مسرحيّة فرنسيّة..أن تُخطئ وتقع في الحبّ

عدن لنج_لندن

بدأ الممثل والمخرج المسرحيّ توماس جولي مسيرته المهنية منذ 2006، وعلى مدى ثلاث عشرة سنة عمل على إخراج مسرحيّة في كل عام، إلى جانب عمله كممثل في مسرحيات أخرى، لنراه الآن واحدا من الأسماء المعروفة على الساحة الفرنسيّة، حتى أنه افتتح العام الماضي مهرجان أفينيون المسرحيّ بعرضه "ثيستس" عن نص سينكا، الذي أخرجه وأدّى فيها دورا، ونال التقدير النقديّ إثر معالجته المتميزة له والاشتغال البصريّ الذي أنجزه.

مؤخرا شهد مسرح لاسكالا في العاصمة الفرنسيّة باريس بالترافق مع عرض تلفزيوني، المسرحيّة الأولى التي أخرجها جولي، وهي “أرلوكان يؤدّبه الحب” المقتبسة عن نص المسرحيّ الفرنسي ماريوفو، والتي تحكي قصة جنية عجوز خطفت شابا شديد الجمال بعدما أعجبت به ووقعت بحبه، لتكتشف لاحقا أنه لا يجيد التصرف ولا يفقه في الحب، ساعية بعد ذلك لجعله يقع في غرامها، ونزعه من بين يدي الراعيّة التي وقع في حبها.


المسرحيّة القصيرة والمؤلفة من فصل واحد مليئة باللحظات الكوميديّة، والمفارقات التي يخلقها “الوقوع” في الحبّ، إذ يرى جولي أن هذه المسرحيّة تشبهه، كونها مغامرته الأولى حينما كان شابا، كحالة البطل أرلوكان الشاب، الذي وقع في حب فتاة التقاها للمرة الأولى، وقرر أن يكون عشقهما مغامرته، لكن الاختلاف أن أرلوكان، ولكي يخفي عشقه، يعود إلى الجنيّة التي خطفته، ليتأدب أمامها ويظهر لياقته وحسن تصرفه، كي يتمكن من الهروب مع من يحبّ.

تحاول الجنيّة ضمن مساعيها لجعل أرلوكان يقع في حبها وأن تعلمه العشق، وكيفية جذب الحبيب، وتستخدم خدمها لتخبره بأن الحب كالتدريب العسكريّ، فعلى الفرد أن يخفي عيوبه، ويحاول الالتفاف حولها، كذلك إبراز ما يمتلكه من صفات حسنة، لكن بعد فشلها في تعليمه، تحاول تسليته والترفيه عنه علّه يقع في غرامها، لكنه تائه في بلاهته وحماقته المُستفزّة.

الأزياء والموسيقى وأجواء الكابارية والباروك في العرض تجعله يثير الرعب في بعض الأحيان، لتبدو الكوميديا أمامنا أشبه بمحاولة لتلافي العنف أو مصيبة ما، وكأن الحب يخفف من بطش الجنيّة وغضبها من سحرها العاجز عن جعل شاب أبله يقع في حبها، ما يجعل العيوب واختلاف الطباع الذي تحاول الجنيّة تجاهله يتحول إلى ضحك نتيجة العجز عن تغيير الوضع القائم، ما يثير الريبة لدى المشاهد حتى وهو يضحك ويستمع إلى صراخ وغضب الجنيّة.

ألم الوقوع في الحب وطرافة ذلك
ألم الوقوع في الحب وطرافة ذلك
يقرأ المؤدون من نص بين أيديهم، وكأنه غرض سحري يحرّك الحكاية ويعرّف الشخصيات بأدوارها ويهذب سلوكها ويضبط ما تقوله وتفعله، هذا النص وشكله الماديّ يمتلك قدرة على استدعاء أحداث المسرحيّة التي هي أشبه بتعويذة فاشلة، وهنا يبرز الغرض السحريّ الآخر، الخالي من أي قوى ما ورائيّة سوى المشاعر الحقيقية والعفويّة، وهو المنديل الذي تعطيه الراعية إلى أرلوكان كي يتذكرها، والذي تمكّن عبر “سحر الحبّ” الذي فيه من خداع الجنيّة وإقناعها بأنه يحبها، بل وتحول بسببه إلى عشيق ذي أخلاق عاليّة وإدراك تام لأصول التعامل، وهنا تبرز القدرة على التنقل بين الشخصيات النمطيّة وتجسيد طباعها، وهي الصفة التي تتحلى بها نصوص ماريوفو، القادر على خلق المفارقات والعثرات، ودفع المؤدين إلى التنقل بين الأداء المتقن وذاك السيء.

أضفت رؤية جولي الإخراجيّة على النص مسحة من الحيويّة أخرجت النصّ من الابتذال الذي قد يقع فيه بسبب اعتماده على خصائص الكوميديا ديلارتي التي تبدو مبتذلة أحيانا، إذ استفاد جولي من خصائص المسرح الشعبيّ ووظف العناصر المعاصرة في الإضاءة والديكور والموسيقى، التي يتداخل فيها الروك مع الشعر، لنرى أنفسنا أمام مسرحية ذات إيقاع سريع ومبالغة في الأداء لا تنحدر حدّ التهريج.

يتعمّد جولي تغيير النهاية الأصلية للمسرحيّة، فعوضا عن عفو أرلوكان عن الجنية بعد أن سرق عصاها السحريّة، نراه يحولها إلى ضفدعة، ويقرر أن يكون السيد الجديد، تاركا الراعية التي وقعت في حبه مذهولة من تصرفه هذا، واندفاعه نحو السلطة وقد أذهب عفويّة حبّه لها وصراعه من أجلها