أسماء تسألني عن الله

عدن (عدن لنج) خاص:

سبع سنوات عشناها مع أسماء في سعادة وأمل متعايشين مع مرضها الذي بدأ فيها منذ وقت مبكر والذي لم تعرف عنه شيئاً إلى أن توفاها الله.

 

أربع سنوات في مرض، وتتألم وتسعدنا وتسعد كل من يلتقيها وأين ما حلت تخطف الأبصار إليها بما وهبها الله، كل من التقى أسماء يحبها فهي شخصية تنسج علاقاتها مع الجميع صغارا وكبارا فذكائها لم يكن طبيعي.

 

عشنا مع فيلسوف وباحث تركت لنا أسئلة كثيرة لم ولن استطيع الإجابة عنها ، أسئلة ليس لها إجابات وإجاباتها لا تخطر ببال من يناقشها كانت تناقشني في الأديان واللغات وعن العالم وتتساءل عن السموات والأرض ومن فيهن وتعود لتحدثني عن نبي الله موسى وعن أعمال فرعون وزوجته اسيا ومريم العذراء ونبي الله عيسي.

 

تسألني كثيرا عن الله وعن الغيبيات التي لا اجد لها إجابات ، كانت تسئل لماذا يقوم الشيطان بكل هذه الاعمال ولماذا يتبعه الناس.

 

وتعود أسماء طفلة وتقول لماذا يا بابا انا لا استطيع اللعب كباقي الأطفال ، لا اجري مثلهم ولا اقفز ولا ولا ، وكانت تشتكي من مرض بدأ بقدمها وعجز اطباء اليمن عن تشخيصه لثلاث سنوات ،وسرعان ما تتناسى المرض وتتغلب علية وتعود الى المرح والضحك والحديث الذي لا يٌمل.

 

عام مضى على علاج اسماء في الهند وكنا سعداء بتعافيها وانها عادت للعب كباقي الأطفال ، المرض كان ينتظر أسماء في ذات الشهر الذي أكملت فيه آخر مراحل العلاج في الهند في 2015 مع بداية شهر مايو 2016 انتكست حالة اسماء ، عاد اليها المرض بقساوة مسئولي هذا البلد .

 

كل أطباء المدينة قالو لي إنها النهاية فلا تتعب نفسك وإنتظر ، خبر اصعقني واحزنني كثيرا وآلمني كثيرا، وكان الامل يدب في عروقي كالنحل وثقتي بالله كبيرة سيختار الخير لنا، نعم لا يوجد عيادة ولا مستشفى ولا كادر يستطيع استقبال حالة مرض الطفلة أسماء.

 

نظرت الى زوجتي نهى وهي تعرف ما اعرفه وكوالدين نحاول ان نخفي عن انفسنا حقيقة ما نعرفه عن المرض الذي أصاب أسماء ، والى اين وصلت حالتها ؟ أسماء لم تكن تعرف شيئاً عن مرضها .

 

عدنا بالطفلة المرحة الذكية الى المنزل لتكون محطتنا الأخيرة في محاولات علاجها بعد أن اعتذر لنا كل الأطباء في عدن عن تقديم المساعدة او حتى مهدئات وبعد ان تعثر السفر ، ماذا نفعل ماهي امكانياتنا للسفر الى الخارج في ظل بلد يعيش حرب طاحنة ونحن لم نتعافى من الرحلة الأولى أجواء مغلقة وطيران مبتز و فيزا تحتاج وقت لاستخراجها فالمسئولين " شرعية حوثيين عفاشيين" لا يأبهون بأسماء ولا بمواطن ولا مريض .

 

كُنا في واقع يعيشه اغلب اليمنيين واطفالهم في اليمن لا احد يهتم بك ، لا صديق ولا عدو ولا قريب ولا بعيد فالجميع مشغول بنفسه ومن يستطيع ان يساعد او يقدم المساعدة بحكم موقعه او مركزه يمتنع حتى عن الرد بل من المؤلم ان يتجاهلك كل من توقعت انهم قد يقدمون اليك المساعدة او يقفون بجانبك ولو بالكلمة".

