الطفلة " أسماء " ورحلة البحث عن عدالة في مجتمع غير عادل

 

هل تبيع أبنتك بالمال؟ هذا ما فعله أهل أسماء ، وأصبح المال سبب لأن يدمر أسرتها ويضعهم تحت هوان الفوارق الإقتصادية دون منقذ،
ضحية من ضحايا العنف الأسري فتيات في سن الزهور، يسري بهن الحال لزمن يكبرهن بالعمر بسنوات ،حالات نفسية وأمومة مبكرة وصحة متدهورة وأمية إبجدية في عصر الثورة المعلوماتية لتنهي مسيرة حياتهن بلقب "إمرآة مطلقة".

أسماء ذات الخمس عشر عام هي أم لثلاثة أطفال، بعد زواج مبكر كان المال هو السبب الأهم في هكذا زواج أصبح معتاد بكثر في ريف اليمن، بل وبعض مدنها، حتى إرتفعت حالات الوفاة إلى ثمان حالات وفاة يومياً بسبب زواج الصغيرات في اليمن وفق لدراسة صادرة عن المركز الدولي للدراسات لعام2012م.


بسرد حزين تخبرنا اسماء عن تلك المعاناة التي اجبرتها على العيش في حياة الجحيم كما تصفها بقولها: انا تحملت السنين بكل ما جلبته لي من شر وخير كان لديا أمل أن يتغير الحال يوما ما ،أن يتحسن سلوك زوجي ومعاملتة المتوحشة معي واولادي ،صبرت على أن يحمل لي المستقبل شي افضل ويشعر زوجي بحس المسؤلية ويعود الى الصواب تحملت الاهانة والضرب والحصار بالمنزل دون حتى السماح لي بالخروج من باب المنزل ،عانيت كثيراً من إجل الحفاظ على منزلي المهدوم من الداخل ومن اجل الحفاظ على اولادي من الشتات والعذاب وان لا يذكر اسمي وعائلتي بسؤ في ريفنا الذي لا يرحم المظلوم ويقف دوماً مع العادات التي تقف بصف الرجل وان كان ظالمً.


وتواصل : نحن نعيش في مجتمع لا يعترف بحقوقنا وبحريتنا باختيار شريك لحياتنا يحكمون علينا بالموت ونحن أحياء يحكمون علينا بالسجن تحت وصاية زوج لا يرحم ونحن بحاجة ان نعيش الحرية التي خلقنا الله عليها، نعاني الوجع في منزل اهلنا ومنازل ازواجنا وحتى في القضاء لم يكن يحكم لنا فقط لاننا"نسوان"محكوم علينا ان نبقى في منزل الزوج ولا نخرج منه سيو لقبرنا هذا ما يخبرنا به اهلنا عند زواجنا وباننا عيب وعار يجب التخلص منه دون الإكتراث لما نعاني من وجع وألم وحياة تعيسه .


هذا هو حال أسماء تحملت مشقة هذا الزواج دون أن يكون لها قرار فيه، أصبحت أم لثلاثة أطفال، وهي طفلة ، لكن زوجها الذي يكبرها بسنوات لم يشفق عليها بل عاملها بقسوة كما لو كانت لا تتألم، صب سخطه وغضبة وقسوتة عليها، ولم يكترث لطفولتها ولكونها أم أبنائه، عاملها كما لو أنه مفترس وليس إنسان، حتى ضاق بها الحال، وهي تحت التهديد والوعيد الذي تمادى فيها الزوج المسن وذهب للتهديد بقتل أخيها أن خالفت له أمر أو خرجت من منزلها، حسب ما ذكرت لنا "أسماء"
كان يفعل كل هذا وهو يعلم أن أهلها لن يحركوا ساكن أمام ماله وجبروته والفارق الأجتماعي الذي ينتصر به عليهم.


وتكمل اسماء قصتها بقولها : عانيت كثيراً من أجل أطفالي وهو ما تفعله الكثير من نساء اليمن، لكني بعد سنوات من العذاب نفذ الصبر، خرجت بأولادي هروباً إلى منزل عمتي التى كانت أحن عليا من أبي وأمي وكانت لي الاذن المنصت والقلب الحنون، اخبرتها بكل ما حصل معي من اعتداء بالضرب والتهديد وكل ما مريت به من ألم وحزن حول حياتي الى رماد.

