الكسل هو سر النجاح

عدن لنج - هافينغتون بوست عربي

 

أسماء جاب الله كاتبة ومدونة

هذه ليست دعوة للكسل، بل إنها نصيحة الكاتب “إيرني زيلنسكي” لقرائه، وهو من أمتع الكتب، حيث يعرض فكرة جديدة تماماً على أذهان الناس، فمن المعروف أن (من طلب العلا سهر الليالي) إلا أن الكاتب يطرح فكراً جديداً ألا وهو: اعمل قليلاً تنجح أكثر، فالظن أن النجاح متوقف على العمل لساعات طويلة، وعلى الانشغال.. وعدم أخذ إلا القليل من الراحة، وعلى بذل غير ذلك من التضحيات الجسام، ليس صحيحاً..

والمشكلة أن العمل لعشر أو اثنتي عشرة ساعة في اليوم، لا يترك لنا إلا القليل من الوقت للحياة الفعلية، وللأنشطة التي تؤدي للسعادة والراحة والرضا. وهو مهندس لا يعمل أكثر من ساعتين إلى أربع ساعات يومياً، ومع ذلك حقق نجاحاً باهراً، والكاتب يستطرد قائلاً: “لا تشعر أبداً بالذنب لأنك كسول”.

وهو يميز بين نوعين من الكسل.. أحدهما الكسول العاطل، والآخر الكسول المنتج، فالأخير يحصل على النجاح بمجهود معتدل، فماذا ينفع الإنسان إذا كان ناجحاً في عمله وفاشلاً في عائلته وفي حياته الاجتماعية؟! كهذا الذي يقضي معظم وقته في العمل بعيداً عن زوجته وأولاده. وما نفع المنزل الفخم إن كنت لا تملك الوقت للنوم فيه؟!

ويحكي قصة رجل زار صديقه في شركته فوجد لديه موظف ينام على المكتب ممدد القدمين فتساءل متعجباً كيف يسمح لهذا الموظف بالنوم بهذا الشكل دون عمل، فأجابه صاحب الشركة: أنا أتركه ينام لأنه حين يستيقظ يعطيني أفكاراً عبقرية تفيدني في عملي.

ويحكي قصة مقاول غني من نيويورك قابل صياداً على شاطئ كوستاريكا، فاشترى منه سمكاً أعجبه نوعه وجودته، واكتشف أنه لديه مكان سري فيه السمك وفير والنوعية ممتازة، لكن هذا الصياد لا يصطاد إلا خمس أو ست سمكات في اليوم، سأل الرجل الصياد لماذا لم يبقَ مدة أطول في البحر ليصطاد المزيد من السمك؟ أجاب الصياد أنه يصحو من نومه متأخراً ثم يلعب مع أطفاله، وبعد ذلك يذهب للصيد مدة ساعة أو ساعتين ثم يأخذ قيلولة بعد الظهر لمدة ساعة أو ساعتين، وفي المساء يتناول وجبة هادئة مع عائلته، وفي وقت متأخر من الليل يذهب إلى القرية حيث يعزف الغيتار ويغني مع أصدقائه، وقال إنه ينعم بحياة هانئة سعيدة ممتعة، فتعجب الرجل وقال له إنه لو اصطاد أكثر سيصبح مليونيراً فأجاب الصياد: “وماذا أفعل بالأموال؟ فقال له الرجل: تصحو من نومك متأخراً وتلعب مع أطفالك وتأخذ قيلولة طويلة، وتأكل وجبة هادئة في المساء، وتعزف وتغني مع رفاقك كل ليلة.

إذن لنا أن نتساءل ما الغرض من العمل المضني سنوات وسنوات ومن التضحية بالسعادة والراحة الجسدية والنفسية، ما دام بمقدورنا الحصول على كل ذلك بعمل أقل؟ وينبهنا المؤلف إلى حقيقة مهمة يجهلها كثير من الناس، وهي أن المال لا يشتري السعادة، حيث إنه في سنة 1995 أجرى عالم النفس “إد.دينر” في جامعة “إيلينوى” الأميركية، بحثاً أظهر فيه أن ثلث الأغنياء في الولايات المتحدة الأميركية، لا يتمتعون بالسعادة التي ينعم بها شخص متوسط الدخل في هذه البلاد وتأكيداً على ذلك صرح “بول جيتى” و”هوراد هيوجر” وهما من أصحاب المليارات، أن تعاستهما كانت تزداد كلما ازدادت ثروتهما.. فالمثل الإيطالي يقول: “اجعل المال عبدك المطيع وإلا أصبح سيداً ظالماً عليك”.

ويخلص في نهاية كتابه إلى أن سر السعادة يكمن في الرضا وراحة البال، وأن أحد العوامل التي تسهل الاستمتاع الكامل بالحياة، هو التخلص من الشعور بالحسد تجاه الآخرين، فالحسد هو في الواقع الرضا والسعادة التي نظن خطأ أن الآخرين يمتلكونها، كثيرون من الذين نحسدهم لا بل معظمهم، ليسوا أكثر سعادة منا.. لقد حذرتنا المغنية والممثلة بربارا سترسند بقولها: “بحق الله لا تحسدوننى، فأنا أيضا أعاني من مشاكل مؤلمة”.. وهناك حكمة عظيمة تقول: “الحسد كالحمض يأكل الوعاء الذي يحتويه”. فلا يمكنك أن تكون حسوداً وسعيداً في نفس الوقت فالحسد والتعاسة يترافقان دائماً يداً بيد.. فمقارنة أوضاعك بأوضاع الآخرين يمكن أن يؤدي بك إلى الإحساس بالخيبة والكبت وينتهي بك الأمر وأنت تقدر الآخرين وتكره نفسك.

وقد سبق التوجيه النبوي الشريف والقرآني ذلك الكتاب بفترة طويلة، حين أوجز لنا أسباب السعادة في الدنيا والآخرة؛ ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن لربك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه”. وكذلك حين أمرنا الله تعالي بعدم تضييع حياتنا باللهث وراء المال والنهي عن حسد الآخرين والرضا
بقضائه. فما أعظمها من توجيهات!