السقوط إلى السماء

بينما أنا أطالع آخر ما كتبته بعض المواقع الثقافية في المساء، ظهر لي بين المواضيع "توقعات الأبراج لعام 2017 مع ماغي فرح". فتذكرت أننا في شهر ديسمبر، الموسم الرسمي لمثل هذه المواضيع، كنوع من الفأل الحسن و إستقبال العام الجديد بجرعة من التفاؤل. إذن لا بأس إن تفاءلنا مع ماغي قليلا.

 

ذهبت إلى برجي، ليس لأني أنتظر معرفة الجديد، لكن لأقرأ ما قرأته العام الماضي فحسب، كنوع من السخرية المضادة بمثل هذه المواضيع، و لا أظن أن ماغي سوف تغضب مني. كثيرون لديهم نفس الرأي و يتصرفون بنفس الطريقة. و على كل حال أنا أشكرها لمجهودها في نشر طاقة التفاؤل في هذا الزمن المنحدر إلى الهاوية يوما بعد يوم.


عندما دعتني زوجتي أخي أخر مره إلى السهر معها و متابعة أحد البرامج العالمية في نسختها العربية. لبيت الدعوة و بدأت مشاهدة البرنامج الذي لم أعرف به من قبل إلا من خلال هذه السهرة. فوجدت أناسا بلا أي هوية أو انتماء يوجهون عقول شباب العرب، بالإضافة إلى شخصيات لا تنتمي إلى مشاكل العالم في شيء.

 

لوهلة شعرت بالضيق من تلك الوجوه المصطنعة و البلاستكية. قلت لزوجة أخي بعد زفير تلا إنحباس أنفاسي المفاجئ أمام ما أرى : يا إما هم يا إما نحن، من هم في الماريخ. فقالت بتلقائيتها المعهودة و هي تضحك : إطمئني، أمثالنا من هم في الأرض دائما.


تذكرت صور اشلاء شهداء قصف حلب، ملقاة على الأرض و الأرصفة، و أنا أرى التفاهة تلوى الأخرى أمامي، و في نفس الوقت، قلت في ذهني ما عسى الناس المضغوطة بأعباء الحياة اليومية أن تفعل حيال هذا.

 

فلندع كل شيء للقدر و لتتزايد القنوات التافهة و الهابطة و البرامج التي أبعد ما تكون عن مبادئنا الإسلامية و العربية (التي لم تعد موجودة عموما، إلا من رحم ربي)، فالناس عموما أصبحت تبحث عن أي وسيلة تهرب بها من الواقع المرير. فعندما يخبرك التاريخ أنه بعد أربعين عاما من إسترداد القدس، تنازل عنها السلطان التي تولى الحكم بعد صلاح الدين الأيوبي بدم بارد للصليبين و دون أي قطرة دماء، مقابل الصلح و عدم شنّ المزيد من الحملات.

 

يكون الهروب أفضل. فلا نحزن على ماهو فات و لا نفرح بما هو آت، و لا ضرر من أن يكون معظم من يسعى للحكم في العالم هم من المعتهوين ذوي التكوين النفسي الملئ بعقد البحث عن السيطرة المطلقة، فالتاريخ لم يعلم غير هؤلاء على كل حال، إلا في أوقات تعد على الاصابع. 


بعد سهرة نقدية للمحطات و مواضيعها و صور شهداء حلب التي لا تفارق ذهني. تذكرت الخيميائيين المصريين و خلطة مشروب الإكسير. فقديما أمضى الخميائيون المصريين بعد وصول أخر النظريات و التجارب الإغريقية إلى أيدهم و التي بنيت على تجارب فرعونية مسبقا، سنين طوال و هم يبحثون عن خلطة "حياة الخلود" عبر فكرة مشروب "الإكسير" أو "حجر الحكمة".

 

كان يراد لهذا المشروب أن يشفي الناس من سائر الأمراض المستعصية و أن يهب الجميع الشباب الدائم، و أن يتحول أي معدن سكب عليه المشروب إلى الذهب، و الأهم من هذا كله هو تحقيق الحياة الأبدية. لكن كل ما هو غير ممكن يثبت ذلك في النهاية.

 

لا أدري إن كانوا سوف يفكرون في ذلك بنفس الهمة في هذا العصر أم لا، فالحياة في أيامنا لم تعد مغرية للكثيرين، لكن الطموح يبقى دائما محركا جيدا للعقل البشري، فهم من خلال المستحيل عرفوا الممكن و هذا جيد، فالكون و الحياة و الإنسان كله عبارة عن تركيبة كيميائية / فزيائية عموما.


كنت أود أن ألتقي أحد أولئك الخيميائيين اليوم لأخبره بأن "إكسير الحياة" نجح بالفعل إلى حد ما، عليكم فقط أن تنظرو إلى صور جثث المسلمين الملقاة في الأرض في كل مكان في العالم إبتداءا من سورية و صولا إلى بورما عبورا بالمسلمين في الصين الذين منعوا من الصوم. فعندما نواجه الموت إما يسقط الخوف أو نسقط في السماء، و في كلا السقوطين تكون النتيجة "حياة الخلود"، فلا يعود للهروب أي أهمية بعدها و الحمد لله على كل حال. 


لكن، ليس ماغي فرح هي فقط من تحمل الأخبار السارة و الجديدة للعالم، أنا أيضا أخباري مميزة، لذلك أبشركم أنه لا داعي للقلق من كل ما يحدث فوق الكرة الأرضية، و أن لا تفكرو في الهروب إلى المريخ، و أن لا تضغطوا على أنفسكم بالهروب من الواقع، فعما قريب لن يكون هناك وجود للقهوة.

 

الباحثون أكدو أن القهوة سوف تنقرض بحلول عام 2080. حيث يتوقع معهد المناخ أن الأراضي المستخدمة لزراعة البن سوف تدمر بفعل ارتفاع درجات الحرارة في العالم، مما يجعلها غير صالحة تماما للزراعة، وتتحول إلى مستنقع للآفات والفطريات. و إنطلاقا من هذا فعما قريب لن يكون هناك الكافين الذي نحتسيه أمام شاشات الأخبار مساءا و أثناء قراءة جريدة صباحا، و أننا سوف نكون منشغلين بما هو أهم عموما، فليست الأرض وحدها التي سوف تدمر.

مقالات الكاتب