أيام تمضي على استشهاد القائد "أبو عيدروس"..ضرغام الجنوب وقاهر الأعداء..لمحات من سيرة حياته ومآثره البطولية

عدن لنج /محمد عقابي
 
 
الشهيد القائد يسري عبيد حازم الحوشبي «أبو عيدروس»، بطل من أبطال زماننا، وهو أشهر من نار على علم كقائد جسور ورمز وطني أصبح اسمه يتردد على كل لسان، وتصدر وسائل الإعلام العربية والأجنبية حياً وبعد استشهاده، وأطلقت عليه ألقاباً عديدة ووصف كأحد أهم القادة العسكريين في الساحة الجنوبية وجعلته هذه المكانة كأحد القادة العسكريين البارزين في الجنوب هدفاً لأعدائه بمن فيهم الحوثيون والتنظيمات الإرهابية الأخرى وفقاً لتقارير ومصادر عديدة، وارتبط اسمه بالحراك الجنوبي منذ نشأته، وبرز دوره البطولي في التصدي للغزو الحوثي للمسيمير والجنوب، ثم صعد نجمه بقامته الفارعة وجسده المتناسق وروحه المتوثبة كقائد عسكري فذ في القوات الجنوبية الناشئة التي جرى تكوينها بعد تحرير محافظات الجنوب بدعم من التحالف العربي للحفاظ على النصر بغية استكمال المعركة ضد المليشيات الحوثية وكسر شوكتها وضد الجماعات الإرهابية التي اتخذت من هذه المحافظات مسرحاً لنشاطها، فكان رأس حربه في مطاردة تلك الفلول واجتثاث خلاياها من الأرض الجنوبية بحكم عمله الوطني في قطاع الحزام الأمني وتحت قيادة أخيه القائد محمد علي الحوشبي "أبو خطاب"، حيث استطاع برفقة زملائه في هذا القطاع من تطهير وتحرير مواقع لم تصل إليها أي قوات حكومية من قبل وتأمينها من خطر العناصر الإرهابية وهو ما جعله محل رضأ وإعجاب قيادة القوات المسلحة الجنوبية والأمن والقوى الدولية التي تكافح وتحارب التطرف بكل أشكاله.
 
فمن هو القائد العسكري يسري الحوشبي «أبو عيدروس»؟!.
 
الميلاد والنشأة.
 
ولد يسري عبيد حازم العمري الحوشبي يوم 12 أبريل 1980م، في مركز مكيديم الواقع بمحاذاة وادي تبن بمديرية المسيمير الحواشب محافظة لحج هذه البلدة المتميزة بتضاريسها الوعرة والمؤلفة من سلسلة جبلية وهضاب متوسطة الإرتفاع تتخللها العديد من الشعاب ومجاري المياه العميقة وتنتشر فيها عدة قرى وتجمعات سكانية تتناثر في بطون التلال والمرتفعات الجبلية، وبرز من أبنائها مناضلون كثيرون بمختلف مراحل النضال الوطني وعشرات الثوار والشهداء الأبطال.
 
وينتمي أبو عيدروس لأسرة كريمة ذات صيت ونسب عريق منها بيت المشيخة في منطقة «مكيديم» التي اشتهر منها أخواله الشيخ مرشد علي حمادي والشيخ عبد الله علي حمادي والفقيد حسن علي حمادي وكذلك عمه الشخصية الإجتماعية عبد الله قائد راوح والشاعر الكبير علي محمد سالم الكومي الذي يعد من أهم وافضل شعراء العصر الحديث في محافظة لحج.
 
في هذه الأسرة العريقة وفي بيئة فلاحية يمتهن أفرادها الزراعة التي مثلت المصدر الرئيس لمعيشتهم رغم محدوديتها وفي مجتمع يجل قيم الرجولة والشجاعة والشهامة نشأ أبو عيدروس وترعرع مع أقرانه وتشرب القيم النبيلة ولعب معهم ألعاب الأطفال التقليدية كالجري وكرة القدم وتسلق الجبال المحيطة والسباحة وتعلم الرماية وإجادة تصويب الأهداف سواء في لعبة الرمي بالحجارة على الأهداف (النصع) او من خلال تعلم الرماية بالذخيرة الحية التي يحرص الآباء في بلاد الحواشب على تدريب وتعليم أبنائهم مهارة استخدام السلاح ودقة التصويب، وهو ما أنعكس لاحقاً في حياته النضالية والثورية والعسكرية مقاوماً ومقاتلاً وقائداً، أجاد استخدام السلاح في فنون القتال وخاض بروحه الشجاعة والوثابة غمار المعارك ضد قوى الإحتلال منذ حرب صيف 1994م الغادرة وحتى الغزو الهمجي على الجنوب عام 2015م.
 
