النساء والـحرب ..قاهرات الحرب و حمامات السلام

عدن (عدن لنج) لـيـنا الحسني:

استقيموا و اعتدلوا ثم أدوا التحية لهن تعظيما ..

تخطو الحرب نحو عامها الرابع ولازال المدنيين هم الضحايا في حرب هوجاء تتعدد بها الفواجع والضحية واحدة , فكأنه لم يكن تكفي الحرب التي قضت على الاخضر واليابس في بلد يعد فقيرآ وتخطى ابنائه خطوط الفقر بمراحل حتى داهمته المجاعة والامراض والاوبئة الفتاكة والقاتلة في ظل تخاذل وصمت رهيب ضد هذا البلد .


وبحسب القانون الدولي الإنساني- الذي يصنف النساء في حالات النزاع المسلح على أنهن بصورة خاصة " ضحايا " " ضعيفات أمام الخطر " و ان النساء هن الاضعف والاكثر تأثر بالحروب غير ان الحرب في اليمن اثبتت عدم صحة الجزء الاول من هذه المقولة حيث صمدن واثبتن انهن الحلقة الاقوى برغم انهن الاكثر تأثر بالخسارات المتتالية فخلال الحرب فقدت كثير من النساء اعمالهن وازواجهن وابنائهن مما القى بالمسئولية الكبرى على عاتقهن وتحملت النساء المسئولية بصفتهن ربات الاسر ونجحن في ذلك
لم يقتصر دور النساء على العمل وتحمل المسئولية فتعد ى الامر الى عملهن في المهام الامنية خلال الحرب وكذا في الاغاثة وتوزيع المياه والادوية في مناطق مشتعلة وسط النيران والقذائف واستطعن اثبات انفسهن في العمل المجتمع المحلي كناشطات وداعيات سلام . برزت وتصدرت المرأة في اليمن العمل في منظمات المجتمع المدني وكان لهن دور كبير في النهوض بالمجتمع المدني ولا يقتصر هذا الدور على النساء في الداخل بل كان هناد دور فعال ومؤثر لعبته النساء خارج البلد ..


وتؤكد الباحثة ومؤسس مبادرة مسار السلام رشا جرهوم
ان النساء في الخارج ساعدن بشكل كبير وفعال خلال الحرب ومابعدها في" المناطق المحررة " حيث كان لهن الدور بإعلاء صوت نساء الداخل وثانيا بإيصال دعوات السلام لكل مكان .
وكان هناك جهود جبارة من النساء في الخارج ايضا لدعم جهود الاغاثة من خلال حملات جمع التمويل ومساعدة اليمنيين العالقين اثناء إغلاق المطارات ومساعدة حالات الجرحى. كما استطاعت النساء ايضا دعم جهود حماية المدافعات من خلال دعمهم في الانتقال الى مناطق آمنة.
قادت النساء خارج اليمن عملية السلام كلن بحسب دورها ومقدرتها فسعيهن الدائم للحضور والمشاركة في فعاليات مختلفة لإظهار مدى الضرر الذي وقع ومدى تضرر المدنيين والنساء والاطفال بشكل خاص وما اودت اليه الحرب من كوارث ومحاولة ايصال الصورة من الداخل الى بقية العالم
وتقول ايناس شمس الدين ناشطة و مهتمة بحقوق المرأة
أن النساء صخرة اليمن الصلبة التي لطالما اتكأ البلد عليها ، حيثما وليت وجهك وجدت الجندية اليمنية المجهولة، تلك التي ما إن رأت جدارا يريد أن ينقض فأقامته ..من بذلن التضحيات لينقذن الغرقى في بحور اليأس ..من ترهّبن وسط عهر هذا العالم ..
العظيمات في زمن التقزم و الملائكة في زمان الشيطنة .. قاهرات الحرب و حمامات السلام ..
هن جبابرة الحياة و شفاعة الخطايا و صلاة الملحدين.. "من قلن لا في وجه من قالوا نعم"
هن الماجدات الواجدات النافخات من أرواحهن في صدر هذه الأرض ..نساء اليمن هن اختيار الله و تفضيله .. جيوش الحياة اللاتي أرغمن الموت على التنحي ..
استقيموا و اعتدلوا ثم أدوا التحية لهن تعظيما ..

