من سهام "الشرق" إلى "الجنوب".. صمود القوات الجنوبية ينهك "القاعدة" ويدفعه للتخبط

عدن لنج/نيوزيمن
 
 
رفع تنظيم القاعدة في اليمن، وتيرة هجماته الإرهابية ضد القوات الجنوبية المشاركة في عملية تأمين مناطق محافظة أبين، جنوب البلاد، في ظل شراسة الحرب الدائرة بين الطرفين منذ أواخر العام الماضي.
 
وتركز محور الهجمات الإرهابية على القوات المرابطة في مديرية مودية ووادي عومران، الذي ظل لسنوات معقلاً رئيسياً للتنظيم في أبين، وتم تطهيره من قبل القوات الجنوبية ضمن عملية "سهام الشرق" التي انطلقت أواخر العام الماضي.
 
وشن التنظيم منذ مطلع العام 2023، نحو 40 عملية إرهابية، استهدفت تحركات وآليات عسكرية تابعة للقوات المشاركة في الحرب ضد الإرهاب بمناطق أبين ومحافظة شبوة. وأسفرت تلك الهجمات الغادرة التي تمت عبر عبوات ناسفة مصنوعة محلياً أو طائرات مسيرة في مقتل وإصابة أكثر من 100 فرد من القوات الجنوبية بينهم ضباط وقيادات ميدانية.
 
شراسة الهجمات.. مواجهة مستعرة
 
لجأ تنظيم القاعدة في اليمن إلى حرب المفخخات في محافظتي أبين وشبوة، للدفاع عن أبرز معاقله الرئيسية في جنوب اليمن، وهي المعاقل الأخيرة التي ظل يتحصن فيها على مدى سنوات في ظل تراخي وعدم إطلاق حملات أمنية وعسكرية جادة لتأمينها.
 
واختار التنظيم معظم هجماته الإرهابية في مديرية مودية ووادي عومران في محافظة أبين، و"المصينعة" في محافظة شبوة، حيث شهدت تلك المناطق خلال شهر يونيو الماضي نحو 15 عملية استهداف وهجوم. وأدت تلك الهجمات إلى مقتل وإصابة 25 جندياً. 
 
ويؤكد رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، صالح أبو عوذل في تصريحه لـ"نيوزيمن"، أن تركز الهجمات الإرهابية في وادي عومران والخيالة بأبين والمصينعة في شبوة لها أبعاد استراتيجية في الحرب على الإرهاب، خصوصا وأن تلك المناطق كانت معاقل وملاذات آمنة لتحرك التنظيمات الإرهابية.
 
وأوضح أن هناك خطوط إمداد تربط التنظيم مع مركز القيادة في مأرب أو البيضاء ويكلا في رداع، ناهيك عن وجود خط إمداد ساخن مع ميليشيات الحوثي الذي يقوم بتغذية التنظيم بعبوات ناسفة مموهة يعاد تصنيعها على يد خبراء نعتقد أنهم إيرانيون. وهذه العبوات استخدمها الحوثيون في أكثر من مكان وأول ظهور لها كانت في معارك الساحل الغربي لإيقاف القوات المشتركة في الساحل الغربي من التقدم لتحرير الحديدة.
 
إصرار القوات الجنوبية
 
ومنذ مطلع يوليو الحالي، نفذت العناصر الإرهابية عدة هجمات في مودية بمحافظة أبين، والمصينعة في شبوة، وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل وإصابة أكثر من 15 جندياً. آخر تلك الهجمات كان في 12 يوليو، عقب تفجير عبوة ناسفة استهدفت آلية عسكرية تقل جنوداً في منطقة "كوكب" شرق مودية، وأسفر الهجوم عن مقتل جندي وإصابة 3 آخرين.
 
حرب المفخخات والاستهدافات التي تنتهجها العناصر الإرهابية، قابلها إصرار قوي من قبل القوات الجنوبية المرابطة في أبين وشبوة ضمن عمليتي "سهام الشرق"، و"سهام الجنوب". حيث أطلقت القوات الجنوبية في مودية حملات تعقب وتمشيط واسعة للطرق الرئيسية والفرعية للتصدي لعمليات التفخيخ الإرهابية.
 
