تعديل الدستور يقسّم الشارع المصري

عدن لنج_القاهرة

وافق البرلمان المصري على مناقشة مقترحات تعديلات بالدستور، أبرزها تعديل مدة الرئاسة إلى ست سنوات بدلا من أربع سنوات، ووضع أحكام انتقالية بخصوص الرئيس الحالي، الأمر الذي يثير الكثير من الجدل في الشارع المصري ووسائل التواصل الاجتماعي، وامتد ليتوسع على مستوى عربي، حيث تتكرر تجربة تعديل الدستور في أكثر من بلاد.

وكان 150 نائبا تقدموا بطلب إلى رئيس مجلس النواب، علي عبدالعال، لتعديل عدد من مواد الدستور، بينها المدة الزمنية لمدة رئيس الجمهورية في الحكم، فيما يذكّر المعارضون الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي بتصريح لشبكة “سي.أن.بي.سي” الأميركية في نوفمبر 2017، بأنه لا ينوي تعديل الدستور، وسيرفض مدة رئاسية ثالثة.

ومنذ إقرار الدستور عام 2014، جرى انتهاك العديد من مواده فيما لم تجد مواد أخرى فرصة للتطبيق، إما لعدم توافر الرغبة السياسية للالتزام بها أو لاستحالة تطبيقها على أرض الواقع، وهو ما كان دافعا للنواب للإقدام على تلك الخطوة ومعهم مبرراتهم التي تقضي بالقبول بإجراء التعديل.

يركز مؤيدو التعديلات على أنها تهدف إلى ضبط الخلل في بعض المواد الدستورية، وأنها ستفضي إلى فتح آفاق جديدة للحريات، عقب التيقن من الاستقرار. ويدور الخلاف حول جوهر التدخل وطبيعته وحدوده.


ينقسم المشهد السياسي المصري بين تيارين، كل تيار يحاول تقديم براهينه المنطقية، إما لحتمية تعديل الدستور وإما لضرورة تجنب المساس به في الوقت الحالي، ويرى الفريق الأول أن الظروف أضحت مواتية للتعديل بعد أن أثبتت التجربة فشل تطبيق العديد من مواد الدستور، وعلى رأسها تخصيص نسبة محددة من الناتج القومي الإجمالي، تصل إلى 10 بالمئة لميزانيات الصحة والتعليم والبحث العلمي، وهو أمر لم تتحمله موازنة الدولة، التي باتت عرضة للطعن عليها أمام المحكمة الدستورية.

ويرى آخرون أن حبر كتابة الدستور لم يجف بعد، والأولوية لا بد أن تكون لتفعيل مواده، لا إدخال تعديلات عليها، في حين أنها لم تطبق ولم تختبر من الأساس، غير أن هذا الفريق يرمي بثقل موقفه على أن جوهر التعديل ينسف عوامل بناء الدولة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، لأن الديباجة المقدمة إلى البرلمان للتعديل نصت على زيادة مدة الرئاسة من 4 سنوات إلى 6 سنوات، كما أدخلت مادة انتقالية سمحت للرئيس عبدالفتاح السيسي بالترشح فترتين جديدتين بعد إقرار هذه التعديلات، ما يعني احتمال البقاء في السلطة لمدة 15 عاما قادمة.

هذه الخطوة المصرية، تثير جدلا سياسيا لا في القاهرة فحسب، بل انتقل النقاش حولها أيضا إلى العديد من البلدان المجاورة التي عرفت ثورات الربيع العربي وفي مقدّمتها تونس، التي كانت على أبواب تعديل دستوري مشابه كان يرمي إلى تغيير النظام السياسي من شبه برلماني أو رئاسي معدّل إلى رئاسي صرف، مثلما كان الحال في عهدي الرئيسين التونسيين السابقين الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، إلا أن هذه الخطوة اصطدمت برفض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي رفضت العودة بالبلاد إلى الوراء.

وفي مصر تبني النخب السياسية والحقوقية المعارضة لمبدأ تعديل الدستور، تبني مخاوفها على قاعدة تكرّر تجارب سابقة تمت في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي أقرّ تعديلا دستوريا عام 1980 أفضى بالنهاية إلى منحه مدة رئاسية غير محددة.

كما يرفض طيف واسع من المصريين إجراء تعديلات على دستور بلادهم الذي لم يجف حبره بعد، مرتكزين على ما حصل في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي تمكّن عبر تعديله للدستور في أكثر من مرة عبر استفتاءات شعبية، من البقاء في كرسي الحكم إلى غاية إسقاط نظامه قسرا، وكانت نتيجة آخر هذه التجارب ما حصل في الانتخابات الرئاسية لعام 2005.

