قضية الدولة الجنوبية في القانون الدولي

شهدت الجنوب منذ العام 1994م تجربتين قانونيتين(1994, 2015م) ، وأربع محطات على الأقل، لاستعادة دولته المحتلة ، إلا أن التطورات السياسية الدولية حالت دون إنجاز أي من ذنك التجربتين رغم وقوف الاقليم العربي الى جانبنا . والموضوع، بإطاره القانوني ، يشكّل تحقيقًا لمبدأ تقرير المصير الذي أصبح اليوم من القواعد الملزمة في القانون الدولي.

 

ولكن يتضح أن بعض "بلدان الفيتو" في مجلس الأمن تسخر القوانين الدولية لمصالحها، وإذا عجزت عن ذلك بحكم تقاطع المصالح فيما بينها ، تسعى إلى تغييب هذه القوانين المستندة أصلاًَ إلى أحكام الشرعية الدولية ، وتستبدلها بقرارات خاصة يصدرها مجلس الأمن يمكنها من خلالها التحايل على الشعوب المقهورة.

 

وهنا، يتضح القصد من مذكرتي القانونية هذه ، وهو التركيز على معظم الأسس القانونية الدولية التي سبق أن ساهمت في منح الجنوب العربي استقلاله عن بريطانيا (1963-1967) ، وكذلك اتفاقية اعلان الوحدة الاندماجية غير الشرعية ، بين الدولتين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية) ، ثم الوصول إلى الوضع القانوني الراهن الذي يتجسد من خلال مراسلات الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بأسم الحراك الجنوبي السلمي(دعوة بان كي مون لممثلي الحراك الجنوبي السلمي للمشاركة في جنيف 1) وجهود الدول ال 10 الراعية للمبادرة الخليجية وللحوار الوطني اليمني ، ووصول ممثلي تلك البلدان الى عاصمة الجنوب العربي عدن( فبراير 2014م) بشأن اقناع قيادات الحراك الجنوبي السلمي بضرورة المشاركة في الحوار الوطني اليمني(18 مارس 2013) ، وكذلك تقسيم المشاركين في الحوار الوطني بالمناصفة بين الجنوب والشمال حتى وصلت المناصفة الى 8 شماليين في 8 جنوبيين ، وهذه الخطوة بالذات وصلت قضيتنا الجنوبية إلى أبواب الأمم المتحدة.

ويمكن إستنادًا لذلك، أن نوزّع مذكرتنا القانونية هذه على أربعة محطات قانونية تمثل المراحل التي شهدت، (لغاية الساعة)، محاولات استعادة الدولة الجنوبية وهي:

 

المحطة الأول: ويغلب عليها الطابع التاريخي - القانوني، وهو الذي يتعلّق ببداية منح الاستقلال لدولة الجنوب العربي . حيث كانت الهيئة العامة للامم المتحدة ( حينها 104 دول) قد أصدرت سبعة قرارات دولية لمنح الاستقلال لدولة الجنوب العربي(1963-1967) ، بل وكلفت تلك القرارات المملكة المتحدة بتعويض الدولة الوليدة ومساعدتها من أجل تحقيق إستقلالها عملاً بأحكام الاعلان العالمي لحقوق الانسان(1948) والمواثيق الدولية الأخرى(1966) ، واستنادًا إلى كون الجنوب العربي حينها مصنّف ضمن الدول المحتلة من قبل بريطانيا. وبذلك كان الهدف الأساسي من القرارات الدولية تمكين الجنوب العربي المحتل والبلدان العربية والأجنبية الأخرى من تحقيق إستقلالها.

وكانت المملكة المتحدة تقوم بوظيفة الدولة المستعمرة للجنوب العربي الذي كان يتكون من عدة سلطنات ومشيخات وإمارات شأنه شأن دولة الامارات العربية المتحدة وعمان والهند وبلدان الشام وغيرها من البلدان المحتلة ، وبحيث تُضمنُ الاستقرار للدولة الوليدة ويُعجّل في استقلالها.

