عن ضباط الجيش الجنوبي: كيف أضحى الخبير البيولوجي حارس حديقة؟

عدن لنج - صحف :

عشرون عاماً قضاها خبير الأسلحة البيولوجية، العميد محمد درهم، مرابطاً أمام بوابة حديقة أطفال في عدن يحرسها، وربما كانت هي التي تحرسه. فمع إشراقة صباح كل يوم جديد، يفتح العميد محمد بوابة الحديقة القريبة من منزله، يتعاهد أشجارها ويروي بالماء أزهارها ويصلح ما خرّبته أيادي الأطفال الصغار فيها، ومن راتبه الضئيل يعيد ترميم ألعابها. هكذا عاش وهكذا تربى وهكذا تعلم. ظل العميد محمد على هذه الحال يومياً، ولمدة تزيد عن 20 عاماً، لا يبرح مكانه حتى يغادر بعد صلاة العشاء بساعة آخر طفل ساحة الحديقة.
صبر ووفاء وطاقة لا تتأتى إلا للقليل النادر من الرجال. أطفال الحي أنسوا العميد رتبته وتخصصه النادر وباتوا ينادونه بالعم محمد.
يروي العم العميد محمد بمرارة واقعة افتراشه وزملائه من ضباط الجيش الجنوبي، بمن فيهم قائد سرب طيران، عشية عيد الأضحى، الأرض أمام بوابة قصر معاشيق، وطلبهم من المارة التبرع، وتعريفهم عن أنفسهم بصوت عال علّ صرخاتهم تصل إلى سكان القصر، مقر الحكومة الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، ولكي يعلم أبناء عدن والعالم حالة المذلة والهوان التي وصل إليها كوادر وخبراء دوليون من الجيش الجنوبي باتوا يستجدون رواتبهم شحتاً ودون رد.

كوادر وخبراء دوليون من الجيش الجنوبي باتوا يستجدون رواتبهم شحتاً ودون رد
يسرد العميد محمد قصته محاولاً حبس دموع غادرت عينيه مرغماً: «سُرّحت وزملائي من ضباط وكوادر الجيش الجنوبي من أعمالنا بعد حرب 94، ولم يمض على تخرجنا من أفضل الجامعات السوفيتية سوى سنوات قليلة، كنا نعتقد خلالها بأننا قادرون على العطاء والإبداع وربما التفوق على أساتذتنا في جامعات الإتحاد السوفيتي».
وفي سياق روايته يسأل العميد محمد ويجيب ضارباً لنا مثلاً: «كُسرنا كغصن شجرة مثمر غض طري رُمي به بعد ذلك في قعر بئر عميق». يتابع: «بعد حرب صيف 94 عرض علينا ضباط مقربون من الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، العودة إلى العمل بشروط مجحفة لا يقبلها جنوبي تشرب الإباء قبل فطامه. رفضناها جميعاً وفضلنا العودة إلى منازلنا، لكن تخصصي النادر أفشل تالياً كل محاولاتي الحصول على عمل آخر يتناسب ومؤهلاتي. وحتى لا أُصاب باكتئاب التقاعد المبكر، ولأنني جبلت منذ صغري على المبادرات الطوعية والخدمة المجتمعية، تحملت على عاتقي إعادة تأهيل حديقة الأطفال القريبة من مقر سكني، ومن راتبي الزهيد أعدت ترميمها وصارعت بالتضامن مع شرفاء من أبناء عدن محاولات البسط والاستيلاء على الحديقة من قبل نافذين».
ويزيد: «طالبت السلطات المحلية بصرف مخصص لصيانة الحديقة، أو راتب لي كحارس أسوة بكثير من المديريات، لكن ذلك لم يتم حتى اليوم. رفضت مراراً الحديث عن نفسي والإهمال والتهميش الذي تعرضت له وزملائي من كوادر وضباط الجيش الجنوبي،
من بعد حرب صيف 94 وحتى اليوم، حيث وصل بنا الحال إلى أن نتسول رواتبنا التي تقطع شهوراً من قبل الحكومة الشرعية... فحسبنا الله ونعم الوكيل».