دراسته في المرحلة الإبتدائية والثانوية.
 
التحق بمدرسة (الإيمان) الإبتدائية بمنطقة مكيديم مسقط رأسه وكانت تضم الطلاب من الصف الأول وحتى الصف الثامن لقلة الفصول فيها وكذا قلة عدد المدرسين، وفي هذه المدرسة بدأ نبوغه المبكر من بين أقرانه، وبشهادة جميع المعلمين فقد كان من الطلاب المهذبين والمبرزين داخل المدرسة وتميز بالأخلاق الحميدة وحُسن السيرة والسلوك والتواضع والإلتزام، وكانت لديه آمال وتطلعات كبيرة داخل المدرسة وبرزت كذلك طموحاته القيادية التي عبر عنها برغبته في ان يكون مراقباً للطلاب داخل الفصل، وفعلاً حصل على رغبته بموافقة معلميه الذين رأوا فيه علامات النجابة والذكاء وروح المسئولية وكانوا يستعينوا به أيضاً في المراسلات بين أولياء الأمور وإدارة المدرسة، وبعد ان أكمل الدراسة في الصفوف الإبتدائية والإعدادية كان عليه ان ينتقل لمواصلة التعليم الثانوي في مدرسة الشهيد عباس للتعليم بالمسيمير وهي اقدم مدرسة في  بلاد الحواشب وتتوسط جميع قراها وإليها يتوافد الطلاب من جميع المناطق والتجمعات السكانية المحيطة.
 
مثله مثل كثيرين غيره ممن يبعد موقع مدارسهم عن مساكنهم كان عليه ان يقطع المسافة ذهابا وإياباً مشياً على الأقدام صعوداً ونزولاً حيث يرتقي كل صباح طريقاً وعراً الى موقع المدرسة ثم يهبط تلك الطريق نزولاً بعد إنتهاء الدراسة ظهراً في طريق عودته الى منزله، ورغم طول الطريق وصعوبة الوصول الى المدرسة مشياً على الأقدام فقد أبدى طوال فترة دراسته التزاماً وانضباطاً ومثابرة على الحضور ولم يسجل عليه أي غياب طوال أيام الدراسة إلا فيما ندر، بل أنه وبشهادة معلميه كان الأول في الطابور الصباحي وآخر طالب ملتزم للحصص الأخيرة، وهذا يعكس حبه للتعليم وروح المسئولية والإخلاص التي تميز بها منذ طفولته ولهذا فليس غريباً أن يكون من بين أوائل الطلاب في نتيجة الإمتحان النهائي كل عام دراسي، وفي موسم من المواسم  ونظراً لكثافة الطلاب الذين يأتوا من مناطق مختلفة ويحصلون على السكن والتغذية مجاناً على نفقة الدولة، أتى الفرج لأبو عيدروس لعله من خلال السكن الداخلي يوفر على نفسه تعب التنقل يومياً مشياً على الأقدام ويوفر على أسرته تكاليف الغذاء ومتطلبات الدراسة الى الحد الأدنى، وفي هذه المدرسة واصل دراسته محافظاً على مثابرته وتميزه سلوكاً ودراسة حتى أنهى مرحلة التعليم الثانوي، وخلال سنوات دراسته الابتدائية والثانوية استطاع نسج علاقات واسعة مع زملاء دراسته واكتساب الصبر والقدرة على التكيف مع المحيط الإجتماعي والطلابي وتحمل الصعاب وهذا ما جعل منه لاحقاً شخصية اجتماعية محبوبة.
 
التحاقه بالجيش.
 
قطع أبو عيدروس حلمه في مواصلة مراحل دراسته الجامعية حينما قرر الإلتحاق بالقوات المسلحة عام 2004م ربما بدافع ذاتي لكي يستطيع مساعدة أسرته في توفير لقمة العيش ومتطلبات الحياة، وخلال فترة خدمته العسكرية في جهاز الأمن المركزي وتحت قيادة العقيد عبد الله عليوة عوض الحوشبي (ماجستير علوم عسكرية) ظل يفكر بمواصلة دراسته لشغفه بالتعليم وحبه له لكن الظروف الأسرية والمعيشية لم تسمح له بذلك، والتحق أبو عيدروس بعدة دورات تأهيلية في العلوم السياسية العسكرية والأمنية مكنته من الإلمام بمعارف وعلوم هذا المجال كما انها صقلت قدراته ومواهبه ومهاراته القتالية والعسكرية والأمنية، وترك عمله في السلك العسكري احتجاجاً على المعاملة السيئة والتعسفية التي يلقاها ابناء الجنوب في المعسكرات اليمنية.
 
