أبوبكر سالم .. ذكرى رحيل فنان القرن


بحنجرته الذهبية أطرب الفنان الكبير أبوبكر سالم ملايين المتذوقين لفنه، وما أجمل أن يتمكن الفنان من زمام اللغة، ضف إلى ذلك حنجرة ذهبية تسحر العقول، وتأخذ بالألباب، يتوه الفكر في ساحات الجمال الفني عند سماع دندنة مطرب الجزيرة والخليج، وكروان مدينة حضرموت، الفنان أبوبكر سالم.


لوسألت عن الفن فمسكنه حنجرة ذهبية دندن صوتها لأول مرة من حضرموت الفن، والطرب الأصيل التي تشوق لها الفنان ودندن بصوته الجميل بكلمات الشوق لهذا المدينة، وشوقي إلى الغنا مدينة حضرموت.


يا رسولي بلغ الدنيا قاطبة إننا نمر هذه الأيام بالذكرى الأولى لرحيل مطرب القرن، صاحب الصوت الندي الذي جمع بصوته كل فنون اليمن، بل كل فنون العرب، فقد تغنى بالصنعاني فكان رائداً من رواده، وتغنى بالحضرمي فأبهر الجميع، وترنم باللون الخليجي فتسيد هذا اللون، تغنى بغنائه الفنانون، وترنم بترنيمات الصغير والكبير، فلا تجد ذواقة للفن إلا والبلفقيه فنانه المفضل، كيف لا وقد صدح بصوته العذب بأجمل ما نسجته شاعرية الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار الذي شكّل مع البلفقيه ثنائياً رائعاً سحرا بفنهما عقول المتذوقين للفن الأصيل.


حين سافرت سافرت مغصوب، من منا لم يشتاق لصاحب هذه الأغنية، ومن منا لم يطرب لكل روائع أبو أصيل الذي زرع فينا الذوق الرفيع، فهو أستاذ اللغة، وأستاذ الطرب، وسلطان الفن.


يا رسولي، ويا زارعين العنب، بها دندنا صغاراً، حتى غزانا الشيب ولم نحس بذلك إلا مع صوت أبو أصيل الذي نبهنا لهذا، فتفحصنا رؤوسنا فوجدناها قد ملئت بياضاً شديداً، وغزانا الشيب، فرددنا معه ما قد ردده بالأمس، غزاني الشيب وفاتتني الأماني، ولاني بالفرح موجود ولاني بين أحزاني، بكينا على رحيل فنان القرن، فلم يُجدِ البكاء ولا النحيب، مرت السنة الأولى على رحيل عملاق من عمالقة الفن العربي الأصيل، مرت وكأن هذا الفنان لم يغادرنا، فمازال بيننا يطربنا ويشجينا، فنمضي معه في عالم الجمال السحري بلحن شجي، وكلمات رائعة نمر بها بين فضاءات الزمن الجميل وعطاءات فنان مازال فنه حاضراً في ذاكرة المتذوقين لفنه.


غنى البلفقيه منذ نعومة أظافره، قالها في إحدى مقابلاته عندما سئل عن بدايته الفنية، فقالها ممازحاً غنيت في ذلك الوقت وأنا مازلت بحبو، غنى لعدن فرددنا معه يا طايرة طيري على بندر عدن، وطاف بفنه عدن وأبين، مترنماً بها مردداً، طف على شمسان واجزع ساحل أبين والغدير، وغنى لصنعاء، يا أحبة ربا صنعاء سقى الله صنعاء، وغنى لحضرموت متشوقاً لها، وشوقي إلى الغنا مدينة حضرموت، وغنى لليمن من يشبهك من؟ وغنى للجزيرة يا سلوة الخاطر إذا شفت أنا الماطر يسقي جزيرتنا يا سلوة الخاطر، وغنى للكويت، يا مودي الودايع شلني ع الكويت، شلني ع الكويت.


ماذا سيكتب اليراع في ذكرى رحيل صاحب اللحن الذي يتسلطن له المزاج، وترتاح لنغماته النفس؟
ماذا سنقول في ذكرى رحيله سوى أن نقول: طبت أبا أصيل حياً وميتاً، ونختم بما قد ترنم به فناننا الكبير: وهذا الذي يا صحابي دي ما حسبنا حسابه.

مقالات الكاتب