وكانت هذه المهمة الهادفة تنفّذ، أو يجب أن تنفّذ، وفق متطلبات القوانين الدولية ذاتها، ومنها العمل على تموين الدولة والحفاظ على مؤسساتها وعملتها الوطنية ، وإعتماد علمها الجديد، وإصدار هوية جديدة، وإصدار دستور أيضًا. وهذه كلها، من عناصر تكوين الدولة وإن كانت واقعة تحت الاحتلال أسوة في ذلك بأوضاع الدول العربية الأخرى.

أما القول بإن "اليمننة" التي دخلت كهوية جديدة على الهوية التاريخية الجنوب العربي بعد عام 1967م كان العنصر الجديد الذي دخل على صك الاتفاق بين بريطانيا والجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل ، (وهذا ما جعل الجنوب العربي مختلفًا عن البلدان العربية الأخرى التي شهدت استقراراً كبيراً كالإمارات والكويت وعمان وغيرها) ، فهو نسبيًا صحيح ولكنه لم يمنع قيام دولة جنوبية مستقلة ومعترف بها دولياً للأسباب الآتية:

إن رئيس الجمهورية العربية اليمنية الفقيد عبدالله السلال ووزارة الخارجية اليمنية نفسها أعلنت الاعتراف بالدولة الجنوبية الوليدة(جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية)  ، ولم توجد اي مساعي في ضم الجنوب لليمن بالقوة أو بالسلم أبداً  ، وهذا يعني أن الجنوب العربي لم يكن يوماً ما ضمن المملكة المتوكلية الهاشمية(1918-1922) ، ولا ضمن المملكة المتوكلية اليمنية (1922-1962م) ، ولا ضمن الجمهورية العربية اليمنية(1962-1990م) ، وكل هذه المسميات هي مسميات الدولة اليمنية التي أقيمت على جغرافيا واحدة هي اليمن . إلاّ أن التطورات الثورية "الإضافية والمفتعلة" من قبل القوميين العرب والامميين اليمنيين في الجنوب أدّت إلى تزوير هوية الجنوب العربي بالتواطؤ، طبعًا، مع ايران والعراق وروسيا ، وتحول الجنوب العربي الى: اليمن الجنوبي (1967-1972) والى اليمن الديمقراطي(1972-1990) .

 

وتنفيذًا لتوجهات الحزب الاشتراكي اليمني وكافة الاحزاب اليمنية التي كانت تمارس نشاطها من فوق الاراضي الجنوبية بعد أن "يمننتها".

هذا التزوير لهوية الجنوب العربي سهل على الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح ، أن يستحوذ على القرار السياسي بعد اعلان اتفاقية الوحدة 1990م.

تلك الاتفاقية التي حددت بقاء  تشريعات وقوانين وعملة وجيشي الدولتين (الجنوبية واليمنية) حتى يتم الدمج خلال سنتين ونصف(بعد هذه المدة المقررة في اتفاقية الوحدة اعلن الحرب على الجنوب واحتلاله) ، حيث بقية العملة الجنوبية والجيش الجنوبي وكل شيء استمر بالمناصفة في كل هيئات الدولة( التشريعية والتنفيذية والقضائية). والواقع، أن هذه الاتفاقية - مهما قيل عنها- كانت تعبّر عن إستقلالية الدولتين وفق اتفاقية اعلان الوحدة. وأرى أن المرحلة الإنتقالية وحدها التي أكدتها ونصت عليها اتفاقية الوحدة (22 ابريل 1990م) تؤكد إستقلال الدولة الجنوبية خلال الأعوام (1990-1994م) لان الدمج بين الدولتين لم يتم ، ومنها يمكن تصنيف الصراعات التي تلت اعلان الوحدة وإعلان فك الارتباط عام 1994م.