التحاقه بالحراك الجنوبي.
 
كان أبو عيدروس مثله مثل الكثير من الجنوبيين رافضاً للخضوع والخنوع للإحتلال الشمالي منذ اجتياح واحتلال أرض الجنوب صيف 1994م واضطرار معظم ابناء الوطن مكرهين للمغادرة واللجوء للاغتراب والعمل بعيداً عن الأهل، وكان يتطلع الى يوم الخلاص وكله استعداد وحماس لأن يشارك في صنع وتقريب ذلك اليوم ويتحين الطريقة المناسبة والفرصة المواتية لذلك، وليس غريباً ان أعلن انضمامه الى الحراك الجنوبي مبكراً منذ بداية تأسيسه في العام 2007م وسرعان ما انتشرت هذه الحركة الثورية الجنوبية السلمية في كثير من المناطق على شكل فصائل تنادي بالحقوق وإستعادة الدولة وهو ما قض مضاجع نظام صنعاء باعتمادها العمل السلمي وكذا الفدائي احياناً ضد معسكرات ونقاط الإحتلال وقادته العسكريين وتشكلت هذه المكونات في غالبيتها من العسكريين والمدنيين الذين أبعدوا عنوة من مناصبهم وأحيلوا الى التقاعد القسري ومن الشباب الجنوبي المتحمس والمندفع للخلاص من براثن نظام الإحتلال.
 
كما كان الشهيد أبو عيدروس من المشاركين في كل فعاليات الحراك الجنوبي منذ انطلاقته وكان ضمن الرعيل والكوكبة الأولى من النشطاء الذين نظموا المسيرات والمظاهرات المنددة بنظام الإحتلال اليمني في بلاد الحواشب والذي كان أبرزهم المناضل البارز وقائد ومؤسس أول تشكيلات الحراك الجنوبي على مستوى المديرية الدكتور "باسم منصور ناصر الحوشبي"، كما كان من أوائل القادة الميدانيين ممن هتفوا بأصوات عالية (ثورة..ثورة ياجنوب) وكان الشهيد ابى عيدروس يردد «إن صمودنا وثباتنا سوف يدفع بالكثير من الناس للالتحاق بنا والإلتفاف حولنا»، وبالفعل فبمرور الأيام اشتد عود الحراك الجنوبي وتحول إلى قوة جماهيرية حية وفاعلة على امتداد ساحة الجنوب، وكانت كل فعالية أكبر من الفعالية التي سبقتها، واشتد تدريجياً زخم الثورة السلمية وتوسع نطاقها فواجهها الإحتلال بالقمع والمطاردات واعتقال رموزها، وسرعان ما تحولت الى ثورة شعبية عارمة تطالب بالإستقلال وإستعادة الدولة وكانت تلك بداية النهاية التي أدت الى سقوط نظام عفاش، كما ظل أبو عيدروس حريصاً على المشاركة في كل نشاطات وفعاليات الحراك في المسيمير وردفان والضالع ويافع والصبيحة ولحج وعدن وأبين وشبوة وحضرموت، حيث كان يحرص على ان يكون في مقدمة صفوفها مع إدراكه وقناعته انه قد يسقط شهيداً مثله مثل عشرات الشهداء الذين سقطوا برصاص قوات الإحتلال وهم يواجهونها بصدورهم العارية وبالشعارات التي يرددونها واليافطات التي يحملونها فقط.
 
أبو عيدروس وسجون الإحتلال.
 