فكان لعمتها الموقف الحاسم، عملت على جمع بعض المال الذي يمكنها من دفع تكاليف القضية والمبالغ الذي يتوجب دفعها، ومن ثم إقتيادها للمحكمة ورفع قضية خُلع أمام القاضي الذي رأى في الخُلع إنتهاك من الضحية لرجولة زوجها، فكان القاضي بصف الزوج، شعوراً منه بأن الخلع معيب في حق الرجال، وهذا ما عقد الأمر كثيراً وجعل"أسماء" ضحية أخرى لعقلية ذكورية تتحكم بسير العدالة ومؤسساتها، لكن العمة لم تستسلم ولم يروق لها أن ترى في أبنة أخيها الذل والهوان الذي وقعت فيه، فكان لابد أن تستعيد كرامتها وتحمي حياتها من عذاب يومي لا يرحم.
لا تملك أسماء من المال ما يمكنها من أن ترفع قضية خلع، وقد نصت المادة "72 -73- 74"من قانون الأحوال الشخصية باليمن لسنة 1992م بأن
: الخلع هو فرقة بين الزوجين في مقابل عوض من الزوجة أو من غيرها مالاً أو منفعة ولو كان بأكثر مما يلزم بالعقد أو كان مجهولاً .

يتم الخلع بالرضا بين الزوجين أو ما يدل عليه عقدا كان أو شرطا ، ويشترط في الخلع ما يشترط في الطلاق وأن تكون الزوجة حائزة التصرف بالنسبة للعوض.
يعتبر الخلع طلاقاً بائناً بينونة صغرى ما لم يكن مكملاً للثلاث فبائناً بينونة كبرى ، ويجب في الخلع الوفاء بالبدل.

وهذا ما جعل العمة في تحدي لتخسر ما لديها من أجل تحقيق الإنصاف والعدالة لأبنة أخيها الذي باعها والدها لرجل مسن مقابل المال، دون أن يلتفت لما تعاني ابنته من ويلات حياة يومية لا تقوى طفلة ل تحملها.


كانت أسماء تعيش رعب الأيام وهي تريد أن تحافظ على مستقبل أفضل حالاً لأطفالها الذي ترى فيهم أنهم تعويض عن سنوات العذاب والتعب حسب قولها .


حصلت أسماء على حقها في الإنعتاق وإستعادة حياتها، ولعلها كانت محظوظة أن هناك من وقف بجانبها فإتكأت عليه، وكأن الله بعث لها بعمتها لتنقذ حياتها، ورغم تعب الحياة إلا أنها تريد أن تضع جل أهتمامها في مستقبل للأطفال الثلاثة وهي ترى فيهم مستقبلها الكامل، وأصبحت تبحث فرص العيش لتوفر لهم يوم سعيد، ومازلت في رحلة للبحث عن ما يوفر لها وأطفالها لقمة عيش كريمة، لا يتوقف طموحها هنا، فهي لا تريد أن تكون عالة على عمتها ومحل إشفاق أهلها، ما جعلها تفكر أبعد من هذا وهو حقها الذي حرمت منها والعودة لمقاعد التعليم كي تستكمل دراستها، فالتعليم هو الطريق الأقصر نحو المستقبل.

في السنوات الأخيرة التى تعاني فيها اليمن صراع وحرب إرتفعت مؤشرات الطلاق والخلع لأسباب كثيرة تتعلق بالجوانب الإقتصادية والنفسية التى تغيرت بفعل الحرب وما تفرز من مشاكل يومية أنعكست على حياة الناس بشكل سلبي زادت فيها المشاكل الأسرية وإرتفعت نسبة الطلاق إلى مستوايات كبيرة، تقول مؤشرات إتحاد نساء اليمن بأن عددحالات الإنفصال بين خلع وطلاق في محافظة تعز للعام 2018 وصل إلىى أكثر من 270 قضيه، هذا ما تم توثيقة بشكل رسمي من قبل الإتحاد، والعدد في تزايد.


قصة اسماء ليست هي القضية الوحيدة فهي تمثل مئات القصص الموجعة وربما الاكثر منها وحشية وانتهاك لقاصرات حكم على طفولتهن بالموت البطئ وعلى حياتهن بالعذاب المستمر.


لعل أسماء إستطاعت أن تكون ناجية، ولكن كثير من الفتيات ما زلنا تحت وقع الظلم الإجتماعي الذي يبتاع في البنت دون النظر في ما تريد أو ما يسعدها، فيقتل مستقبلها وتصبح في مكانة الجارية التى تحرص على تنفذ الأوامر والطاعة، هذا إن لم تفقد حياتها في أول حمل لها أو أول عام تزف فيه للبيت الزوجية ومغادرة الحياة كلياً، كما هو حال الكثيرات.