إسألوا المغربية عن رجولته

قال الكاتب الأمريكي ومدير معهد كارنيجي للعلاقات الإنسانية ديل كارنيجي: كثير من الناس يجدون متعة في اتهام شخص يفوقهم ثقافة أو مكانة أو نجاحا، مثال ذلك أنني تسلمت رسالة من سيدة تصبُ فيها جام نقمتها على الجنرال "وليم بوث" مؤسس جيش الخلاص. و كنت قبل ذلك قد أذعت حديثا في الراديو أمتدح فيه الرجل و أثني على جهوده.

 

و قد كتبت إليَّ هذه السيدة تقول: إنَّ الجنرال بوث اختلس ثمانية ملايين دولار من المساعدات التي جمعها للفقراء و المساكين. و الحق أن التهمة سخيفة، و هذه المرأة ما كانت تستهدف الوقائع، و إنما كانت تبغي النيل من رجل عظيم، رجل أرفع منها بمراحل. و قد ألقيت برسالتها في سلة المهملات، و حمدت الله على أني لست زوجا لهذه المرأة.

 

فإن الرسالة لم تزدني علما بالجنرال "بوث" كما تبغي كاتبتها، و إنما زادتني علما بالكاتبة نفسها، فكما قال شوبنهاور: ذوو النفوس الدنيئة يجدون المتعة في البحث عن أخطاء رجل عظيم.

 

الحمد لله المغرب و المغاربة من الشعوب المحبوبة عالميا، بنسائها و رجالها و أبنائها كافة، و الحمد لله يشهد لهذا الشعب من أهل الشرق و الغرب الأفاضل بما يتمتع به من جمال الأخلاق و المعاملة سواء كفرد أو كشعب.

 

لكن هناك من أختار أن يكون في وضع السيدة الثرثارة التي تحدث عنها كارنيجي. فهناك مشرقيين من يبدأ في استعراض مواهب رجولتهم المشرقية أمام بنات المغرب عبر الانتقاص من قدر و هيبة الرجل المغربي و التطاول على سمعته واصفين إياه بكل الصفات السلبية، ليقع بذلك في فخ "الإساءة هنا لم تعلمني إلا عن الشخص نفسه".

 

لمن لا يعلم، أولا: المغاربة نساء و رجال كفاءات عالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى و في جميع الميادين و هذه شهادات كل أهل المجلات، و لأن الطبع العام عند أهل المغرب هو نكران الذات و تصدر الكواليس، تجد عمله في الغالب صامتا و هي في النهاية سمة من يعمل، فأنا لم أرى الألمان يغنون ليل نهار لألمانيا و يتحدثون في مليون قناة عن حب الوطن و أرض الواقع تقول العكس. ذهب مهندس إلى إحدى دول الخليج فاستغرب أن أكبر عدد من المهندسين و التقنين و الأساتذة هناك ومن شيد أكبر المشاريع مغاربة لكن لا أحد يعلم ذلك أو يتكلم عنهم. في السعودية و بعد عناء طويل مع هندسة الحرم و مقام رمي الجمرات كان المهندس الذي وجد الحل مغربيا. تتجه إلى العلوم السياسية، الفقه، الإعلام، الأزياء، الرياضة، التعليم، العمران، علم الإجتماع أل أل أل تجد كنوزا بشرية منتشرة ما بين الشرق و الغرب ، و هذا فيض من غيض.

 

ثانيا: كما يقال المرء ابن بيئته.. و أنا أرى دائما أن ابن بلدي يشبه جبال و صحاري بلدي. قد يكون جديا و صلبا، و يبدو قاسيا أحيانا، لكنه وتد وخضرا و أرض تحت الأقدام. قد يكون جافا كصحرائها و لا يظهر شيئا من مشاعره، لكن الصحراء هذه كلها كنوز و خيرات و العالم يعرف.

 

من المعروف أيضا أن رجال المغرب ليسوا من أهل كثرة الغزل و بالذات في العلن و هذا هو الصواب، فالكلام المعسول و الغزل المسموم الذي ذهب ضحيته كثير من بنات المغرب، أشبهه دائما بقارورة العطر الباهظة والثمينة لكن للأسف بدون غطاء، ليصبح العطر بذلك مجرد ذكرى عطر في ماء عكر. كلام الغزل شيء خاص و ليس للقاصي و الداني. نعم نحن لا نوافق أسلوب المشرق في إباحية الكلمات فتجد كل من أراد ينادي ب يا حبيبي و عيوني و قلبي و فؤادي إلى أخره، فماذا بقي إذن للزوج و للحياة الخاصة. قال لي أحدهم مره "أنا لا أعتبر الرجل المغربي رجلا فهو لا يعرف كيف يغازل النساء، طبعا أنا هنا على مبدأ " البادي أظلم" فقلت له: نعم لأنه رجل و الرجولة فعل و خشونة و ليس كلمات عارية. حب الرجل المغربي لنسائه فعل يتجسد و ليس كلمات تتبدد.

 

لازلت أذكر عندما أخبرني ذات مرة طالب فلسطيني و في مقام أخر أردني وقال: والله عندما جئت لألمانيا و تعرفت على أولاد و بنات المغرب حسيت إننا لازم نتعلم المرجلة منهم، فنحن مصيبتنا كثرة الدلال التي نتربى عليه منذ البداية و هذا غلط.

 

الرجل المغربي لمن لا يعلم هو رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، شهد له كل أهل الذمم و العظماء في العصر الحديث و القديم بالنخوة و الرجولة و الكرم و الفعل الذي يوافق القول و هي شخصية المواقف الصعبة و بدون منازع في التاريخ القديم و التاريخ الحديث و صحائف المؤرخين و الأدباء تشهد، و هناك أحد المستشرقين قال: الشخصية الوحيدة التي لديها القدرة على الاندماج و التأقلم مع جميع بلدان العالم و بسرعة عالية جدا هي الشخصية المغاربية عامة و المغربية خاصة نظرا لموقعهم الجغرافي. فتواجدهم في المنتصف بين الحضارات المشرقية و الحضارات الغربية و تنوعهم العرقي جعل منهم نموذجا غنيا و متنوعا، و لولاهم لما خرج العلم إلى الأندلس و وصل إلينا في أوروبا.

 

أما الذي يتحدث عن المشاكل الإجتماعية و يعممها على المجتمع فهذا شخص محدود، لأن تعميم مشاكل هي بطبيعتها إنسانية و التي تشترك فيها جميع المجتمعات يدل على قصور في المنظور.

 

و كما سمعت من أحد العلماء في مكة " و الله إن لأهل المغرب أفضال كثيرة على الناس و لكن أكثر الناس لا يعلمون".

 

دام المغرب و أهله و شرفاء العالم أعزاء ينعمون في رحاب الكرامة و رعاية الإله العزيز المعز، فإن العزة لله و بالله.

 

مقالات الكاتب