ويشير مجدي بلال، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة)، إلى أن الدستور الحالي تصونه إرادة شعبية واسعة، شاركت في إقراره بنسبة موافقة بلغت 98 بالمئة، وبالتالي فإن الإقدام على التعديل قبل تطبيق عدد كبير من مواده يعد تعديا على رغبة جموع المواطنين، كما أن هذه الخطوة تعيد الأوضاع السياسية في مصر لما قبل ثورة 25 يناير 2011، والتي هدفت إلى تخليص البلاد من قبضة الحاكم القوية التي مكنت الرئيس الأسبق حسني مبارك من البقاء في منصبه أكثر من 30 عاما.

ويضيف مجدي بلال، في تصريحات لـ”العرب”، أن احترام الدساتير أساس الحفاظ على فكرة بناء الدولة الديمقراطية السليمة، كذلك فإن استمرار الدستور لفترات طويلة من دون تعديل يعطي فرصة لتثبيت أركان العمل المؤسسي، داخل البناء السياسي للدولة، والدستور الحالي يعدّ ضمانة للحقوق الاجتماعية والحريات العامة للمواطنين لما يتضمنه من مواد عديدة تدعم هذه الحقوق، لكن غياب التطبيق جعل من هذه المواد حبرا على ورق.

ويشدد العديد من المعارضين على أن التعديلات تعطي صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية في تعيين رؤساء الهيئات القضائية، وتنصّ على حماية الجيش للدستور والديمقراطية والحفاظ على مدنية الدولة، وكلها يمكن أن تنسف جوهر دستور 2014، الذي كان معبّرا عن مطالب فئات مجتمعية كثيرة، وأرسى قواعد واضحة للفصل بين السلطات، ما كان يعتبره العديد من السياسيين في ذلك الوقت أساس البناء السليم للدولة.

ركيزة للاستقرار
وافقت اللجنة العامة بمجلس النواب على تعديلات دستورية اقترحها نواب الأغلبية، وهي التعديلات التي تتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء في الحكم حتى عام 2034. وهذه أول خطوة للمضي قدما في مناقشة التعديلات التي يُتوقع أن يقرها البرلمان وتطرح للاستفتاء الشعبي.
وافقت اللجنة العامة بمجلس النواب على تعديلات دستورية اقترحها نواب الأغلبية، وهي التعديلات التي تتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء في الحكم حتى عام 2034. وهذه أول خطوة للمضي قدما في مناقشة التعديلات التي يُتوقع أن يقرها البرلمان وتطرح للاستفتاء الشعبي
يؤكد عصام شيحة، القيادي بتيار إصلاح حزب الوفد (مؤيد للتعديل)، أن زيادة الفترة الزمنية لمدة رئيس الجمهورية في حدّ ذاتها إحدى ركائز الاستقرار، وإحدى المواد التي تشكل دعامة أساسية لعدم تعرض البلاد لهزات عنيفة في ظل البيئة السياسية الهشة حاليا، كما أن فتح المجال العام للنقاش حول إقرار هذه التعديلات من عدمه هو أولى خطوات الإصلاح التي يجب الارتكان إليها في الفترة المقبلة، إلى جانب دعم الدولة للأحزاب.

ويضيف، في تصريحات لـ”العرب”، أن التعديلات تصحح أوضاعا قد تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في المستقبل، وعلى رأسها التأسيس الخاطئ لوضع البرلمان الحالي والذي يحظى بمدة (خمس سنوات)، أكبر من مدة الرئيس (أربع سنوات للفترة الواحدة)، وهو أمر لا يوجد في أي دولة أخرى، ومن الطبيعي أن تكون المدتان متساويتين أو تكون مدة الرئاسة هي الأكبر، لتجنب خلل ونزاع داخلي ما بين السلطات.

 

يسوق المؤيدون مبررات أخرى ترتبط بعدم ملاءمة النظام شبه البرلماني الحالي في دولة تقوم أساسا على المركزية، وأن السلطات التي وضعها الدستور الحالي بيد رئيس الوزراء والبرلمان جرى تطبيقها من الناحية الشكلية، في ظل بقاء رئيس الدولة هو العنصر الأقوى والأكثر فاعلية.

لا تتوقف حجج التعديل عند هذا الحد، لأن المشهد الإعلامي الذي عانى أزمات عدة منذ إلغاء وزارة الإعلام، تسبب في تداخل مهام الجهات الجديدة، ما أفرز مشكلات في ما بينها أدت إلى استمرار الفوضى الإعلامية، وكانت دافعا للفشل في التعامل مع أزمات الإعلام الحكومي التي تتطلب جهازا إداريا قويا يمكنه التدخل لحسم حلها.