كان أبو عيدروس لشجاعته وإقدامه في فعاليات الحراك الجنوبي يدفع ثمن النضال دائماً، فقد كان مطلوباً من قبل قوات الإحتلال اليمني لدور البارز في قيادة الشارع الجنوبي وكسر الحواجز الأمنية والعسكرية لقوات الإحتلال اليمني التي كانت تقف في وجه المظاهرات والمسيرات السلمية لقمع المتظاهرين بالرصاص الحي، وجرى اعتقاله بسبب نشاطه عدة مرات منذ انطلاقة ثورة الحراك الجنوبي، وكان يتحدث بثبات لزواره أمام سجانيه : « لن يخوفنا الغزاة المحتلون وسوف نخرج من هذه المعتقلات ونأخذ حقنا منهم وسنستعيد دولتنا اليوم او غداً »، وبسبب مواقفه الصلبة التي كان يجاهر بها كاد أن يلقى حتفه ضمن من جرى تعذيبهم وإعدامهم في السجون لولا عناية الله، إذ تمكن من الهرب من سجون الإحتلال بأعجوبة وعاد الى صفوف رفاقه في المقاومه الجنوبية التي أسهم بتأسيسها في الحواشب الى جانب الكثير من زملائه الأبطال ونفذ مع رفاقه عمليات جريئة ضد قوات الإحتلال اليمني المتمركزة في كرش وعقان ومحيط المسيمير حتى تم تحريرها، كما كان أبو عيدروس من أوائل الفرسان الذين اختاروا الأسلوب العسكري والعمليات الفدائية ضد معسكرات الإحتلال وكانت له بصماته في العمليات العسكرية التي قام بها الحراك المسلح حيث شارك رفقاء الموقف والسلاح الحواشب مع أخوانهم ابناء ردفان والجنوب في معارك جبال الأحمرين عام 2009م حينما قامت قوات الإحتلال اليمني بإستحداث مواقع عسكرية على تلك الجبال المطلة على مناطق وقرى ردفان وهو ما أثار إستهجان ورفض وغضب المواطنين، كما شارك ايضاً مع الأبطال المغاوير بقيادة الشهيد محمد صالح طماح والقائد سالم صالح الحطيبي في الملحمة البطولية لتحرير معسكر (العر) في يافع مطلع مايو 2011م والتي تم فيها طرد قوات الحرس الجمهوري الغازية التي عانى منها الأهالي في يافع صنوف الضيم والجور والإذلال في أرضهم وهو ما لم يتقبلوه، واستشهد في هذه المعركة ثلاثة من أبطال المقاومة الجنوبية هم عبد السلام التركي وعبد الله ناصر هرهرة وعادل الصلاحي، وكان أول انتصار جنوبي مؤزر عجل فيما بعد برحيل الغزاة من أرض الجنوب وهيأ أبطال المقاومة المغاوير للرد الحاسم على جرائمه التي يرتكبها بحق شعب الجنوب المسالم.
 
واصل أبو عيدروس نشاطه الفدائي وحضوره الفعال في عمليات المقاومة الجنوبية بالحواشب وردفان ويافع والضالع مع رفاقه في المقاومة وحينما ارتكبت قوات الإحتلال في 27 ديسمبر 2013م جريمتها الشنعاء بحق مخيم العزاء للشهيد فهمي محمد الفهد في سناح بالضالع والتي ذهب ضحيتها أكثر من 20 شهيداً و 30 جريحاً كان الثأر السريع والشجاع مباشرة في 30 ديسمبر من قبل أبطال الحراك المسلح ضد هذا العمل الإرهابي الجبان، حيث قام أبو عيدروس مع رفاقه المغاوير من أبطال مقاومة الحواشب مشاركة أخوانهم في الضالع ويافع وردفان وشنوا معهم عملية عسكرية بطولية موحدة لإقتحام معسكر القطاع الغربي في الحبيلين واستشهد فيها كلاً من حسين الطيري ومحمد قنداس العياشي وجمال عبيد طالب وسامي أحمد طالب وأصيب البطل نبيل الخالدي (استشهد عام 2014م في بيحان) وأحمد يحيى الكبدي (استشهد 2015م في عدن في مواجهة الغزاة الحوثيين)، وشارك فيها القائد المقاوم وليد الطفي (استشهد في معركة الخزان بالضالع في المواجهات مع الغزاة الحوثيين عام 2015م) وكبدوا العدو خسائر عديدة وأثاروا الرعب والذعر والهلع والخوف في صفوف عناصره، وكان أبو عيدروس عند تنفيذ هذه العمليات مثله مثل بقية رفاقه المقاومين يستخدمم في المعارك سلاحه الشخصي ويشتري الذخيرة التي يقاتل بها من ماله الخاص ويتحمل تكاليف تنقله ومأكله ومشربه.
 
«أبو عيدروس» قائداً ومقاتلاً ضد الغزاة الحوثيين.
 