حيث صدرت اتفاقية ثانية العام 1992 في الحديدة بين ممثل ج ع ي علي عبدالله صالح وممثل ج ي د ش علي سالم البيض ، ولم يكن هناك طرفاً ثالثاً وفيها تم:

إعلان تاريخ الانتخابات البرلمانية بشكل رسمي (27 ابريل 1993م). وكانت نتائج الانتخابات هي الاستفتاء الحقيقي حيث قرر من خلالها الشعب الجنوبي فك الارتباط ، وذلك عندما انتخب الجنوبيون ممثليهم من الجنوبيين (54) دائرة من اصل(56) دائرة ، وانتخب الشماليون ممثليهم (245) دائرة (حسب التقسيم الاداري) حيث سقط المرشحون الشماليون في الجنوب وسقط المرشحون الجنوبيون في الشمال.

تعهّد علي عبدالله صالح بتقديم المتهمين بقتل المسئولين الجنوبيين في صنعاء وغيرها الى العدالة ، وإسقاط كل حقوق تلك الاحزاب التي تنتمي اليها تلك الجماعات الارهابية ( يقصد التجمع اليمني للاصلاح).

بقا قوانين الدولتين السابقتين كما هي ، وإعلان حق المواطنين في الجنوب والشمال التقيد بتلك القوانين والتشريعات حتى يتم استبدالها من قبل البرلمان بقوانين وتشريعات جديدة.

وبموجب هذه الاتفاقية ، صدر بالفعل قانون الانتخابات العامة الذي ينظم الانتخابات وفق التقسيم الاداري (56 دائرة  للجنوب و245 دائرة للشمال).

والواقع أن "إتفاقية الحديدة" حظيت بإعتراف جميع الاحزاب اليمنية التي تأسست بعد إعلان مشروع الوحدة الاندماجية. وبالتالي فإن هذه الاحزاب إعترفت بممثلي الجنوب وممثلي الشمال(اليمن) اللذين يتبعون الدولتين السابقتين ، وذلك عطفًا على اتفاقية 22 ابريل 1990م كما تقدم.

ويلاحظ بالنسبة لاتفاقية اعلان مشروع الوحدة(22 ابريل 1990م) أن جميع الاحزاب اليمنية كانت تمارس نشاطاتها الحزبية في الشمال فقط ، ولم يكن لها في الجنوب موطىء قدم إطلاقاً ، والسبب أن اغلب مؤسسي تلك الاحزاب كانوا شماليين ومتهمين بالمشاركة بالارهاب ، ما عدا الاحزاب القديمة التي كانت ملاحقة من قبل النظامين في صنعاء وعدن ، حيث أصدرت لوائحها الداخلية لتنظيم نشاطها العائد لها وليس لبناء دولة للوحدة الاندماجية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوضع للسلطات القضائية والتنفيذية في الجنوب التي كانت تحتكم لقوانينها السابقة بتنظيم شئونها الحياتية وأمورها الأخرى الملازمة للسيادة الوطنية الجنوبية وللإستقلال. وبالتالي فإن الجنوب والشمال كانا يمارسان سلطاتهما السابقة كما كان حالهما قبل اعلان الوحدة ، وقبل اعلان الحرب على الجنوب في 27 ابريل 1994م واحتلاله في 7/7/1994م.

هذا مع العلم أن اعلان الوحدة الاندماجية (22 مايو 1990) لم ينظر إلى دولة الوحدة الجديدة كحالة خاصة بسبب النقص الواضح والجلي الذي احتوته الاتفاقية في كافة المجالات والتشريعات (لا توجد اي قوانين تشريعية وحدوية تم الاتفاق حولها بين الحزبين ((الاشتراكي والشعبي) حتى الدستور ، (مثلاً) هو الآخر لم يستفتى عليه قبل اعلان اتفاقية الوحدة ، بل استفتي عليه بعد اعلان الوحدة( سبتمبر 1990م). ولا توجد قوانين ولا تشريعات موحدة تشير إلى صلاحيات الدولة الجديدة ، وذلك بإعتبارها دولة مؤقتة مدتها سنتان ونصف ، إن نجحت سيتم الدمج النهائي ، وان لم تنجح فما زال الشعبان يعيشان تحت ظل الدولتان ، وبالتالي فأن الاستفتاء على الدستور لا يعني الإعتراف بالوحدة الاندماجية ، بل ان الصراعات التي ظهرت بعد اعلان الوحدة ، وقبل اعلان الحرب على الجنوب ، كانت تؤكد أن اتفاقية الوحدة انتهت ، بل وانه يحق لكل طرف العودة الى استقلاليته السابقة كما أوردت الاتفاقيات اللاحقة ذاتها بين الرئيس الجنوبي والرئيس الشمالي.