وتروي الصحفية دعاء نبيل عن تغير الادوار خلال الحرب وعن تجربتها الشخصية في عدن فتقول :
تعالت أدوار النساء بفترة الحرب الاخيرة فالنساء في عدن خاصة لم يكن يعين للأدوار التي مارسنها أثناء الحرب والتي جاءت بحسب الزمان والمكان وتغييره وأهمها الدور الأسري في إطار المنزل حيث تحملت النساء العبء الاكبر في المنزل ومابعد الدور في المنزل يأتي الدور الخارجي فبعض النساء فقدت عائلها مما اضطرها إلى الخروج للعمل لجلب قوت يومها لها ولأسرتها ، وهنا كانت أكثر النساء تذهب الى منطقة بعيدة نسبيا عن عدن لم تكن على علم بها سابقا منطقة "الفيوش " عندما كانت المنطقة الوحيدة التي تحوي الخضروات والمواد الغذائية وما إلى ذلك
وتستذكر دعاء ان بعض النساء اللواتي كانوا يذهبن الى منطقة الفيوش لشراء القات ويقومون ببيعه لاحقا من أجل توفير مصروفات الاسرة لا ننسى ايضا دورها في اسعاف الجرحى والمرضى فقد كانت كثيرا من فتيات ونساء عدن مرابطات في المراكز الصحية لإسعاف الجرحى ، وتلك النساء اللواتي يدخلن خط النار (المناطق التي يحتلها الحوثيون) لإسعاف الجرحى وإدخال المواد الغذائية، وكذلك دور المرأة العدنية في النقاط الأمنية خلال فترة الحرب وهناك العديد من الأدوار التي قامت بها نساء عدن .
وعن تجربتها الشخصية تحكي دعاء انه أثناء فترة الحرب التي شهدتها عدن كنت عند انقطاع الماء ولأيام عديدة اعمل على جلب الماء من مناطق أخرى لأسرتي والتي كانت تتكون من 3 أسر ونسكن في منزل واحد وهذا بمساعده والدي . أيضا العمل على التنسيق مع ملاك منازل و نازحي مناطق النزاع (كريتر - المعلا- خورمكسر ) للسكن . التواصل مع فاعلي الخير بالخارج لمساعدة الأسر النازحة والمتضررة . الطبخ بالأسابيع الأولى من الحرب للمقاومة والمرابطين على النقاط .


وتحدث منى هيثم الناشطة السياسية عن انتقال دور النساء من دور الاحتجاج السلمي إلى التطوع تحت مخاطر الإعمال العسكرية ..
نتيجة لتغيير ظروف عدن من بعد حرب 26 مارس 2015م حيث أصبحت عدن تعيش تحت واقع الإعمال العسكرية مابين القوات الزاحفة من الشمال ما تسمى قوات الانقلابين أنصار الله الحوثيين والحرس الجمهوري للرئيس السابق علي عبدالله صالح وبين القوات المتصدية المسماة بقوات المقاومة الشعبية الجنوبية الموالية لشرعية برئاسة الرئيس عبدربه منصور هادي , وعلى ذكر التحولات تحولت عدن من واقع الاحتجاجات السلمية والاعتصام المدني في الساحات ومنها ساحة العروض في خور مكسر إلى حال مقاومة مسلحة ضد الانقلابين وفتحت عدة جبهات في عدن .


امام هذا الواقع وجدت نفسي أغير من نمط دوري النضالي الذي خضته في صفوف الحراك الجنوبي السلمي دفاعا عن القضية الجنوبية إلى التطوع تحت مخاطر الإعمال العسكرية في محافظة عدن فقمت بدور التطوع في مجال تقديم مساعدات للجرحى من المقاومة وجرحى مدنيين من جراء القصف على أحياء سكنية في مدينة خورمكسر مثل توفير انابيب فحص الدم والحقن والمغذيات والقطن ومواد الجراحة اللازمة وتسهيل وصول الغداء للمقاومة التي كانت متواجدة في مطار عدن الدولي .