في المواقف الصعبة والمنعطفات الهامة تتبين معادن الرجال وقد أثبت أبو عيدروس ذلك في المواقف التي مر بها الحراك الجنوبي، حيث كان دائماً في مقدمة الصفوف مستبسلاً في سبيل انتصار قضية شعبه واستعادة دولته الجنوبية بحدود 1990م، وبرز دوره المحوري عندما اندفع الحوثيون وقوات نظام علي عبدالله صالح لغزو الجنوب للمرة الثانية عام 2015م، إذ كان ضمن طلائع المقاومة الجنوبية في معارك العزة والكرامة  والإستبسال مقاتلاً شرساً وقائداً شجاعاً ضد المليشيات الحوثية الغازية وقوات عفاش وانخرط مبكراً في صفوف القوة التي واجهت الغزاة بدءاً من جبهة الحواشب التي امتدت من جبال (مشيقر والأسد ومناعة) في مريب مروراً بالنخيلة وحتى الحرور وسيلة (بله) ومصنع الأسمنت وجبل منيف شرقاً ومناطق صبيحة كرش غرباً وغيرها من الجبهات الأخرى، وكانت هذه الرقعة الواسعة تحت قيادة الشهيد العقيد محسن سالم منجستو والشيخ محمد علي الحوشبي قائد المقاومة الجنوبية بالحواشب والشهيد القائد حمزة أحمد حسين ناجي وجامع فضل وهؤلاء يمثلوا المسيمير واللواء ثابت جواس واللواء الشهيد محمد صالح طماح يمثلوا ردفان، حيث كان الشهيد القائد أبو عيدروس يصول ويجول في الجبهات كالضرغام قائداً ومقاتلاً مغواراً يستخدم بمهارة جميع أنواع السلاح، وحينما وصلت قوات المقاومة الى مشارف مدينة المسيمير في معركة التحرير كان يتقدم الصفوف ويشحذ الهمم ويبشر المقاتلين بتقهقر العدو بمدرعاته ودباباته ومدافعه التي لم تصمد أمام عزيمة الأبطال الذين لا يمتلكون سوى أسلحة بسيطة وقد جرح أثناء القتال في جروحاً خطيرة لكنه ما ان تلقى العلاج حتى عاد الى أرض المعركة وبشهاده أحد رفقائه المقاتلين في جبهة المسيمير الحواشب الذي يقول : لم أصادف بحياتي رجلاً صلباً كصلابة يسري العمري، والله انه فارس قل ان تنجب مثيله الأمهات، فقد كان عالي الهمة لايبالي بإرهاق الجسد والمشقة والعناء والجهد، حيث ظل يتنقل بين الجبال والصحاري والرمال بمختلف جبهات القتال وكان زاده وطعامه طوال هذه الفترة الخبز اليابس والصلب ممن مر عليه ايام يلوكه مع رشفات ماء ساخن من اجل سد رمق الجوع وبما يعينه على مواصلة السير في درب النضال، كانت هذه حياة هذا البطل وهو يقاتل بجانب زملائه في الجبهات وكان ينام في الكراتين في العراء مفترشاً الحصير والرمال ومتجشماً صنوف واشكال المعاناة من اجل الوطن، وهكذا بعزيمة الرجال ومساندة دول التحالف العربي أستطاع أبطال المقاومة الجنوبية ان يحققوا النصر المؤزر، وكان يسري عبيد حازم الحوشبي أحد الفرسان الذي صنعوا ملاحم ذلك النصر العظيم ومن أوائل الأبطال الذين كان لهم الفضل في اسقاط جبروت نظام الإحتلال ومليشياته الإجرامية.
 
مؤسس قوات اللواء العاشر صاعقة.
 
بعد تحقيق الإنتصار الحاسم على الغزاة الحوثيين ولما يمتلكه من قدرات قيادية وتنظيمية وما يحظى به من تقدير تم اختياره من قبل قائد قطاع الحزام الأمني بالمسيمير الشيخ محمد علي الحوشبي ليقود جبهة حبيل حنش بحكم إنتمائه لقوات القطاع الأمني، وعندما سيطرت مليشيا الحوثي الإرهابية على مديرية ماوية المجاورة مهددة بذلك أمن واستقرار بلاد الحواشب كان القائد أبو عيدروس من أشد الفرسان الشجعان المتحمسين لتطهير مساحة الأرض من خطر هذه المليشيات وسحق جحافلها في جميع البقاع ولثقة قيادة المجلس الإنتقالي الجنوبي فيه كقائد شجاع ومقدام وبعد ترشيح وتزكية وتوصية من قبل قائد المقاومة الجنوبية وقطاع الحزام بالمديرية القائد محمد علي الحوشبي اوكلت اليه مهمة تشكيل قوات اللواء العاشر صاعقة وقيادة هذا اللواء وجبهة حبيل حنش الحدودية المشتعلة لحماية حدود الجنوب والتصدي للعدوان مليشيا الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، وأبدى استعداده للقيام بهذه المهمة وهو يدرك خطورة وجسامة المسئولية وأنه مشروع شهيد كما كان يقول في مثل هذه المواقف الحاسمة.
 