 

ومع العلم أيضًا أن صك الاستقلال الذي منح للجنوب عام 1967م يُظهر انه لا يحق لأي فرد او حزب او سلطة التنازل عن سيادة الدولة واستقلالها ، ولا للنظام السياسي او الاحزاب الدعوة(حتى) للأستفتاء العام للتنازل عن الهوية أو للتنازل عن السيادة الوطنية أو لللأندماج مع نظام سياسي في دولة أخرى ، فالأمم المتحدة تعترف بالدول وليس بأنظمتها السياسية. في عام 1967م اعترفت الامم المتحدة بالدولة الجنوبية كدولة مستقلة ذات سيادة بغض النظر عن نظامها السياسي.

 

والواقع أن "الجنسية اليمنية" لم تمنح قبل عام 1978م لليمنيين ، وكذلك صنعاء لم تمنح الجنسية لاي مواطن جنوبي ، بل انها وللتأكد من هويته كان يمر عبر الأمن الوطني ويمنح تأكيد" جنوبي مقيم" ، ومنحت بعد هذا التاريخ للليمنيين المقيمين في الجنوب فقط ، كما أيضًا لكل العرب والأجانب المقيمين بشكل دائم فيها. لأنها لم ُتلغَ مع الإلغاء العملي للاستعمار عام 1967. لكن اليمن(الشمال) استمر حتى عام 1990م يمنح الجنوبي تأكيد انه "مقيم" ولا يمتلك الا جنسيته جنوبية.

 

رغم أن الحركات القومية والاممية اليمنية إستدرجت الدولة الجنوبية الوليدة إلى مخالفة وثيقة الاستقلال ذاتها وإلى مخالفة اتفاقيات عديدة جرت بين فصائل العمل الوطني الجنوبي حيث كانت تقوم بسياسات قامعة وإقصائية وجهود مكثفة من أجل يمننة الجنوب العربي ، قال السيد محمد سالم باسندوه :" .......... ، نعم استطاعت تلك القوى والايديولوجيات يمننة الدولة الجنوبية بالوثائق والخطابات والشعارات ،  ولكنها لم تستطع يمننة الجنوب العربي  ديموغرافيًا وفعليًا ، ولا سيما في عهد قحطان الذي اصدر (قانون الجنسية الجنوبية) وسالمين الذي رفض ربط الجنوب (بالاشتراكية العلمية)  وعلي ناصر محمد الذي أصر على(اغلاق ملف الجبهة الوطنية وحوشي )  وعلي سالم البيض( أعلن تشكيل حكومة جنوبية خالصة عام 1994م).

 

والواقع أن الاحزاب اليمنية أرادوا، من خلال إعتماد اليمننة في تسمية الدولة بدلاً من الجنوب العربي ، تعزيز تواجدهم في القرار السياسي الجنوبي وتوفير الغطاء الرسمي المحلي والدولي لهم ، وقد نجحوا في توفير المظلة اليمنية لتحركهم حتى على الصعيد الدولي ، ومد نظام صنعاء بالمعلومات وباسرار الدولة الجنوبية. وهذا ما إعترف به اغلب اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني بعد احتلال الجنوب عام 1994م.

 

وبذلك كانت السياسة الحزبية اليمنية في الجنوب قد ارتكبت جرائم عديدة وفاضحة وخالفة اتفاقية الوحدة من جهة وتعدت على السيادة الجنوبية وحتى على اتفاقية مشروع اعلان الوحدة بين الدولتين من جهة ثانية. وهم، بسبب ذلك، مسؤولون أمام القوانين المحلية وأمام القانون الدولي.

