تفاصيل في ملف السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض

عدن لنج /محمد عقابي
 
تتميز الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية على مدار تاريخها الحديث بظاهرة ترقب المواطنين الأميركيين ومتابعتهم لخطواتها ومراحلها إنتظاراً منهم لخبر تلقي المرشح الفائز مكالمة هاتفية من المرشح الخاسر يهنئه فيها بالإنتصار ويتمنى له ولأميركا كل الخير والتقدم والإزدهار.
 
 
 
وبرغم سخونة الحملات الإنتخابية وما تشهده من هجمات موضوعية وشخصية من كل فريق على الآخر، تطوي النتائج الصراع السياسي بين الفريقين وتبدأ مرحلة انتقالية جديدة يشارك فيها الجميع تمتد لأسابيع لنقل السلطة للطرف الفائز.
 
 
 
وتتضاعف أهمية هذه العملية الإجرائية اذا كان الطرف الخاسر هو الرئيس الحالي للولايات المتحدة، وحدث ذلك عام 1980م عندما خسر الرئيس الديمقراطي "جيمي كارتر" وتكرر نفس المشهد في عام 1992م عندما خسر الرئيس الجمهوري "جورج بوش" الأب.
 
 
 
ويرى مراقبون بان الرئيس "دونالد ترامب" يؤمن بضرورة اتباع التقاليد الأميركية الراسخة إذ لم يتعهد بقبول نتائج الإنتخابات وتهنئة المرشح "جو بايدن" حال خسارته كما جرت العادة على مدار التاريخ الأميركي، ودفعت دعوات الرئيس "ترامب" لتأجيل الإنتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثالث من نوفمبر "تشرين الثاني" المقبل وما سبقها من رفضه التعهد بإحترام نتائجها الكثيرين لتوقع أزمة دستورية غير مسبوقة.
 
 
 
وللمرة الأولى يشكك رئيس بالسلطة في نتائج إنتخابات مستقبلية وهو ما يدفع لتقويض الديمقراطية الأميركية والتسبب في أزمة ثقة في نظامها وإجراءاتها السياسية وهو ما أدى لطرح أسئلة عن موقف الجيش من أزمة مستقبلية.
 
 
 
يؤكد عدد من الخبراء بان الولايات المتحدة عرفت مشكلات إجرائية على مدار تاريخها فيما يتعلق بالإنتخابات من حيث منع البعض من الوصول الى صناديق الاقتراع والتشكيك في شرعية النتائج وطرح الطعون القانونية وإجبار الناخبين على الوقوف في طوابير طويلة، لكن لم يسبب أي منها أزمة بالمعنى الحقيقي إلا في انتخابات عام 2000م عندما حسمت المحكمة الدستورية العليا نتيجة انتخابات ولاية "فلوريدا" وأعادت فرز الأصوات مما أدى لفوز المرشح الجمهوري "جورج بوش" بالرئاسة.
 
 
 
ويكرر الرئيس "دونالد ترامب" طرح شكوكه في عملية التصويت البريدي المتوقع ان تستخدم على نطاق واسع في الإنتخابات المقبلة، كما يكرر مخاوف تزوير نتائج الإنتخابات اذا تم التوسع في التصويت بالبريد، ودفع انتشار فيروس كورونا المستجد الكثير من الولايات في أميركا للاعتماد على التصويت البريدي خوفاً من تداعيات التصويت الشخصي على انتقال الفيروس وارتفاع الإصابات، ويرفض "ترامب" التعهد بالاعتراف بالهزيمة وقبوله بأي نتيجة محتملة للإنتخابات الرئاسية.
 
 
 
وخلال المناظرة الرئاسية الثانية التي جمعت الرئيس "دونالد ترامب" بـ"هيلاري كلينتون" في انتخابات 2016م رفض المرشح ترامب التعهد بقبول نتائج الإنتخابات ومباركة فوز خصمه اذا خسر السباق،  وقال "ترامب" حينذاك سنرى ما يمكن فعله في هذه اللحظة، ولم تعرف انتخابات 2016م تصويتاً واسعاً بالبريد ولم يكن هناك أي مخاوف من نتائج تزوير الإنتخابات، وكرر ترامب الموقف نفسه حيث اعترف بأنه لا يحب الهزيمة، وقال "لست خاسراً جيداً، لا أحب تكبد الهزائم، لا أخسر كثيراً ولا أحب أن أخسر"، مؤكداً أنه لن يقبل النتائج مقدماً.
 
