هكذا حولت “الرقمنة” مكتبة قطر الوطنية إلى صرحٍ ثقافي حديث

عدن لنج - هافينغتون بوست عربي

 

في ظل ثورة تكنولوجية متسارعة الخطى، تصاعدت المخاوف من اندثار “المكتبة” كإحدى أدوات إتاحة المعلومات والمعرفة، تصدرت أخبار إغلاق بعض المكتبات في السنوات الأخيرة عناوين الصحف ووسائل الإعلام، ما جعل بعض الخبراء يعتقدون أن المكتبات العامة في طريقها إلى الزوال.

لكن افتتاح العديد من المكتبات العامة المواكبة لأحدث التقنيات الرقمية خلال العقدين الماضيين، أعاد إحياء الأمل في نشر المعرفة عبر وسائط جديدة.

ونشهد حالياً تحولًا في مسيرة المكتبات حول العالم، وهذا ما أكدته مديرة مشروع مكتبة قطر الوطنية د. كلوديا لوكس لـ “هافينغتون بوست عربي”.

لوكس قالت إن مكتبة قطر الوطنية تقود هذا التحوّل المذهل في مسيرة المكتبات حول العالم، مشيرة إلى أنه بعد افتتاحها، سيحتوي مبنى المكتبة المتطور على عدد كبير من أحدث التقنيات والتجهيزات المتقدمة للغاية.

وأشارت لوكس إلى توفير عددمن التقنيات الجديدة في المكتبة، “منها نظام تحديد الهوية بترددات الراديو (RFID)، وهو نظام آلي يُستخدم في فرز الكتب، وسيُمَكِّن الزائرين من الاستخدام الذاتي لمحطات نظام استعارة الكتب وإعادتها إلى المكتبة، بما يضمن إدارة المقتنيات وقوائم المحتويات بشكل أفضل”.

كما يوفر نظام ناقل الأفراد منصة لنقل زوار المكتبة بين مستوياتها المختلفة، ما يمنحهم سبل الراحة والاستمتاع بتجربة فريدة ومتميزة.

هذا بالإضافة إلى مجموعة واسعة من أجهزة الحاسب والأجهزة اللوحية والشاشات التفاعلية والأدوات السمعية والبصرية، وتوزيعها بشكل جيد على المناطق المختلفة داخل المبنى لتناسب الاحتياجات المختلفة لروّاد المكتبة وتجعل من زيارتهم تجربة لا تُنسى.

وأوضحت د. لوكس أن المكتبة ستحتوي على عدد من المعامل منها معمل المحافظة على المواد التراثية، والذي سيستخدم في صيانة المواد التراثية وترميمها والمحافظة عليها للأجيال القادمة. وكذلك معمل الرقمنة، الذي سيكون المركز الوطني للرقمنة، وسيحتوي على أحدث الوسائل والأدوات التكنولوجية المستخدمة في رقمنة المواد.

وفي إطار الشراكة مع المكتبة البريطانية، دشنت مكتبة قطر الوطنية في أكتوبر/تشرين الأول 2014 المكتبة الرقمية التي تستخدم أحدث تقنيات الرقمنة في عرض ثروة هائلة من الوثائق والسجلات الموثقة للتاريخ المعاصر لمنطقة الخليج والشرق الأوسط من منتصف القرن الـ 18 حتى العام 1951، بالإضافة إلى آلاف المخطوطات التي تجسد الازدهار العلمي للحضارة العربية والإسلامية في العصور الوسطى.

كل هذه الوثائق متاحة عبر الإنترنت لجميع المهتمين في مختلف أنحاء العالم، ويجري حالياً خلال المرحلة الثانية رقمنة نحو مليون و125 ألف وثيقة. كما تُركّز المكتبة حالياً على استخدام تقنيات رقمية في إتاحة الكتب والمراجع وغيرها من مصادر المعرفة مجاناً لكل سكان قطر.

وأوضحت مديرة مشروع مكتبة قطر الوطنية أن أي شخص مُقيم في قطر يستطيع الاشتراك مجاناً في المكتبة والاطلاع على محتويات المئات من قواعد البيانات الالكترونية في مختلف المجالات. تحمل جميعها أسماء عالمية مرموقة في مجال النشر الالكتروني والأكاديمي والعلمي مثل “بروكويست” و”سبرينغر” و”اكسفورد” و”كامبريدج”، بالإضافة إلى مجموعة منتقاة من مصادر المعرفة في مجالات العلوم العربية والإسلامية مثل “المنهل” و”معرفة” و”دار المنظومة”.

وتوضح د. لوكس أنه تم تصنيف البيانات لعدة مجموعات لتيسير وصول الفئات العمرية المختلفة لكل ما تريده، فمنها مجموعات للبالغين وأخرى للأطفال وثالثة لليافعين.

وأوضحت أن المسجلين في المكتبة يستطيعون الاطلاع على أحدث الكتب الالكترونية والمجلات والدوريات الأكاديمية ورسائل الماجستير والدكتوراه وأرشيفات الصحف العالمية وأحدث الإصدارات من الكتب الأفضل مبيعاً، بالإضافة إلى الأعمال الكلاسيكية في الأدب والتاريخ والثقافة والفنون.

وأضافت، “يستطيع أي زائر تصفح موقع الويب للبحث عن أي كتب أو مراجع من خلال الفهرس الالكتروني الذي يعرض المراجع المتاحة ليس في مكتبة قطر الوطنية فقط بل في كل المكتبات العامة في دولة قطر”.


إلى جانب ذلك، أشارت لوكس إلى أنها تحرص على توفير أفضل خدمة معرفية لكل الباحثين عن المعرفة، ولذلك أتاحت المكتبة عبر موقعها خدمة “اسأل إخصائيي المعلومات”، حيث يستطيع أي شخص، حتى لو كان غير مشترك في المكتبة سؤال أخصائيي المعلومات حول أفضل المراجع والكتب التي توفر لهم ما يحتاجونه سواء لاطلاعهم الشخصي أو للدراسة والعمل.

ولفتت إلى أن المكتبة حققت عدة إنجازات في عالم المكتبات جعلتها من المساهمين في الثورة الرقمية التي تشهدها منطقة الخليج العربي والعالم العربي، فمثلا تعد المكتبة الرقمية من كبرى إنجازات مكتبة قطر الوطنية في مجال الرقمنة والحفاظ على التراث. بثت المبادرة الحياة في قرون طويلة من التاريخ والثقافة العربية العريقة، وأتاحت ثروة هائلة من المعلومات عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والتجارية والثقافية والعادات والتقاليد في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وأبرزت الإسهامات الجليلة للعلماء العرب والمسلمين في مسيرة التطور والنهضة الإنسانية في مجالات العلوم والطب والرياضيات والهندسة وغيرها.

وأكدت د. كلوديا لوكس في نهاية حوارها أن الإنجازات الرقمية لا تقتصر على إتاحة عدد كبير من المصادر المعرفية الرقمية عبر الإنترنت مجانًا، إذ أضافت إليها مساهمتها بنشر عيون التراث العربي والإسلامي في المكتبة الرقمية العالمية التي تدعمها مكتبة الكونغرس ومنظمة اليونسكو وتهدف إلى إتاحة عيون التراث والثقافة العالمية لمختلف الشعوب بمختلف اللغات.