مسلسلات الفيمتو وسيلفي في رمضان

عدن لنج - هافينغتون بوست عربي

 

حسن الحجيلي مخرج وسيناريست سعودي

دراما رمضان بالنسبة للفن هي حبة الدواء التي يتوجب على الجمهور الجائع ابتلاعها، يُمكن تلخيص التلفزيون الخليجي في رمضان بهذه المعادلة: (إعلانات فيمتو مسلسلات بالهَبل)، والسبب في ذلك أن قنوات التلفزيون تحصل على مبالغ عالية من الإعلانات التجارية وبالمقابل تقوم بتكثيف عروض المسلسلات الدرامية طول امتداد شهر رمضان المبارك.

يتصور البعض أن غزارة الإنتاج التلفزيوني في رمضان تفتح ساحة للمنافسة بين الفن الحقيقي والفن الهزيل وطاولة للاختيار بين الغث والسمين، ولكن في الواقع غزارة الإنتاج هي “إبادة جماعية“، إذا كانت الغاية من المسلسل التلفزيوني وكادره هي مجرد العمل في رمضان، واستمرار الإنتاج، بالتالي فإن عالمه الفني سيصبح تكراراً محدود الخيارات، وسيكون عمره التقديري لا يتجاوز شهراً واحداً فقط، أي بعمر شهرِ رمضان المبارك، إذن كثير من الأعمال الفنية في رمضان تعمل ما بوسعها لإبادة نفسها قبل أن تنتصر ضد غيرها.

إذا كانت غاية الفنان هي مجرد الظهور في أعمال رمضان، سيصبح الفنان عبداً لتلك الغاية، وأعماله الفنية ستكون محكومة لمعايير العبودية المطلقة، وبالمقابل لو نظرنا إلى مسلسل (درب الزلق) كمثال نكتشف أن العمل الفني الإبداعي لا يحتاج للكثير ليكون قادراً على العيش، ولكن للأسف نحن في العالم العربي في الفن وفي كثير من شؤون الحياة نفتقر لغريزة البقاء وحفظ النوع.

لنأخذ من هذه السنة مسلسل سيلفي (الجزء الثاني) أنموذجاً:

بعد كل حلقة من مسلسل سيلفي نشاهد جدلاً ونقاشاً غير منتهٍ بين مؤيد ومعارض في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن هنالك رأياً واحداً يتم الاتفاق عليه وتداوله بشكل دائم، وهو جرأة الطرح، ناصر القصبي من الفنانين الذين يجعلون الجمهور يشعر بالحجم الحقيقي للأشياء، القصبي فنان موهوب وظل يحمل عبء موهبته طيلة مسيرته الفنية، وكما يُقال “الفن ابتلاء”؛ لأنه يُعرض صاحبه للهجوم الدائم وعدم الاحترام، ومن ناحية أخرى يَفرض على صاحبه مسؤوليات وعبء اجتماعي كبير، إذاً يجب شكر ناصر القصبي على ما يُقدمه.

مما يُعاب على مسلسل سيلفي هو كونه يسير بطريقة الجنس السردي الذي كان الجمهور يشاهده سابقاً في “طاش ما طاش”، لا توجد أي مفاجأة درامية من ناحية السرد، التصاعد الدرامي للحلقة تقليدي جداً ومألوف ولا يوجد فيه أي عُمق، وأحياناً نشاهد حلقات على مستوى عالٍ من الإبداع، ونشاهد حلقات أخرى بمستوى يثير الشفقة والخجل وكأن المسلسل يسمح لنفسه بارتكاب مثل هذه الهفوات التي تجعل جودة العمل لا تسير على مستوى ثابت، ولكن تسير بمستوى متذبذب يقتل شغف الانتظار عند المتفرج.

ومن ناحية التأليف يكاد يكون خلف الحربي أفضل كاتب مقالة ساخر بالخليج، وأسلوبه امتزج بالفكاهة ولكن بطريقة ذكية وبمهارة عالية في التلميح لأجل كشف عيوب المجتمع، وهو المشرف العام على مسلسل سيلفي، مشكلة بعض نصوص سيلفي في التكرار؛ لأن هذا الأسلوب في الكوميديا أصبح مُمتداً لأكثر من عشرين عاماً، ووصل إلى مرحلة اكتمال لا يستطيع تجاوزها، خصوصاً أن الزمن تغير حيث عرض القضايا الاجتماعية عبر حلقات منفصلة جعل المسلسل على مستوى منخفض من التأثير، أي أن الانطباع الذي يتكون لدينا بعد مشاهدة حلقة من سيلفي مشابه تقريباً لنفس الانطباع الذي يسببه مشاهدة تسجيل فيديو عن قضية اجتماعية من مواطن حُر في اليوتيوب أو مشاهدة خبر في التلفزيون عن قضية اجتماعية أو حتى قراءة تغريدة تُعري ما ترغب في كشفه... في جميع الأحوال تكون النتيجة الدرجة نفسها من التأثير، فنشاهد أحياناً في بعض الحلقات فشل سيلفي في استخدام الوسيلة كأداة وحيدة لعرض القضية، ولا يجوز لمقالة أو تغريدة أن تمارس السلطة بنفسِ الابتكار الذي تحدده الوسيلة البصرية في التلفزيون.

وبعيداً عن مسلسل سيلفي نشاهد ميلاد مصطلح “مسلسلات الفيمتو“ ويقصد به أن الفيمتو يعتبر خليجياً من المشروبات النادرة طيلة فترة امتداد العام، ولكن في شهر رمضان هو العصير الأكثر شهرةً لأنك ستراه في التلفزيون، وفي الأسواق، وفي الشوارع الضيقة، وفي المحلات الصغيرة، وفي المحلات الكبيرة، والأهم من ذلك تجده حاضراً في جميع موائد الإفطار، بالتالي أصبح مشروب الفيمتو في الخليج مرتبطاً مباشرةً بشهر رمضان المبارك، وفي السنوات العشر الأخيرة تكدست القنوات الخليجية بغزارة الإنتاج التلفزيوني في رمضان، فارتبطت الصورة الذهنية لهذه المسلسلات مع مشروب الفيمتو الذي يتم نسيانه بشكل مباشر بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.

الفن الحقيقي نشاط إنساني إيجابي يصب في إنماء المجتمع، ومن خلاله يُسمح للفنان باستخدام تأثيره. الابتكار والأصالة ضرورة من أساسيات بناء الصورة الفنية والسردية للعمل الدرامي الإبداعي، بمعنى آخر لا يمكن إنجاز العمل الفني الحقيقي إلا عبر الابتكار المُلهم من داخل الوسيلة نفسها؛ أي ابتهاج دائم عند كل مشاهد.