عودة عمليات القاعدة إلى محافظة شبوة: الأسباب الحقيقية

عدن لنج/ساوث24
 
عاد تنظيم القاعدة لشن هجمات دموية في محافظة شبوة، جنوب اليمن، بعدما كان نشاطه العملياتي داخل المحافظة قد توقف بشكل شبه كلي خلال السنوات الماضية. في تاريخ 31 مايو 2022 و 1يونيو 2022 نفذ التنظيم هجومين منفصلين ضد قوات "درع شبوة"، في العاصمة عتق وفي مديرية ميفعة بالمحافظة ذاتها، وأسفر الهجومان عن مقتل وإصابة عدد من الجنود.
ومع أن عمليات التنظيم الأخيرة بدت مفاجئة، بالنسبة إلى كثير من المتابعين الذين وضعوا توقف نشاطه داخل المحافظة في سياق تراجع القوة والنفوذ، إلا أنها لن تكون كذلك إن توقفنا عند أمرين: أولهما وضع التنظيم في المحافظة خلال السنوات الثلاث الماضية، وثانيهما وضع المحافظة في ظل قيادتها الجديدة. 
 
وجود غير آمن 
يشير التقارب الزمني والتباعد الجغرافي بين العمليتين إلى أن التنظيم استعد بشكل كافٍ لعمليات من هذا النوع. مثّلت الفترة بين 2019 و 2021 في محافظة شبوة، فرصة ذهبية بالنسبة إلى التنظيم لتعويض بعض خسائره، جراء العمليات العسكرية ضده في أهم معاقله، وأيضا جراء تداعيات خلافه مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتطوّر هذا الخلاف إلى مواجهات مسلحة في محافظة البيضاء وغيرها.
يمكن القول إنّ التنظيم بقي طوال الفترة المذكورة يعيد ترتيب أوراقه داخل المحافظة بِحرية تامة وبعيدا عن أية مخاوف أمنية، غير أنّ الواقع الجديد الذي بدأ يتشكل في المحافظة منذ تعيين قيادة جديدة للسلطة المحلية بتاريخ 15 ديسمبر 2021، أثار قلق التنظيم ودفعه إلى محاولة فرض واقعه الأمني الخاص من خلال عمليات جريئة هنا وهناك.
المؤكد الآن هو أنّ هذه العمليات لا تشير إلى عودة قوية للتنظيم بقدر ما تشير إلى شعور بالقلق نتيجة فقدانه الوجود الآمن، لأسباب عديدة من بينها: تعيين محافظ جديد، وعودة قوات درع شبوة المشكّلة من أبناء المحافظة، ووجود توجه جاد لمكافحة الإرهاب. في هذا السياق ليس من المبالغة القول إنّ قرار تغيير المحافظ السابق كان ـ وإن بشكل غير مقصود ـ جزءاً من عملية مكافحة الإرهاب، إذ كانت المحافظة ستتحول إلى بؤرة للتنظيم، خصوصا بعدما ضاق الخناق عليه في محافظة البيضاء القريبة، أهم معاقله خلال السنوات الماضية. 
 
الإخوان والقاعدة
على رغم أنّ الحديث عن علاقة القاعدة بالإخوان المسلمين يأتي، غالبا، في سياق المماحكات السياسية بين أطراف الصراع المحلية، ويتسم بمبالغة تفقده مصداقيته، إلا أنّ هذه العلاقة ثابتة، وإن بشكل مختلف قليلا عما يتم تداوله. ومع أن عمليتي شبوة الأخيرتين ليستا من أدلة هذه العلاقة، إلا أنهما من نتائجها، فتنظيم القاعدة الذي ضاقت عليه معاقله التاريخية، في محافظات البيضاء وأبين وساحل حضرموت وغيرها، وجد في محافظة شبوة ضالته لإعادة ترتيب صفوفه، أثناء سيطرة الإخوان عليها.
لكنَّ توقف نشاط تنظيم القاعدة في شبوة، خلال الفترة الماضية (2019 - 2021) لم يكن بسبب انشغاله بإعادة ترتيب صفوفه، وإنما لأن المحافظة كانت ـ حينها ـ خالية من أهدافه، على اعتبار أن القوات الموجودة فيها كانت تعمل تحت إدارة الإخوان (حزب الإصلاح الإسلامي).
ما يؤكد ذلك هو أنّ المحافظة تحولت إلى منطلق للتنظيم لتنفيذ عمليات في محافظات أخرى قريبة، كأبين، ووادي حضرموت، حيث نفذ أكثر من هجوم في مديريات المحفد ومودية ولودر والوضيع وسيئون خلال تلك الفترة. 
 
