كوارث المرؤة السياسية.. متى تنتهي؟

يحكى ان رجلا أعرابيا كان يملك جوادا أصيلا ورائعا ومن شدة روعة ذلك الجواد ان لفت إنتباه جار صاحبه مما دفع به ان يتقدم الى مالك الجواد لشراءه منه؛ لكن المالك أبى البيع لحبه وتمسكه الشديد بجواده.
 
 
وعلى الرغم من المحاولات العديدة والإغراءات السخية التي كان يقدمها الجار في كل مرة بغية امتلاك ذلك الجواد الا ان جميعها لم يفلح..
ومع ذلك لم يستطع الجار المتيم كبح جماح رغبته وتعلقه بالجواد،الامر الذي جعله يستأجر لصا لسرقة الجواد المغري.
 
 
وفي إحدى الايام وبينما كان الرجل صاحب الجواد مارا بالطريق ممتطيا جواده شاهد على قارعته شابا مرميا فأقترب منه،
وسائلا إياه : مابالك ياهذا مرميا هنا وتئن؟
فأجابه الشاب : مريض ومنهك يااخ العرب.
فما كان من الرجل حينها الا ان طلب منه إمتطاء الجواد ليسير هو.. 
وبالفعل هذا ما فعله الشاب ليمضيا بعدها معا باتجاه البلدة، الشاب راكبا الجواد فيما صاحب الجواد راجلا ممسكا بلجام جواده.
 
عندها بدأ الشاب يفكر بحيلة يقنع من خلالها الرجل بان يترك لجام الجواد فيسهل حينئذا سرقته.. دار حديث سريع بينهما !
الشاب : يااخي لم لا تترك اللجام وتسير هكذا دون ان تؤلم يديك ؟..
الرجل : لا عليك.
 
 
الشاب : ولكني والله أخشى إن مر أحدهم ان يقول : خادم ويجر سيده..
الرجل وبحمية: ويحك..انا سيد ابن سيد ؛ ولتدفع به حميته تلك ترك اللجام والسير بجانب الجواد .
 
ساعتها لم يتأخر الشاب اللص كثيرا ليمضي بالجواد سريعا تاركا الرجل وراءه ..وامام عجز الرجل إدراكه لجواده المسروق حينها صرخ الى الشاب قائلا : بالله عليك ياهذا لو اردت بيع الجواد ! لا تقل متفاخرا انك سرقته بل قل انك مالكه الحقيقي وحسب حتى لا تموت المرؤة بين الناس بعد فعلتك هذه..
 
والحقيقة التاريخية هي ان مطامع حكام الجار الشمالي لم تتوقف يوما عن محاولات التغول الى الجنوب وضمه الى نفوذهم الطامح والمتكرر.
فمنذ عهد الدولة المتوكلية الهاشمية ومحاولات الامامة عبر غزوات عدة قادها صوب الجنوب الجار وحتى سقوط دولته وقيام النظام الجمهوري مطلع ستينيات القرن الماضي ورغبة حكام الشمال حقيقة لم تهد يوما في ضرورة السيطرة على تلك الجغرافيا الغنية والإستراتيجية.
 
كانت حيلة هروب الثوار الشماليين من قمع النظام واللجؤ الى الجنوب حينذاك مقبولة لدى سلطات الجنوب ..وربما لمرؤة في غير محلها سمح حينها لاولئك بممارسة النشاط السياسي بل والإنصهار في نظام الحكم ورسم خارطته السياسية بعد ان تمكنوا فعلا من تقلد مناصب حساسة فيه.
 
ساهم ذلك الاختراق المدروس كثيرا في نكبات الرفاق وصراعاتهم لاحقا ،الامر الذي دفع بعدها بمن تبقوا منهم أحياء في تبني رؤية ان الحل لكل ذلك العبث سيكون بالذهاب الى الوحدة مع الشمال وبغض النظر عن كونه كان هروبا للامام بالنسبة لنظام سياسي بات آيلا للسقوط الحتمي، الا ان البعض رأى انه كان مشروعا سياسيا واعدا آنذاك...عموما تكررت المرؤة مرة أخرى ودلف الجنوبيون الى وحدة إندماجية مع شمال (صالح) في مايو90م. 
 
أمتطئ صالح حينها جواد الوحدة الرائع سريعا وبدأ يفكر بطريقة يترك من خلالها الجنوبيون لجام سلطتهم وشراكتهم؛ فباشر يومها بنقل الالوية العسكرية هنا وهناك ،ثم أتبعها بإغتيالات سياسية طالت عددا من قيادات شريكه الجنوبي، لتاتي بعد الضربة القاضية (حرب صيف94 م) ويستفرد حكام الشمال وصالح بعدها بجواد الوحدة شمالا وجنوبا.
 
أتذكر يومها ان الرئيس الجنوبي علي سالم البيض لم يستطع قول الحقيقة وانه قد خدع بحيلة صالح ورفاقه لتضيع مرؤته الساذجة على إثر ذلك بلدا وشعبا بكامله؛ اذ أكتفى البيض آنذاك بخطاب فك الارتباط والهروب خارجا ..
 
مرت سنون الوحدة ثقيلة على الجنوبيين ولأن المكر السيئ حتما لا يحيق الا بأهله. جاءت أحداث 2011م ليذيق خلالها حلفاء صالحا صالح نفس الكاس التي أذاقها لشريكه الجنوبي شريك الوحدة المغدورة؛ إدعى الرئيس صالح حينها المرؤة وتغليب المصلحة العامة وتجنب إراقة الدماء ليسلم بعد ذلك السلطة الى نائبه هادي؛ بيد ان من تسلمها فعليا كان هم احزاب المعارضة والتي قادها الاصلاحيون بالاساس..
 
اليوم لازال الشمال الجمهوري ضحية لمرؤة كاذبة بدأها صالح وأكملها قادة الاصلاح؛ 
إذ يبدو ان مليشيا الحوثي لم تكتف  بالانقلاب على سلطة هادي وحسب بل ذهبت ابعد من ذلك في نشر ثقافتها الملوثة والمستوردة وهي تسعى حاضرا بكل جهدها بغية طمس هوية الشمال الجمهوري كما سعى قبلها شماليو الوحدة في طمس هوية الشريك الجنوبي ..
 
أما جنوبا اليوم !فترنو قيادات جنوبية الى الإستفادة من إفرازات وواقع ما بعد حرب 2015م للمضي صوب إستعادة وطنها وكيانها ما قبل عام 90 م، اي ما قبل الوحدة مع الشمال ..
 
قطعا لعبت ألتدخلات الخارجية دورا كبيرا الى جانب الهوس السياسي وشهوة السلطة التي عبرت عنها صراعات الداخل في صناعة معظم مشاهد واحداث تاريخ هذا البلد عدا ان اقل ما يمكن وصفه في تكرار تلك المشاهد والاحداث الدراماتيكية هو ان المرؤة السياسية كانت دائما السبب في ذلك او بالاصح الحجة لتبرير ذلك الإخفاق والتكرار الممل..
 
ـ ترى هل أزفت نهاية مشهد المرؤة الحاصلة اليوم وان كانت مع طرف إقليمي قوي بحجم قطبي التحالف(السعودية والإمارات)؟ ام ان قدر هذه البلاد هو ان تبقى دوما ضحية حيل حكامها ورهينة مرؤاتهم السياسية الكاذبة؟ 
 
    

مقالات الكاتب