وأفاد مصدر في قوات الحزام الأمني- قطاع مودية لـ"نيوزيمن"، بأن القوات أعدت خطة تمشيط دورية للطرقات الرئيسية والفرعية التي تمر فيها قوات "سهام الشرق"، وتمكنت القوات من ضبط عبوتين ناسفتين، كانتا معدتان للتفجير واستهداف آليات عسكرية تابعة للقوات الجنوبية على الطريق العام شرق مودية.
 
وقال المصدر، إن خبراء متفجرات تمكنت من انتشال العبوتين المصنوعتين محلياً بالقرب من منطقة "قرن عشال"، لافتا إلى أن العبوة الأولى تحتوي على بيرنجات والأخرى مواد صلبة شديد الانفجار، وكتب على العبوتين شعار "انصار الشريعة" - أحد الفصائل المسلحة المحلية التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن.
 
وبحسب المصدر فإن الدوريات الروتينية مستمرة من أجل تأمين الخط العام شرق مودية وإفشال أية هجمات إرهابية، موضحا أن هناك عزماً لدى القوات الجنوبية على التصدي لحرب المفخخات التي تمثل آخر وسيلة لتنظيم القاعدة الذي يشهد انهيارا كبيرا بعد الضربات الموجعة التي تلقاها خلال حملات التعقب والتطهير التي تنفذها القوات الجنوبية ضمن عملية "سهام الشرق".
 
تخبط وإنهاك
 
حالة من التخبط يعيشها التنظيم الإرهابي في ظل التضييق وحملات التطهير والتعقب التي تنفذها القوات الجنوبية في أبين وشبوة المجاورتين، وأصبحت تحركات عناصر القاعدة وعملياتهم مكشوفة ومفضوحة. 
 
في مديرية المحفد، التابعة لمحافظة أبين، تمكنت القوات الجنوبية قبل أيام، من إحباط هجوم إرهابي من قبل عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي في أطراف وادي الخيالة بضواحي المديرية.
 
وقال مصدر في اللواء الأول دعم وإسناد: “بعد رصدنا لتجمع عناصر تنظيم القاعدة الإرهابية في أطراف وادي الخيالة قامت قواتنا بقصف تجمعهم بقذائف الهاون. حقق القصف ضربات موجعة سقط إثرها قتلى وجرحى في صفوف التنظيم الإرهابي”.
 
وأكد المصدر أن قوات اللواء كثفت قصفها قبل أن تنفذ عناصر التنظيم الإرهابي الهجوم ليتم إحباط الهجوم والتصدي للعناصر المهاجمة قبل وصولهم لمواقع قواتنا، مضيفا إن اشتباكات محدودة مع التنظيم أسفرت عن إصابة جندي من قوات اللواء الأول دعم وإسناد المرابطة في الوادي.
 
محللون وخبراء متخصصون في شؤون الجماعة الإرهابية في اليمن، أشاروا إلى أن تنظيم القاعدة أصبح يعيش حالة من التخبط والانهاك نتيجة إصرار القوات الجنوبية على استكمال كامل أهداف عمليتي "سهام الشرق" في أبين، و"سهام الجنوب" في شبوة، موضحين أن حرب المفخخات هي آخر أمل للعناصر الإرهابية في إبراز تواجدها تحديدا في المحافظتين بعد القضاء على البؤر والمواقع التي كانت تتخذها معاقل رئيسية على مدى سنوات طويلة.
 
ويؤكد رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، صالح أبو عوذل في تصريحه لـ"نيوزيمن"، أن الحرب ضد تنظيم القاعدة تختلف عن أي مكان آخر، مكافحة الإرهاب في الجنوب وأبين تحديداً أخذت طابع الثأر ولهذا الحرب للقضاء على هذه الآفة مستمرة، لافتا إلى أن التنظيم أسقط أبين في العام 2011م، وتسبب بتشريد الآلاف من السكان عن منازلهم، ناهيك عن تعرض المدنيين لهجمات إرهابية راح ضحيتها العشرات، من بينها مجزرة المعجلة 2009م، موضحا أن مكافحة الإرهاب في الجنوب مختلفة تماماً، لأن من يقاوم التنظيم المتطرف هم المدنيون المتضررون من الهجمات الإرهابية.
 
