عدن و الدولة العميقة؟!

نعجز عن فهم ما يحدث لنا في عدن , ولماذا يحدث لنا كل هذا الذي يحدث ؟ فكلما سعينا للخروج من ازمة , نجد انفسنا ندخل في أخرى , و كلما انتهينا من اطفاء حريقاً هنا , يشتعل آخر هناك , و كلما حاولنا أجبار أنفسنا على الإحساس بالأمان يزداد شعورنا بالخوف .
 
وعندما نحاول ان نبتسمُ , رغم جراحنا و نتناسى وجعنا و حزننا , والخوف الذي يحاصر حياتنا و يتهددنا و نبدأ نحلم , نجد من يستكثر علينا الحلم , فيحيل أحلامنا إلى كوابيس مزعجةً.
 
عدن هذه الفاتنة أو المدينة الكونية ( كما يحلو للأستاذ "نجيب يابلي" اطال الله في عمره و متعه بالصحة ان يسميها ) تدمر اليوم و يعبث بها امامنا , بينما نكتفي جميعاً بالمشاهدة , و كأن الامر لا يعني أحداً منا .
 
فبعد مضي أكثر من خمس سنوات على تحريرها , لم تتعاف المدينة و لم تنفض بعد عن نفسها غبار الحرب , لا شيئاً تقريباً تغير فيها سوى مزيداً من تساقط الناس أما قتلاً  أو مرضاً أو خطفاً أو في براثن الفقر و العوز و الحرمان .
 
فقد وصلت المظالم و تردي الخدمات , و غياب المرتبات و غلا الاسعار و ارتفاع تكاليف و سبل الحياه فيها مستويات قياسية , لم تصل اليها المدينة من قبل , حتى في ظل اسوأ مراحل تاريخها .
 
فما مر على عدن خلال الخمس السنوات العجاف الماضية , كان كارثياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى , اذ تجاوز في تأثيره البنية التحتية , ليصل إلى الأنسان نفسه و الاسوأ من هذا كله , أن تلك الاوضاع  لا تزال مستمرة إلى يومنا , و لا يوجد في الافق ما ينبؤ عن بوادر لمعالجات , و حلول حقيقية لمشكلات الناس و تضع حداً لمعاناتهم .
 
أننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لإعادة الق الثورة الجنوبية و لحمة عام 2015م التي امتزجت فيها دماء و قلوب الجنوبيين ببعضهم البعض , في ملحمة الدفاع عن عدن , و تطهيرها من الارهاب , حتى يتسنى لنا تجاوز هذه المرحلة الاصعب , التي نمر بها حالياً .
 
فقد غد كل شي في عدن , ينذر اليوم بما هو أسوأ على هذه المدينة , في قادم الأيام  , اذ بفعل انانية و جشع البعض , و بفعل المناكفات التي صاحبت تحريرها , و ما تفننت في خلقه مراكز قوى الفساد , في سلطة من تسمي نفسها بالشرعية , من عراقيل إلى جانب عدم حسم قوى التحرير و الاستقلال لخياراتها , و افتقارها للرؤية الواضحة و المشروع الواضح , جعلت هذه المدينة تعجز عن حسم أمرها.
 
فغدت و برغم سيطرة المجلس الانتقالي عليها , و لو ظاهرياً لا هي انتقالية خالصة , و لا هي شرعية خالصة , و لا هي جنوبية خالصة و لاهي وحدوية خالصة لتتبوأ ( المنزلة بين المنزلتين) و لتصبح اليوم و بفعل هذا كله أكثر تعقيداً و صعوبةً عن ذي قبل , أمام أي مشروع أو خيارات قادمة للجنوب .
 
فقد مثل هذا الوضع بالنسبة لقوى النفوذ السابقة , في منظومة الدولة العميقة , جواً نموذجياً و بيئة نموذجية لإعادة الحياة اليها , و لتستعيد زمام المبادرة بوضوح أكبر بعد أن كنا نعتقد أن هذه المنظومة قد لفظت انفاسها الاخيرة بتحرير عدن , وأن أي كلام من هذا القبيل عنها يعد جزءً من تاريخ الماضي , الذي لن يعود .
 
اذ تجاوزت اليوم , مراكز النفوذ السابقة مرحلة الحفاظ على وجودها , إلى فرض ارادتها وتحقيق أهدافها كما و ان شيئا لم يتغير .
 
ان المخجل في الأمر , اننا و في الوقت الذي نعجز فيه عن حماية ممتلكات البسطاء , من النهب والسلب , ظلت ممتلكات الناهبين و المتنفذين , التي اغتصبوها مصانة و بعد ان كان هؤلاء يسيطرون على اجزاء بسيطة من عدن , في الماضي , واصبحوا اليوم يسيطرون على اجزاء واسعة فيها , و الغريب في الامر , ان نجد اجهزة الدولة , التي شرعنة لهم النهب في السابق , هي نفسها من تدافع عنهم اليوم , و تعطيهم صكوك الخلاص .
 
و ختاماً و بالرغم من تلك النظرة المرعبة , للوضع القائم في عدن , فان ثقتنا في قيادتنا السياسية و التنفيذية  لا حدود لها , ممثلة في الاخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي , رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي , و نائبه الشيخ هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي , و محافظ عدن , الاستاذ احمد حامد لملس , بان ينتصروا لعدن ولهذا الشعب الصابر , ويضعوا حداً لهذه الفوضى و المظالم , و يعملوا على توفير الخدمات واولها المياه والكهرباء , و عدم الانتظار لما ستقدمه الحكومة من فتات .
 
 فعدن لا تستحق ما يجرى لها و ما كوفئت به حتى اليوم , لا يتناسب و حجم التضحيات التي قدمتها . و لا الدماء التي ذرفتها .

مقالات الكاتب