 

المحطة الثانية: أنتكاسة مشروع الوحدة والتجربة الثانية لأستعادة الدولة الجنوبية

 

الواقع أن هذه المرحلة تتمحور حول الاحتلال اليمني للجنوب(7/7/1994) ، القرار الذي اتخذه الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزب التجمع اليمني للاصلاح (بعد فشل اتفاقية الوحدة) ، باحتلال الجنوب واجتثاثه من الخارطة الدولية والعربية والانسانية ووضعه تحت إدارة اليمن.

تجدر بالإشارة هنا إلى خطورة قرار احتلال الجنوب بعد ان حاول نظام صنعاء احتلال هويته (عام 1967م) وبعد ان حاول الاستفادة من اتفاقية الوحدة في أذابت شخصيته الاعتبارية(عام 1990م)  ، وهو الاحتلال الذي لم توافق الدول الاقليمية والعربية عليه ، وكانت تأمل وقوف مجلس الامن مع الجنوب ومطالبه العادلة بالعودة الى ما قبل عام 1990م ، وكذلك محاولة المملكة العربية السعودية الاستفادة من علاقاتها بالكثير من مشائخ وحكام الشماليين لكن دون فائدة ، إلاّ أن خطورة اعلان الحرب كانت تتمثَّل بأن اتفاقية اعلان الوحدة عام 1990م ، كانت المستند الدولي الأساسي الذي اعتمدته صنعاء كمرجع لا يجوز التراجع عنه ولا تبديله. وكانت الاحزاب اليمنية وخاصة المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني (الفصيل الشمالي) وحزب الاصلاح قد حسموا المعركة بعد ان اتفقوا على تقاسم الكعكة الجنوبية الثمينة ، بل وسهّلوا السيطرة اليمنية على مقدَّرات الجنوب ، من خلال التصدي للجيش والشعب الجنوبي. والمعروف هنا أن الاحتلال اليمني للجنوب الذي تحقق بالقوة العسكرية ، فرض وجود دولة واحدة بدلاً من الدولتين اللتان دخلتا باتفياقيات الوحدة وبموجب بنود تفصيلية أرفقت بتلك الاتفاقيات.

 

وبذلك تكون الجمهورية العربية اليمنية الدولة الأولى في العالم التي إعترفت بالدولة الجنوبية (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وبإعلان مشروع الوحدة معها ، ثم احتلتها بالقوة العسكرية.

 

والمعروف أيضًا أن اتفاقية اعلان الوحدة تضمَّن وجود دولة جنوبية ج ي د ش ذات حدود معترف بها دوليًا ، وبذلك تكون الحدود الدولية الفاصلة بين الدولتين ج ي د ش ، ج ع ي ، التي أقرّت بشكل واضح منذ عام 1918م ( المملكة المتوكلية الهاشمية) ، وعام 1967م ( الجنوب العربي أو جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) هي التي إعتمدتها اتفاقية اعلان مشروع الوحدة مرجعًا دوليًا للإعتراف بشرعية الطرفين الدوليين الموقعان عليها عام 1990م .

وبذلك يسقط الإدعاء اليمني الذي يقول إن حرب 1994 جب ما قبله ، وأنه غير ملزم باتفاقيات إعلان مشروع الوحدة لأنه صدر عن دولتين ذابتا شخصيتهما الاعتبارية في شخصية اعتبارية واحدة هي الجمهورية اليمنية وذلك بعد أن اعتمدت اتفاقية الوحدة  أساسًا مرجعيًا لشن حرب 1994م على الجنوب وإعلان الوحدة بالقوة ، وحيث اعتمد نظام صنعاء وجوده في الجنوب منذ العام 1994م.

 

ومن هنا فإن احتلال الجنوب يشير إلى:

أ- أن الجنوب اصبحت ارض مفتوحة لقدوم اليمنيين من الشمال ومن الخارج وذلك تحت شعار "الوحدة أو الموت".