 

" اقصد المساعدة في مقالي هو تقديم واجبه من منصبه لليمنيين وللمريض كانت طفلتي أسماء او طفل يمني يعاني من مرض فكل شخص من موقعة في الدولة يقدم ما يتوجب علية ، لمريض يحتاج المساعدة للخروج من بلد دمرته الحرب ولم تبقى له فيها شيئا ليساعده على التداوي".

 

يهاتفني صديق من تركيا فيقول لي يا رضوان جميعهم تجار لا تصدق انهم يبحثون عن وطن او عن حقوق عالمية وعن حياة افضل لليمنيين فالجميع تجار تحولوا من تجار محليين كما كنت تعرفهم في اليمن الى تجار بدرجة اكبر تجار عالمين .

 

تعلمت من طفلتي أسماء الصبر والايمان والأمل وان ابتسم في عمق الألم والصمت عند الغضب والاعتماد على الذات وقت الموت.

 

قالت أسماء كلمتها الفصل قبل وفاتها يا بابا اذا الله يريد ان يشفيني سيشفيني واذا أراد الله ان يميتني سيميتني بدون هذا العذاب الذي انا فيه ، الله يقدر على كل شيء ، نعم كانت كلماتها التي اذهلتني من طفلة في السابعة من العمر.

 

وتقول لي يا بابا الله يحبني ام يكرهني اجيبها الله يحبك فتقول لماذا انا هكذا فأقول لها إنه المرض فتصمت فالطفلة لا تدرك الاختبار ولا تعرف التمحيص انه قدرها الذي اصطفاه الله لها ، وتعود وتقول لي بابا أني سوف اموت أقول لها لا يا أسماء قريباً سنسافر من أجل أن نعالجك خارج اليمن ، تعود لتؤكد لي ولأمها بابا ماما أني سأموت ، تعجز السنتنا عن الرد ونحن ننظر اليها بعجز وهي تدرك ما تقول ونحن ندرك طبيعة مرضها ونرفع أيدينا الى الله بالدعاء .

 

قبل أربعة اشهر أسماء تقول " بابا ماما انا سأذهب الجنة وسيكون معي جناحان اطير بهما سوف أكون عند الله والرسول محمد" ص " سمعنا رسالة أسماء تريد ان تقول انها ستموت ولكننا لم نكن ندرك حديثها الجدي الذي لا ينقطع عن الجنة والنار والله والرسول محمد صلى الله علية وسلم وعن الصراط المستقيم ، فنرد عليها يا أسماء انت طفلة لا تشغلي بالك بهذه المواضيع فتعود لتقول اني فقط استفسر منكم وأريد اعرف هل سيكون عندي جناحين اطير بهما فنؤكد لها نعم لأنك طفلة ملاك.

 

ومع عودة المرض الى أسماء بكت نهى وقالت " رضوان أسماء ستموت ستذهب الجنة ونحن لم نفهم حديثها ورسائلها كل يوم لنا عن الله والجنة ابكتنا حين ادركنا هذه الحقيقة قبل اربعة اشهر واليوم تأكد لنا عندما ذهبنا بها الى الطبيب المختص " ساعتها قالت أسماء لماذا تبكي ماما عليا إيش فيني انا ، فأسماء لم تكن تعرف انها مصابة بالسرطان".

 

قبل الوفاة

نظرت أسماء وقالت بابا مع السلامة قلت لها ماذا يا أسماء وانا مدرك ان أسماء ستغادرنا ؟؟ ابتسمت أسماء وأشارت بكفها وقالت مع السلامة بابا مع السلامة فكل من يدخل عليها الغرفة تشير بكفها وتقول مع السلامة جدة مع السلامة خالو مع السلامة خالة مع السلامة ماما.

 

انتقلت أسماء الى ربها كباقي الأطفال الذين سبقوها ولم يشعر بمرارة الفراق والمرض الا من عاش معها ، وهناك الكثير عشرات الألاف من أطفال اليمن يعانون الامراض والجوع والفقر والتهميش والحرب والقصف والحصار والإهمال في المشافي والمنازال.

كتب\رضوان فارع