بعد سقوط مدينة خورمكسر بيد الحوثيين اضطررنا الى النزوح لمدينة إنماء وكان دوري في إنماء انضممت مع شباب ثورة 16 فبراير بتوفير سكن وإيواء النازحين من المديريات التي سقطت بيد الحوثيين بالتنسيق مع فاعلين الخير وملاك العقارات السكنية في مدينة إنماء .
بعد تحرير عدن 27 رمضان 2015م
عملنا على أعادة تطبيع الحياة في مدينة خورمكسر تحت إشراف مدير مديرية خورمكسر السابق الأستاذ عوض مشبح وعبر مجلس أهالي خورمكسر التنموي .
بسبب الظواهر السلبية التي أفرزتها الحرب في مدينة عدن وبسبب اثر النزاعات على النساء الشريحة الأكثر عرضة للعنف في البلدان التي تعيش تحت واقع الحروب من جانب , ومن جانب أخر ونتيجة لاشتباك مفهوم بعض المصطلحات لدى الشباب عملت في مجال رفع وعي الشباب والنساء بضرورة التعاون المجتمعي لعودة الأمن والسلم , والإلمام بالآليات الدولية التي تكفل قيام هذا الدور التوعوي و التشاركي , منها القرارات التي تقر بمشاركة النساء في بناء السلم وهو القرار الدولي رقم 1325 حول مشاركة النساء في عملية بناء السلام في المجتمع كشركاء فعليين . فعلى صعيد هذا القرار شاركت في عدة ورش عمل وحلقات نقاش تناولت موضوع النوع الاجتماعي و التوعية بالقرار 1325 لمجلس الأمن الدولي مع منظمة أكون للحقوق والحريات .


فيما يروي م.عمار بامطرف مصور ومدير شركة اعلامية ذكرياته خلال الحرب : أستطيع التذكر جيداً وبصورة لا يمكن أن تتلاشى من مخيلتي تلك الفتاة نحيلة الجسم، التي كانت تجري بين اكوام الناس الواصلة عبر البحر من مناطق الحرب الشعواء في التواهي والمعلا وكريتر ،، وذلك أثناء وصولهم إلى ساحل الخيسة الذي يقع شرق جنوبي البريقة، و التي لم تكن تحت انظار مليشيا الحوثي وصالح في ذاك الوقت.
كانت تحمل فوق رأسها كيساً ممتلئ بالبطانيات التي وزعتها على الأطفال والنساء اللذين وصلوا عبر قوارب الصيد الصغيرة، كان القارب يحمل أكثر من خمسين شخصاً في الوقت الذي لم يصنع فيه ليحمل اكثر من عشرة ،، أخريات كن يحملن الماء البارد وبعض الكعك وكثيراً من الحب للعائلات التي عانت موت الحرب، وخوف البحر في يوم واحد مجتمعين، رأيت العديد من النساء يقمن بمساعدة الواصلين ، واستقبالهن في بيوتهم التي كانت مفتوحة لكل عدن ،، ولكل من أذرفته الحرب دمع عينيه، منظر بعض المصابين والقتلى اللذين وصلوا كذلك عبر تلك القوارب الخشبية الصغيرة، أفقدني توازني، لكنه لم ينل من صبر اولئك الباسلات اللاتي كن يحملن الأحياء والأموات ويمنحن الأطفال ابتساماتهن التي تحمل في داخلها الخوف ، وفي ظاهرها الامان.
على الرغم من كل المخاطر والحروب اثبت النساء انهن الحلقة الاقوى وانهن باستطاعتهن العمل تحت أي ظرف فلا عاصم اليوم من تواجدهن وعملهن فقد اثبتن جدارتهن في كل شئون الحياة ومشاركتهن في الحرب والسلم .