صعدت جماعة الحوثي من حربها الاقتصادية على السلطة الشرعية في البلاد، فبعد إيقاف صادرات النفط التي تشكل المورد الرئيسي للحكومة المعترف بها دوليا، أقدمت الجماعة الموالية لإيران على حجز المئات من ناقلات القمح.
ويرى متابعون أن الجماعة تحاول الضغط على السلطة الشرعية ومن خلفها التحالف العربي، عبر توظيف الورقة الاقتصادية، التي تعد بالنسبة لها الأجدى والأقل تكلفة، مقارنة بالحرب العسكرية.
ويشير المتابعون إلى أن الجماعة تسعى إلى قطع الطريق عن أي سلع قادمة من المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية، فيما يبدو الغرض من ذلك شل الحركة التجارية للأخيرة، غير عابئة بالتداعيات الوخيمة لهكذا خطوة على اليمنيين القاطنين في مناطق نفوذها.
وقالت الحكومة الشرعية إن جماعة الحوثي تحتجز المئات من ناقلات القمح في منفذ بري بتعز جنوب غرب البلاد، وتمنعها من العبور إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.
وكان سائقو شاحنات أفادوا في وقت سابق بوجود ما يقرب من 300 شاحنة محملة بالقمح المحلي محتجزة في جمرك مدينة الراهدة المستحدث من قبل الجماعة الموالية لإيران.
وذكر السائقون في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن الشاحنات لا تزال في جمرك الراهدة للأسبوع الثاني على التوالي، لافتين إلى أن هناك أوامر صادرة من قبل وزارة الصناعة والتجارة التابعة لحكومة الحوثيين غير المعترف بها، بمنع دخول مادة القمح القادمة من مدينة عدن.
وناشد السائقون السلطات المحلية في محافظة تعز التابعة للجماعة التدخل وإطلاق شاحناتهم المحتجزة، لاسيما وهي محملة بأطنان من القمح المعرض للتلف بسبب هطول الأمطار خلال الأيام الأخيرة.
وسبق وأن قامت جماعة الحوثي بحظر استيراد الغاز المحلي ومنعت دخول المقطورات القادمة من محافظة مأرب، في الوقت الذي استوردت فيه كميات كبيرة من الغاز من إيران، عبر ميناء الحديدة.
ويرى مراقبون أن الحرب الاقتصادية التي تخوضها الجماعة الموالية لإيران تشكل تحديا خطيرا قد ينتهي بانهيار كامل للاقتصاد اليمني، في ظل صمت غريب للمجتمع الدولي، رغم المناشدات المتكررة للحكومة المعترف بها للتدخل.
ويواجه الاقتصاد الوطني تداعيات قاسية خلّفها توقف تصدير النفط من الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية عقب هجمات تحذيرية شنتها جماعة الحوثي قبل نحو ثمانية أشهر.
وظلت الحكومة على مدار سنوات تعتمد على النفط كمورد رئيسي لتغطية عملية الإنفاق العام، وهي تواجه تحديات صعبة للإيفاء بالتزاماتها تجاه ملفات عدة، أبرزها دفع مرتبات موظفي القطاع العام، وتقديم الخدمات الأساسية، والحفاظ على الاستقرار النسبي للعملة الوطنية.
وعقب فشل تمديد الهدنة مطلع أكتوبر 2022، شن الحوثيون هجمات تحذيرية على ثلاثة موانئ نفطية هي الضبة والنشيمة وقنا، في محافظتي حضرموت وشبوة جنوب شرق البلاد، مما أدى إلى وقف عوائد النفط الحكومية وتدفقات الوقود وحرمان الحكومة من أهم مواردها.
واتهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الشهر الماضي “جماعة الحوثي بالاستمرار في منع وصول السفن والناقلات إلى موانئ تصدير النفط". وطالب "بتحرك عربي جماعي إلى جانب تحالف دعم الشرعية (التحالف العربي) من أجل دعم جهود الحكومة لإنعاش الاقتصاد وتحسين الخدمات الأساسية والتدخلات الإنسانية المنقذة للحياة".
وأعرب المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ خلال إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي عن “قلقه من تردي الوضع الاقتصادي في اليمن، والقيود المفروضة على الحركة وما يتبع ذلك من أثر على النشاط الاقتصادي". وأوضح أن "عدم تمكن الحكومة الشرعية من تصدير النفط، الذي مثل أكثر من نصف إجمالي الإيرادات الحكومية العام الماضي، يفرض ضغوطا عليها تؤثر على الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب".
ويقول وفيق صالح، صحافي وخبير اقتصادي يمني، إن “توقف تصدير النفط الخام أثّر بشكل كبير على المالية العامة للدولة، من خلال فقدان الحكومة أهم مورد للنقد الأجنبي في الوقت الراهن". وأشار إلى "تراجع حجم الموارد العامة، ما يهدد بعجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه الإنفاق على الخدمات العامة، وفي مقدمتها الكهرباء ودفع رواتب الموظفين".
وأوضح أن تأثير توقف تصدير النفط “لا يقتصر على خسارة الحكومة للمزيد من الموارد المالية بل ويضعف قدرتها على التدخل في أسواق الصرف وتوفير العملة اللازمة لاستيراد السلع، لاسيما الأساسية التي تتطلب تدخلا رسميا لتوفير العملة الصعبة وقطع الطريق أمام المضاربين".
وأضاف "هناك أيضا مخاطر أخرى تتمثل في تراجع حجم الصادرات اليمنية، مقابل التوسع في عملية الاستيراد، وهو ما يعني توسعا للعجز في الميزان التجاري للدولة، وتزايد الضغوط على الحكومة لتوفير العملة اللازمة للاستيراد مع ارتفاع تكلفة الواردات عاما بعد آخر".
وتابع "كل هذه المخاطر تنعكس في المحصلة على قيمة العملة الوطنية، من حيث تزايد الضغط والإقبال على شراء العملات الأجنبية من السوق المحلية، الأمر الذي يؤدي إلى تآكل القيمة الشرائية للريال وارتفاع مستوى التضخم للسكان".