 
 
من جهته قال "جو بايدن" انه مقتنع تماماً بأن الجيش سيتدخل لإخراج الرئيس "دونالد ترامب" من البيت الأبيض، في حال خسر الأخير الإنتخابات ورفض المغادرة، ورد "بايدن" على سؤال حول إمكانية رفض ترامب مغادرة البيت الأبيض بعد الإنتخابات حال هزيمته بالقول : نعم، لقد فكرت في إمكانية رفض ترامب المغادرة، أنا متأكد تماماً من ان أفراد الجيش سيرافقونه خارج البيت الأبيض بأعداد كبيرة، وحذر "بايدن" من احتمال قيام ترامب بسرقة الإنتخابات الرئاسية، مضيفاً في تصريحات لوسائل إعلام مرئية ان معارضة "ترامب" للتصويت الإلكتروني وسط تفشي فيروس كورونا هي جزء من جهوده الرامية الى حرمان المواطنين من حق التصويت.
 
 
 
وغرد الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" منذ أسابيع وقال ان التوسع في التصويت البريدي سيكون سيئاً للحزب الجمهوري، إذ يدرك ترامب ان التصويت بالبريد سيصب في صالح منافسه الديمقراطي "جو بايدن" لذا فإنه يهاجم الفكرة، وتقليدياً لا يشارك الفقراء والأقليات بنسب كبيرة في التصويت بالطريقة الشخصية التقليدية مقارنة بنسب تصويت الأغلبية البيضاء المرتفعة، وتصوت هذه الفئات المهمشة بنسب أكبر للديمقراطيين وهذا هو جوهر اعتراض ترامب والجمهوريين، حيث ان التصويت البريدي سيخدم بالأساس الحزب الديمقراطي من خلال التوسع في أعداد الناخبين من الأقليات والفقراء.
 
 
 
ويرى بعض الخبراء القانونيين بانه لا يوجد هدف معين من طلب "ترامب" تأجيل الإنتخابات، مشيرين الى ان ذلك يؤكد على عدم قدرة الرئيس قانونياً او دستورياً للقيام بهذه الخطوة، فدستورياً لا يمكن تأجيل او إلغاء الإنتخابات الرئاسية إلا تحت ظروف قصوى ومنذ الاتفاق على موعد الإنتخابات الرئاسية عام 1845م لم تشهد الولايات المتحدة هذه الظروف حتى أثناء إنخراطها في حربين عالميتين، ويتمتع الرئيس بالكثير من الصلاحيات في النظام السياسي الأميركي لكن ليس فيما يتعلق بالإنتخابات، ويمكن تأجيل الإنتخابات عن طريق تعديل دستوري جديد يوافق عليه الكونغرس بأغلبية الثلثين وهذا سيناريو يستحيل تصوره،
 
 
ويقر التعديل الدستوري رقم 20 لعام 1933م على إنهاء خدمة الرئيس ونائبه يوم 20 يناير "كانون الثاني" حتى ولو لم تجر الانتخابات.
 
 
 
وتدخل الجيش على خط النقاش السياسي بعدما وجهت "إليسا سلوتكين" و "ميكي شيريل" وهما نائبتان ديمقراطيتان من مجلس النواب أسئلة مكتوبة الى كل من وزير الدفاع الأميركي "مارك إسبر" ورئيس هيئة الأركان المشتركة "مارك ميلي" حول القلق من رفض "ترامب" ترك منصبه طواعية او قد يحاول استخدام الجيش للتشبث في السلطة في حال فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن" بالإنتخابات، ونأى الجنرال "ميلي" بالجيش بعيداً عن السجالات السياسية، ورد بخطاب رسمي جاء فيه : أنه في حال وقوع خلاف على جوانب من الإنتخابات، حسب القانون فإن المحاكم الأميركية والكونغرس هما المطالبان بحل أي خلاف، وليس القوات العسكرية الأميركية، ويخشى مؤسسو الدولة الأميركية من تدخل الجيش في الحياة السياسية، وحد الدستور من أي احتمال لسيطرة ضباط عسكريين غير منتخبين على الحكم، محدداً بدقة مسؤوليات الرئيس المنتخب والتي على رأسها أنه قائد أعلى عام للقوات المسلحة، ويتطرق الدستور الأميركي الى أساليب التعامل مع رئيس يرفض ترك منصبه من خلال التعديل العشرين بالدستور الذي نص على ان تنتهي فترة ولاية الرئيس ونائب الرئيس ظهراً في اليوم العشرين من يناير "كانون الثاني"، وتملي التعليمات الواضحة في القانون الأميركي خط البديل فإذا لم ينتخب رئيس جديد تذهب السلطة لرئيس مجلس النواب بصورة مؤقتة حتى يتم إجراء انتخابات جديدة.
 
 
 
ويشكك الكثير من المهتمين والمراقبين في كفاءة هيئة البريد الأميركية للتعامل مع ملايين بطاقات الإقتراع في فترة زمنية قصيرة، لأفتين الى انه في حال وقوع هذا السيناريو تنتهي فترة رئاسة "دونالد ترامب" منتصف يوم 20 يناير "كانون الثاني" المقبل، وتتبوأ "نانسي بيلوسي" بصفتها رئيسة لمجلس النواب الرئاسة الأميركية بصورة مؤقتة حتى يتم الإتفاق على إجراء إنتخابات جديدة حرة ونزيهة.