من لا يعرف عبد الرحمن الشعملي

عندما دلفت إلى المرحلة الثانوية في العام 1974م (دار المعلمين زنجبار) الذي كان جزء من ثانوية زنجبار، كان عبد الرحمن الشعملي قائدا طلابيا متفردا، كنا نستمع إليه وكأننا نستمع إلى أحد الفلاسفة الكبار وهو يحدثنا عن الهموم الوطنية وعن التحديات المستقبلية ودور جيلنا في المساهمة في التحولات الاجتماعية والسياسية الوطنية، وينظَّر للك هذا بمفردات رصينة علمية واثقة من دقة المعاني وحصافة المضمون والمقاصد.

 

كان رئيسا لفرع الاتحاد الوطني لطلبة اليمن محافظة أبين، لكنه في السنة التالية وبعد إكماله المرحلة الثانوية صار رئيسا لكل الاتحاد الوطني لطلبة اليمن، وانتقل إلى جامعة عدن لدراسة القانون وبعد التخرج تنقل للعمل في عدد من المرافق الهامة، كان آخرها عندما عمل مستشارا قانونيا في ديوان محافظة أبين.

 

عبد الرحمن الشعملي من جيل الرواد في العمل الشبابي والطلابي من أولائك المناضلين الذين كانوا يتسابقون على النضال دونما الطمع في مقابل أو جني محصول مادي، بل وربما قضى مثل الكثير من القادة من جيله أياماً طويلة عائشا على الكفاف دون أن تكل له إرادة أو ييلين له عزم، ككل المناضلين من ذلك الزمن الاستثنائي.

 

المستشار عبد الرحمن الشعملي استهلكه القائمون على شؤون البلد بسرعة فائقة، فقد تعرض لارتفاع السكر اضطر معه إلى الانتقال إلى استخدام حقنة الإنسيلوين، لكنه تعرض منذ فترة لجلطة دماغية تركت أثرا على حركته وتلاها تدهور في وظائف الكلى، اضطره إلى إجراء الغسيل الكلوي مرتين في الإسبوع في ظروف عدن التي قد يتصادف انقطاع الكهرباء إثناء الغسيل وما يحمله هذا من مخاطر على حياته، وهذه الأيام نال نصيبه من النزلات المعوية المصحوبة بغثيان وتقيؤ، كما حدثتني زوجته الناشطة السياسية الأستاذة هنا  أحمد ورسما، مثله مثل الآلاف من ضحايا الأمراض المزمنة، ممن استهلكتهم الأنظمة المتتالية ثم قذفت بهم إلى الخواء الأجوف.

 

عبد الرحمن الشعملي رجل عفيف ومعتز بذاته، وهو مثل الآلاف من أبناء جيله ممن تربوا على عزة النفس والعفة ونكران الذات يعف حتى عن الشكوى من مرارة الآلام التي يعانيها، بل يتحمل مضاعفاتها بصبر وعزيمة المجاهدين.

 

وهذه الأيام التي يعيش فيها موظفو الدولة بلا رواتب منذ ستة أشهر، لنا أن نتخيل كيف يواجه مريض طريح الفراش أعباء الصرف على أسرة مكونة من خمسة أو ستة أفراد بجانب متطلبات العلاج من أدوية ولوازم الفحص والتشخيص وأجرة التنقل وفاتورة الماء والكهرباء الذين لا يأتيان لكن فواتيرهما تتواصل.

 

لو أن عبد الرحمن تقرب قليلا من صناع القرار فإن مؤهلاته يمكن أن تجعله مساهما بكفاءة واقتدار في صناعة القرار وتقديم المشورة العلمية والقانونية الحقيقية لصانع القرار السياسي وليس كما يفعل مستشارو هذه الأيام الذي لا يستطيع أن يفتي في أي قضية مقابل حصول البعض منهم على راتبين وثلاثة وأربعة وربما أكثر من ذلك لا لشيء إلا لأنهم تقربوا من صناع القرار.

 

أما عبد الرحمن الشعملي فقد اقتفى أثر الإمام الشافعي القائل:

كن ساكناً في ذا الزمان بيسرهِ         وعن الورى كن راهباً في ديرهِ

واغسل يديك من الزمان وأهلهِ        واحذر مودتهم تنل من خــــيرهِ

إني اطَّلعتُ فلم أجد لي صاحباً        أصحبه في دهري ولا في غيرهِ

فتركت أسفلـــــَهم لكثيرة شرِّهِ         وتركت أعلاهم لقــــــــلَّةِ خيرهِ

 

قضية عبد الرحمن الشعملي بيد الحكومة الشرعية فهي المسؤولة عن ضمان حقوق الناس التي يلزمها بها الدستور والقانون، ولذلك نقول لهم: افرجوا عن راتب المستشار القانوني عبد الرحمن الشعملي ومعه آلاف الموظفين الذين وعدتموهم بصرف مستحقاتهم المتوقفة منذ ستة أشهر، واعطوه منحة علاجية ليتغلب على معاناته وهو حق له لا ينازعه فيه منازع.

لك الشفاء والصحة والسعادة أيها المستشار وترقب الفرج من مفرج الكربات.

مقالات الكاتب