خسائر كبيرة للتنظيم 
 
لم يسبق لأي حملة عسكرية أن تمكنت من توجيه ضربات قوية وقاسمة لتنظيم القاعدة في اليمن، كما هو الحاصل حالياً في أبين وشبوة بقيادة القوات الجنوبية ودفاع شبوة. فخلال أشهر بسيطة تمكنت القوات من تطهير معاقل رئيسية، وضرب معسكرات تدريب ومخابئ أسلحة ومتفجرات ظلت محمية لسنوات طويلة. كما أن الحملات الأمنية الواسعة لتعقب خلايا القاعدة تمكنت من القضاء على الكثير من عناصر التنظيم بينهم قيادات ميدانية بارزة.
 
بحسب إحصائية ومصادر أمنية فقد بلغ عدد قتلى تنظيم القاعدة خلال حملات تطهير وتأمين معاقل التنظيم في شبوة وأبين أكثر من 20 عنصرا، إضافة إلى عشرات المصابين الذين سقطوا جراء معارك واشتباكات مع القوات الجنوبية.
 
وبرزت الكثير من الأسماء التي لقيت مصرعها بشهادة إعلام ومنشورات صادرة عن التنظيم الإرهابي بنفسه، بينها القياديان الميدانيان "مصعب الجعدني" و"ناصر علي صلاح الجعدني"، اللذان قتلا في محافظة أبين، فضلا عن أبومحمد الشلواني العولقي، الذي لقي مصرعه في محافظة شبوة.
 
كما اعترف التنظيم أيضا بمصرع قيادات بارزة بينهم "حمد بن حمود التميمي" المسؤول الشرعي لتنظيم القاعدة، وحمد التميمي الذي يرأس مجلس الشورى في التنظيم وقاض شرعي، أضف إلى ذلك مصرع القيادي حسان الحضرمي، مسؤول صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات.
 
واعترف تنظيم القاعدة خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني وحتى 30 يونيو/حزيران من عام 2023 بمقتل أكثر من 12 قياديا بينهم المسؤول الشرعي للتنظيم حمد التميمي.
 
كما نشرت صفحات إعلامية تابعة للقاعدة أخبار نعي وتعازٍ لقيادات قتلت على يد القوات الجنوبية أو بغارات نفذتها طائرة دون طيار أمريكية. أبرز تلك العناصر نصر الحميقاني، ومنذر التعزي و"عبدالرحمن ناصر الخليدي"، وموحد الحضرمي وزكي الإبي، وأبو ناصر الحضرمي، ومشعل العصيمي المكنى أبو الخير النجدي، وأبو عزام الحلكي ويدعى "محمد صالح باكرموم الحلكي".
 
وهذه الخسائر الكبيرة في صفوف التنظيم كانت مؤثرة وكسرت ظهر التنظيم في اليمن، وفق ما أفاد به عدد من الباحثين في شؤون الجماعة الإرهابية في اليمن. 
 
 وخلال الحملات الأمنية الأخيرة تمكنت القوات الجنوبية من تفكيك شبكات ألغام وعبوات ناسفة وكذا مداهمة أوكار ومخابئ كانت تستخدمها العناصر الإرهابية لإدارة العمليات الإرهابية داخل شبوة وأبين.
 
ويشير رئيس مؤسسة اليوم الثامن، صالح أبو عوذل إلى أن استراتيجية الحرب في أبين وشبوة بحاجة إلى اقتناع التحالف العربي والدولي بأهمية مكافحة الإرهاب وتقديم الدعم اللازم للقوات الجنوبية لاستكمال مهامها وأهدافها في القضاء على هذه التنظيمات. 
 
ولفت إلى أن العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة الجنوبية تأتي بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، الشريك العالمي في مكافحة الإرهاب، لكن هناك غيابا تاما لأي دور سعودي مثل هكذا مع أن الرياض تقود تحالفا اسلاميا لمحاربة الإرهاب، لكن دورها في مكافحة التنظيمات الارهابية في الجنوب يكتنفه الغموض.
 
وأوضح أن الاستراتيجية العسكرية والتنسيق المشترك بين القوات الجنوبية والقوات المسلحة الإماراتية "ناجحة جداً"، وهي استراتيجية بدأت من المنصورة بالعاصمة عدن في أواخر العام 2015م، وظلت هذه الاستراتيجية مستمرة إلى أن تم تحرير ساحل حضرموت وشبوة وطرد التنظيم من أهم معاقله في الجزيرة العربية.