غير أن عصام الإسلامبولي، المحامي الحقوقي (معارض للتعديلات الدستورية)، يذهب للتأكيد على أن التعديل قد يكون مطلوبا أحيانا، لكن المشكلة أنه يرتبط بفكرة بقاء رئيس الدولة في السلطة لأطول فترة ممكنة، وهناك استحقاقات لم ينفذها الدستور على رأسها إصدار قانون العدالة الانتقالية، ويعدّ جوهر الإصلاح السياسي ليسمح بتداول السلطة على أسس قانونية وموضوعية يتفق عليها الجميع، ما يعني خروج الجماعات المنخرطة في أعمال عنف خارج هذه المعادلة.

ويشبه الإسلامبولي، الوضع المصري الحالي بالعام 1980 عندما أقدم الرئيس الراحل أنور السادات على إدخال تعديلات على دستور 1971، وقضت بفتح مدد الرئاسة وأدخل بالتوازي معها بعض التعديلات الأخرى التي هدفت إلى الحصول على رضاء أصحاب الصوت المرتفع في تلك الفترة لضمان تمريرها، وهو ما جرى عبر كسبه لولاء الإسلاميين من خلال تغيير المادة الثانية بحيث تحولت “مبادئ الشريعة” من مصدر للتشريع إلى المصدر الرئيسي للتشريع، ونص على أن الصحافة سلطة رابعة لضمان التأييد الإعلامي لخطواته.


منحت ديباجة التعديل المقدمة من قبل نواب البرلمان، المرأة حقوقا واسعة، وخصصت لها ربع مقاعد البرلمان، وأعطت أيضا حقوقا واسعة للأقباط ولذوي الاحتياجات الخاصة من حيث التمثيل النيابي بنسب لم تحدد بعد، وإمكانية إجراء الانتخابات بالقائمة لإعطاء فرصة للأحزاب من أجل المنافسة.

ويشدد معارضون على أن هذه الامتيازات غير كافية، والضمانات التي يطالبون بها تتمثل في تفعيل مواد الدستور، تحديدا التي ارتبطت بضمان الحرية الشخصية وعدم القبض على أي مواطن دون تلبس مثلما نصت عليه المادتان 55 و65، أو المادة 57 التي تكفل سرية المراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وعدم جواز مصادرتها أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي، وهي مواد معطلة بسبب تطبيق حالة الطوارئ في البلاد.

النائب محمد أبوحامد: كتابة الدستور الحالي جاءت في وقت سعت فيه مختلف القوى السياسية للانتقال السريع من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية
محمد أبوحامد: كتابة الدستور الحالي جاءت في وقت سعت فيه مختلف القوى السياسية للانتقال السريع من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية
يدفع هذا الأمر النائب محمد أبوحامد، وكيل لجنة التضامن بمجلس النواب (أحد القائمين على تعديل الدستور)، للتأكيد على أن العديد من مواد الدستور الحالية جرت صياغتها بجمل إنشائية لا محل لها من التطبيق على أرض الواقع، في ظل ظروف أمنية وسياسية ومجتمعية معينة، وهذه المواد فُصلت في مرحلة انتقالية تجاوزتها البلاد في الوقت الحالي، كالتي ترتبط بتعيين وزير الدفاع وقد اشترطت موافقة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة أولا.

ويشير إلى أن كتابة الدستور الحالي جاءت في وقت سعت فيه مختلف القوى السياسية للانتقال السريع من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، بعد اندلاع ثورتين متتاليتين، ما انعكس على الصياغة السريعة وغير المنضبطة لعدد من المواد. والنظام السياسي في ذلك الوقت دعّم تمرير الدستور بصيغته الحالية لخشيته من تعقيد الأمور، وكان ينتظر استقرار الظروف السياسية والاقتصادية للإقدام على خطوة التعديل.

ويلفت إلى أن الديباجة التي قدمها النواب وتضمنت بعض المواد المراد تعديلها “مواد أولية سيتبعها إدخال جملة أخرى من المواد التي يجري التوافق عليها مجتمعيا، وقد تطال إلغاء الهيئات الإعلامية وتعديل المواد المرتبطة بعدم مركزية الإدارات المحلية، غير أن الأمر لن يطال بأيّ حال من الأحوال الأزهر أو المواد المرتبطة به”.

يتفق عدد كبير من المتابعين على أن الوضع الراهن يعدّ مناسبا بالنسبة للحكومة المصرية التي تسعى لتعديل الدستور متحصنة بضعف المعارضة والدعم الخارجي الذي تلقاه من هيئات وبلدان تدعم استقرار الأوضاع في مصر لمواجهة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، ورغبة الهيئات والمؤسسات الداعمة للاقتصاد المصري في أن يستمر التوجه الحالي أكبر فترة ممكنة، مع غياب اهتمام المواطنين بالأوضاع السياسية بشكل عام، وارتداد الثقافة الشعبية الساعية للتغيير قبل 8 سنوات إلى ما اعتادت عليه قبل عقود، وأضحت تبحث عن الاستقرار وتتمسك بالزعيم القوي الذي يوفر لها ملاذا بالحياة الآمنة