أدلة إضافية
على النقيض من إخوان اليمن الذين ينكرون وجود علاقة بينهم وبين تنظيم القاعدة، أقر التنظيم بهذه العلاقة مرارا. في أكثر من مناسبة اعترف قادة التنظيم بخوضهم معارك إلى جانب الإخوان ضد جماعة الحوثي كعدو مشترك. في العام 2017، أكد زعيم التنظيم السابق، قاسم الريمي، أنهم قاتلوا الحوثيين إلى جانب الإخوان في أكثر من جبهة. الأمر ذاته أكده القائد الميداني السابق للتنظيم جلال بلعيدي المرقشي في كلمة مرئية عام 2016.
لكنَّ أمر العلاقة هذه لا يتوقف عند نقطة قتال عدو مشترك، فهناك انسجام أيدلوجي وفكري كبير بين الطرفين، ولهذا انخرط كثير من طلاب جامعة الإيمان في صفوف تنظيم القاعدة حين أعلن حزب الإصلاح "عدم الانجرار" للقتال ضد جماعة الحوثي بعد سيطرة الأخيرة على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014.
ما حدث بعد هذا التاريخ لم يكن الأول من نوعه، فعدد كبير من قادة القاعدة درسوا أو تخرجوا من جامعة الإيمان، أمثال طارق الذهب، ونصر الآنسي وغيرهم. حتى القادة الكبار الآخرون، أمثال ناصر الوحيشي وقاسم الريمي وعادل العباب وحارث النظاري، تخرجوا من مراكز سلفية حركية أقرب إلى الإخوان منها إلى السلفية التقليدية. ولأن الرابط أيدلوجي فكري وليس مجرد قتال عدو مشترك، وجدنا الطرفين يخوضان معارك مشتركة ضد أطراف يمنية أخرى بأدوات مختلفة. من خلال تتبع وتحليل خطاب الطرفين، تبدو جماعة الحوثي عدوا ثانويا لهما، مقارنة بأعداء آخرين. 
 
لماذا "درع شبوة"؟
بالتزامن مع العمليات العسكرية لقوات العمالقة ضد جماعة الحوثي بمديريات بيحان وعسيلان وعين في محافظة شبوة، ظهرت قوات "درع شبوة"، لضبط الأمن داخل المحافظة. رغم أهمية وضرورة خطوة أمنية كهذه في ظل ظروف حرب، إلا أن الآلة الدعائية التابعة للإخوان ركَّزت هجومها على تلك القوات، بزعم أنها تعمل لحساب جهات خارجية لها أطماع في اليمن.
لم يكن خافيا حرص إعلام الإخوان على التأكيد بأنّ هذا هو الاسم الجديد لقوات "النخبة الشبوانية" التي كانت مسؤولة عن الملف الأمني في المحافظة بين العامين 2016\2019، ونفذت عمليات مؤثرة ضد تنظيم القاعدة في أهم معاقله. وهنا بدت عمليات تنظيم القاعدة ضد قوات درع شبوة كما لو أنها ترجمة عملية لتحريض الإخوان ضد تلك القوات. 
 
مستقبل القاعدة في المحافظة
تؤكد العمليات العسكرية والأمنية ضد تنظيم القاعدة في محافظة شبوة بين العامين 2016\2017، أنّ هزيمة التنظيم ليست مهمة صعبة إن وُجد توجه جاد لهزيمته أو اجتثاثه. خلال العامين المذكورين كان وضع التنظيم أفضل منه اليوم وبمراحل، بينما كان وضع المحافظة على النقيض من ذلك تماما، لكن عمليات مكافحة الإرهاب قالت كلمتها في نهاية المطاف، وكشفت حقيقة الحروب السابقة التي صوَّرت القاعدة بأنها قوة لا تُقهر.
الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنّ تنظيم القاعدة فقد الحاضنة الرسمية في المحافظة، بعد إقالة المحافظ السابق [محمد صالح بن عديو]، أما الحاضنة الشعبية فلم تكن موجودة أصلا، وكل ما في الأمر أن القبائل كانت تتحسس من دخول قوات من خارج المحافظة إلى مناطقها تحت مسمى "الحرب على الإرهاب"، وكان موقفها الرافض لذلك يصنف على أنه انحياز إلى جانب القاعدة، لكن الأمر تغيَّر كليا بعد تشكيل قوات أمنية وعسكرية من أبناء المحافظة لهذه المهمة.
على ضوء ما تقدم، يمكن القول إن تنظيم القاعدة فقد كل عوامل بقائه في المحافظة، وإن المعركة الأمنية والعسكرية ضده ستكون سريعة حاسمة، لكن هذا لا يعني شلّ قدرته كليةً عن تنفيذ عمليات محدودة هنا وهناك.