شرع أبو عيدروس على الفور في مطلع عام 2019م بتجميع شباب المقاومة الذين كان لهم شرف مواجهة الغزاة الحوثيين وصنعوا النصر الحاسم بدعم التحالف العربي بمساعدة ودعم وإسناد من قبل قائده الأول في المقاومة وقطاع الحزام الأمني القائد الفذ محمد علي الحوشبي، وتم تجميعهم في معسكر قطاع الحزام بعقان (لبوزة سابقاً) وعمل على تدريبهم وإعدادهم بدنياً وعسكرياً لخوض معارك الدفاع عن الجنوب من المليشيات الحوثية والإرهابية بنفس الروح القتالية الصلبة والثبات التي تم بها تحرير المسيمير من الحوثيين، وتمكن خلال وقت قياسي من تشكيل كتائب وسرايا قتالية كانت عبارة عن قوات طوارئ هجومية ودفاعية، وشن اللواء تحت قيادة أبو عيدروس عمليات قتالية ناجحة للقضاء على الحوثيين في مناطق التماس بجبهة حبيل حنش وتصدر اسم هذا الفارس الشجاع وسائل الإعلام التي تناقلت نجاحاته في الحاق الضربات المزلزلة بالحوثيين وفي تتبع واجتثاث خلايا الجماعات الإرهابية، ثم أخذ أبو عيدروس يرتب صفوف مقاتليه، وبعد نجاحه المنقطع النظير واحرازه العديد من الإنتصارات الميدانية تمت مكافأته من قبل قيادة المجلس الإنتقالي باعتماد اللواء العاشر صاعقة وصدر به القرار الرئاسي بتعيينه قائداّ للواء وترقيته إلى رتبة عميد واتخذ من معسكر لبوزة سابقاً (معسكر قطاع الحزام حالياً) مقراً للواء الذي يتالف من عدة كتائب مدربة ومجهزة للقيام بتنفيذ المهام العسكرية الموكلة إليها في الهجوم والدفاع ومكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
 
تطهير مناطق شقرة من مليشيا الإرهاب اليمنية.
 
كانت بعض مناطق أبين تشكل مسرحاً لنشاط الجماعات الإرهابية ومليشيات الإخوان اليمنية التي يجري إعدادها ككماشة للانقضاض على العاصمة عدن واصبح تطهير هذه المناطق والتصدي للعدوان المليشاوي الإخواني مهمة قصوى وملحة، وانبرى لتلك المهمة القائد أبو عيدروس الى جانب رفقاء الموقف والسلاح وخاض هناك معارك بطولية شرسة، وكان كعادته في كل المواجهات ضد الإرهاب يتقدم الصفوف حاملاً روحه على كفه وكفنه على كتفه فيقتدي به مقاتلوه ويقتلعون أوكار الإرهاب، وهذا ما جرى في مناطق أبين التي نال فيها الشهادة مرتقياً الى مصاف الخالدين وهو في أسمى وانبل مواقف الرجال مؤدياً الواجب العسكري ومدافعا عن حمى الوطن، وخلال مسيرته النضالية والثورية وعند تنفيذه المهام العسكرية فقد القائد أبو عيدروس عدداً من الشهداء الأبطال الذين كان يعتمد عليهم في اغلب الاحيان ومعظمهم من أقربائه ومع ذلك لم ينثني او يحيد عن مبدأ القتال من اجل الجنوب.
 
قائد بحجم الجنوب.
 
