أوغلتم، كثيراً ، في إزهاق أرواحنا وسفك دمائنا بطرقٍ مختلفةٍ وأساليبٍ متنوعةٍ مستخدمين كل أدوات الموت والفناء ، لكنكم فشلتم في انتزاعنا واقتلاعنا من أرضنا ، فالأشجار تموت واقفةً كونها تضرب أطنابها في أعماق التراب ، وهكذا نحن .
جهزتم جيوشكم مدججةً بكل أنواع أسلحة القتل والدمار ، هددتم وتوعدتم بإبادتنا ، لكنكم عجزتم عن اذلالنا وتخويفنا كوننا ،ببساطةٍ، قد اخترنا أحد الحسنيين طريقاً لنا، أما أن نحيا على أرضنا أحراراً أو أن ندفن تحت ثراها كرماءً.
قطعتم عنا مصادر القوت وكل ما يسد منا الرمق ، ولو استطعتم لحجبتم عنا النور والهواء وقطرات المطر ، لكنكم لم تستطيعوا تركيعنا كيفما شئتم ، لأننا عرفنا أن سبيل الموت واحد وإن تعددت أسبابه، فلا فرق عندنا أن نموت بإجتزاز الرؤوس أو بتفجير الأجساد أو الموت جوعاً وعطشاً.
أفعلوا مابدالكم ، مايحلو لكم؛ اقتلوا ، دمروا ، فجروا ، امنعوا عنا اللقمة والنسمة ، لن نخاف، لن نذل، لن نركع، لن نستسلم، أعطيناكم كل شئ ، منحناكم كل شئ ، فقابلتوا النعمة بالنقمة.
قلتم أنكم تريدون أن تشهدوا عناق جبال ريمة بشماريخ شمسان، فانطلقت من أحضانه تباشير الإخاء والتلاقي مضمخةً بدموع الفرح وأناشيد المحبة، فلم تستلهموا المعاني الإنسانية والأخلاقية لذلك العناق العفيف، بل حملتم معكم كساراتكم وحفاراتكم، وشرعتم تفتون في عضد ذلك الشامخ المنتصب فوق ضفائر الحبيبة عدن،
وقلتم تريدون من النهر أن يجمع ينبوعه،فتدفقت ينابيع الجنوب صافيةً رقراقةً،تحمل معها زبد الطهر والنقاء والألفة، بينما كانت مياهكم آسنةً ظحلةً مملوءةً بالمكر والخداع والدسائس.
وقلتم أنكم تريدون أن ترقصوا البرع الصنعاني والشرح اللحجي على أنغام الآنسي والمرشدي والقمندان في يوم عرس حسناء وحسان، فضاع،مع الأسف، في معمعة المعارك الدامية ، جمل فيصل علوي مع حمله والأوساق، فرقصت جنازير دباباتكم ومصفحاتكم على جثث نسائنا وأطفالنا وشيوخنا، واغتسل العروسان ، في يوم الزفاف الجميل ، بالدماء بدلاً عن الورس والحناء،وبدلاً من أن تصدح زغاريد الفرح من أفواه الحسناوات،تعالت صيحات العويل والنحيب من حناجر المكلومين والثكالى،وتحول ذلك العرس البهيج إلى مأتمٍ قاتمٍ ومخيمات حزنٍ وعزاءٍ، في معظم قرى ومدن الجنوب الحبيب.
أردنا أن نطوي معكم صفحات الإحتراب الدائم ونختزل زمن الخصام المستمر، فجئناكم، أفواجاً، نحمل أرواحنا على أكفنا وأطفالنا على أكتافنا، تسبقنا إليكم أشواقنا وآمآلنا وأحلامنا، فتعاليتم واستكبرتم، وجعلتم من أنفسكم أنتم الأصل ونحن الفرع،أنتم السادة ونحن العبيد، أنتم القناديل ونحن الزنابيل،فحطمتم بأفعالكم المشينة تلك جسور التواصل، فانصرمت أواصر القربى بيننا، وأصبحتم، بالنسبة لنا، بعد ذلك غرباء كما كنتم ، وسيصحبنا النصر عليكم طالما ونحن على الحق سائرون.