاعفة. وهذا سيكون له أثر هائل على قطاع الزراعة، وكذلك يؤكد الحاجة إلى تنويع المغرب لمجالاتها، والتحديث الاقتصادي الشامل.
 
نظرة مستقبلية مستقرة للمغرب
تشهد المملكة المغربية بشكل عام نموًا بطيئا لكنه مستقر. وإن تصنيف مؤسسة "ستاندرد آند بورز" الأخير للمغرب عند مستوى "B2" يشير إلى نظرة مستقبلية مستقرة للمغرب، مع المؤشرات التي تتراوح بين ريادة في تصحيح الأوضاع المالية، إلى اتجاه سائد في تخفيض ديون الحكومة في الناتج المحلي الإجمالي، إلى التحسن المطرد في ميزان الحساب الجاري تماشيًّا مع انخفاض صافي الديون الخارجية مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي، إلى إمكانات نمو أقوى وتحسن في مؤشرات التنمية. 

وهذا يشير إلى أن على المدى المتوسط والطويل، فإن الاتجاهات الاقتصادية الإيجابية في البلد تفوق بعض المخاطر الهيكلية الجارية. وفي الحقيقة، فقد اتخذت المغرب خطوات نحو تحقيق النمو المستدام. ومع ذلك، سوف ستظهر بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية - بما في ذلك علاج الفئات الأضعف من السكان - اختبارا هاما فيما يتعلق بما إذا كانت المغرب ستظهر مستقبلاً كاقتصاد قوي وشامل متجاوزةً النزعات الفاسدة، أم أنها ستتكلس في أساليبها القديمة. ومن أجل تأمين مكانها كمحور إقليمي للنمو والتقدم، فإن الإصلاحات الداخلية ستكون في غاية الأهمية.