كان الشهيد العميد أبو عيدروس قائداً بحجم الجنوب وكانت له بصماته واسهاماته ميدانية عسكرية وإجتماعية وخيرية متعددة، وكان يمثل رأس حربة في كل المعارك ضد مليشيات الحوثي والجماعات الإرهابية في لحج وعدن وأبين وشبوة وظل الجنوب هو همه الوحيد واقترن اسمه بالأمن والأمان والنصر وكسر توغلات وزحوف العدو وقص مخالب الإرهاب، كما أسهم أبو عيدروس في تأسيس جيش الجنوب الحديث وظهرت بصمته وأدواره الوطنية في إنشاء اللواء العاشر صاعقة حيث نجح بمساعدة أخيه القائد "محمد علي الحوشبي" نجاحاً منقطع النظير في بناء قوات عسكرية نظامية مدربة ومؤهلة يركن إليها شعبنا ومجلسه الإنتقالي في القيام بالواجبات الوطنية، وكان يعول عليه الرئيس القائد عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الإنتقالي كثيراً في حماية وتأمين حدود الجنوب من ناحية محور الحواشب الحدودي مع العربية اليمنية خاصة جبهة حبيل حنش.
 
تكريمه من قيادة التحالف العربي.
 
حظي أبو عيدروس منذ البدء بثقة التحالف العربي لإخلاصه وشجاعته وقدراته القيادية وحنكته في تنفيذ أصعب وأعقد المهام القتالية ودعمته في قيادة قوات اللواء العاشر صاعقة في الحواشب وخارجها للقيام بالواجبات العسكرية والدفاع عن حدود الوطن وتأمينه من اي غزو او اعتداء أجنبي وخارجي، وبرز كقائد جنوبي عملاق وحليف ضارب لقوات التحالف العربي، وهذا النصر والتناغم مع قوات التحالف العربي جعل من أبو عيدروس شريكاً محلياً قوياً ومفضلاً حيث جرى تكريمه بعدة اوسمة ونياشين وشهادات تقديرية من قبل قيادة قوات التحالف العربي والمجلس الإنتقالي أكثر من مرة نظير أعماله البطولية ومآثره الفذة وجهوده العسكرية في جميع المناطق التي انيطت به مهام الحفاظ عليها وتأمينها.
 
تواضع وأخلاق وكرم وحنكة.
 
جمع القائد العميد يسري الحوشبي بين حنكة ودهاء وشجاعة القائد العسكري الفذ وحكمة وذكاء الوجهاهات القبلية وصفات الخلق العالي والكرم الحاتمي، رجل تجمعت فيه سمات التواضع والنبل والإنسانية، وهو ما تجلى في حب الناس له وفي نجاحاته العسكرية التي حققها خلال وقت قصير في بناء وقيادة اللواء العاشر صاعقة والدور الذي اضطلعت به قوات اللواء تحت قيادته في صون أرض الجنوب وتأمينها من نواحي الحواشب وفي المشاركة الفاعلة في معركة اجتثاث الارهاب اليمني بجبهات محور أبين، وكذا دوره الموازي كشخصية اجتماعية محبوبة ومصلح اجتماعي ورجل خير أسهم في حل الكثير من القضايا والمشاكل الصعبة التي تدخل فيها وحلها وفي إعانة المحتاجين ومن تقطعت بهم سبل الحياة، وسيذكر التاريخ للقائد أبو عيدروس دوره الهام في دعم مراكز العلم النافع ومد يد العون والمساعدة للأسر الفقيرة والمحتاجة والمرضى، وكان يتمتع بسجايا الحكمة والشجاعة وروح المبادرة في إصلاح ذات البين ليس فقط في مسقط رأسه مديرية المسيمير وانما في مناطق ومديريات اخرى وكان لأسمه وسمعته وهيبته تأثيرها الإيجابي في عدم حدوث أية مشاكل داخل المنطقة، أما حضوره فهو ذوبان المشاكل نهائياً والقبول بحلوله المنصفة التي لا تعرف المحاباة او الإنحياز، كما كان له حضور قوي وبصمات واضحة في أعمال الخير وفي إنجاح المشاريع الأهلية كالطرقات وغيرها وردع كل من يحاول إفشالها، وكان يحظى بحب كل الجنوبيين وحاز على تكريم العديد من المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وكان يحضر كضيف شرف في كثير من الفعاليات العامة والمناسبات مشاركاً الجميع أفراحهم واتراحهم.
 
خاتمة.
 
يلزمنا الوفاء وتخليد سيرة هذا القائد المقدام والشجاع لما فيها من البطولات ومن جليل الأعمال والمآثر التي صنعها إلى جانب رفاقه الأبطال والتي تستحق ان تخلد وتدرس وتروى للأجيال، ذلك أن مناقب هذا القائد وأمثاله يعد رافداً من روافد تدوين تاريخنا المشرق المليء بالبطولات والزاخر بالمآثر التي اجترحها وصنعها في خضم نضال شعبنا الجنوبي الأبي ضد الظلم والطغيان وقوى الإحتلال والغزو الشمالي الذي تكرر لمرتين الأولى عام 1994م والثانية عام 2015م حيث كان في صدارة مقاومة هذا الإحتلال سواء من خلال الحراك السلمي او في خوض المعارك والمواجهات العسكرية المسلحة التي كان هو ونخبة الرجال الأوفياء من رفاق دربه سباقين فيها، ثم برز بشجاعته وإقدامه كقائد عسكري في مواجهة الغزاة الحوثيين وفي التصديات لمليشيات حزب الإصلاح والجماعات الإرهابية الموالية له التي حاولت غزو العاصمة عدن عن طريق إسقاط محافظة أبين في محاولة منها لنقل معركتها الى الجنوب المحرر وترك الفرصة للحوثي لكي يوسع نفوذه ويفرض سيطرته على مناطق اليمن في الشمال، وما قدمناه في هذ ا العمل ليس سوى ملامح بسيطة من سيرة هذا القائد استقينا معلوماتها من أحاديثه وكلماته ومن العلاقة التي ربطتني به، وكذا من ذكريات كل من عرفه عن قرب او عمل معه من أقربائه ومن رفاق دربه الذين عايشوه في ساحات النضال وفي خنادق وميادين القتال طوال السنوات الماضية من اجل تثبيت الإنتصار المحقق ضد الغزاة الحوثيين ومليشيات الإخوان وكذا تصفية وتطهير البلاد من خطر الجماعات الإرهابية والتي ظل أبو عيدروس عقبة كئود أمام نشاطها التخريبي الهدام، لقد ظل هذا القائد مدافعاً عن العزة والكرامة وبسبب هذا المبدأ الثابت كان هدفاً لكل القوى المعادية للجنوب من حوثية وإخوانية وإرهابية ومن تحالف معها ليس لشخصه وإنما للمشروع الذي كان يحمله ويقاتل من أجل انتصاره وهو استقلال الجنوب العربي واستعادة دولته الذي ظل متمسكاً به ولم يتنازل عنه قيد أنملة طوال حياته، لا نستطيع أن نفي هذا القائد الفذ حقه وسنحتاج لوقت كاف ومساحة أوسع للحديث عن كل نجاحاته وانتصاراته ومآثره ومناقبه التي قد ينبري لها الباحثون والمهتمون لتقديمها في دراسات أوسع وأشمل في المستقبل لتكون منهلاً للأجيال تتعلم منها قيم البطولة والإخلاص والوفاء وروح الإقدام من أجل انتصار قضية شعبنا وحقه في الإستقلال واستعادة دولته التي أراد لها ان تكون جزءاً من محيطها العربي وضمانة للسلام والأمن الأقليمي من المخاطر التي تتهدد الأمن القومي العربي والسلام العالمي.
 
رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
 
رحم الله القائد الفذ يسري عبيد حازم العمري الحوشبي الذي أسهم في إشعال الثورة الجنوبية حياً وأضرم نيرانها شهيداً، عاش ثائراً يواجه بصلابة وثبات قوى الشر والإحتلال والإرهاب وظل يؤرقها ويهدد مصالحها وظلت تستهدفه في أكثر من مرة دون ان تفلح وحاولت تشويه سمعته بتقارير مزيفة الى منظمات حقوق الإنسان لكنها لم تنل منه فقد كان أسمه مقترناً بمقارعة الحوثي وقوى الإرهاب والإنتصار لقضية شعب الجنوب، عاش عظيماً ومات عظيماً، وكان يردد أنه مشروع شهيد من أجل وطنه الجنوب وحق شعبه في الحرية والكرامة واستعادة الدولة، فنال ما تمنى وصعد في معراج الشهادة كما أراد، وكان حلمه دوماً أن يعيش بكرامة في وطن جنوبي مستقل ومستقر قدم من أجله كل غال ونفيس، وها هو اليوم أكثر حضوراً ونبراساً بيننا يعيش في قلوبنا ويظل خالداً في ذاكرة شعبنا، قائداً فذاً ورمزاً وطنياً وعربياً قل ان يجود الزمان بمثله، فسلام عليه في الخالدين، وتقبله الله مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.