 

ب- أن احتلال الجنوب بالقوة العسكرية ليس كافياً لفرض الوحدة بالقوة ، بل ان ذلك أفشل اتفاقية إعلان مشروع الوحدة سلمياً ، ولا يجوز الاعتراف بنتائج الحرب بإعتبارها غير منطلقة من وقائع قانونية وقرارات دولية.

 

ج- ان اتفاقية عام 1990م بين الدولتين قد ركّزت على التوجه السياسي للحزبين الحاكمين في الشمال(المؤتمر الشعبي العام)  وفي الجنوب(الحزب الاشتراكي اليمني) في اعلان الوحدة الاندماجية ، ولكنهما لا يمتلكان الحق على الدولتين - والشعبين في الجنوب والشمال ، ولا في توقيع الوحدة الاندماجية. ثم أن اتفاقية الوحدة أكدت وجوب المرحلة الانتقالية { اختصرت من 5 سنوات إلى سنتين ونصف السنة} ، اي ان الاعلان عن الوحدة قيدت بفترة انتقالية ، ذلك لأن كلمة «فترة انتقالية» أكثر دقةً وتحديدًا من اعلان مشروع الوحدة الاندماجية.

 

ومع أن هذه "الاتفاقية المؤقتة" أكَّدت على الأعفاء العام عن كل المعارضين لنظام صنعاء ولكنها من جهة أخرى رفضت"الاتفاقية" حق فصيل جنوبي مهم من المشاركة في بناء دولة الوحدة ، بل وكان هناك تعويض لكل شمالي تضرر من الماضي ، يقابل ذلك رفض المصالحة الجنوبية-الجنوبية أو التعويض للجنوبيين الذين تضرروا من الماضي .ولذلك نرى ما يُشاع عادة أن الوحدة بين الدولتين جبت ما قبلها ، ولا بدَّ هنا من تصويب هذا القول لأن حق المصالحة بين الجنوبيين أصبح، منذ العام 1967م من الحقوق غير القابلة للتصرُّف، أي أن أحدًا لا يستطيع أن يتصرَّف به حتى ولو كان ممثّلاً بالوحدة الاندماجية نفسها. وحق المصالحة الجنوبية - الجنوبية مرتبط، قانونًا وواقعيًا، في تقرير المصير ولا يستطيع الشعب الجنوبي أن يقرّر مصيره إلا إذا تصالح داخلياً ، حتى يصبح جزء من اتفاقية الوحدة ، وشريك في إعلانها وبناءها ، وهذا لم يحصل.

فهذا الحق الذي حرمت منه شرائح المجتمع الجنوبي وتنظيماته السياسية التي كانت على خلاف مع النظام الجنوبي ، لا يتوقَّف عند الالتحاق بمشروع الوحدة فحسب. إنه في الواقع متواصل لأن الشعب الجنوبي يقرّر مصيره بدخوله الوحدة من عدمه ، ثم يسعى إلى المشاركة في إنماء دولة الوحدة الجديدة. وهذا ما لم تؤكده اتفاقية اعلان الوحدة. ولكن أكدته المادة الأولى – الفقرة أ المشتركة من شرعة حقوق الإنسان في الحقوق السياسية والمدنية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية أيضًا الصادرتين العام 1966: {لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي تملك هذا الحق حرَّة في تقرير مركزها السياسي، وحرة في السعي لتحقيق إنمائها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي}.واذا كان الشعب الجنوبي حرم من حق الاستفتاء بشأن مشروع اعلان الوحدة ، عليه أن لا يحرم اليوم من تقرير مصيره في البقاء تحت الاحتلال اليمني من عدمه.

وإستنادًا إلى ما تقدم يعتبر الحق في تقرير المصير من القواعد الآمرة في القانون الدولي ولا يتجسَّد عمليًا على الأرض إذا لم يكن الشعب هو صاحب القرار في التصويت على مشروع الوحدة ، وهذا لم يكن إطلاقاً ، فاكثر من 80% من الشعب الجنوبي حرم من هذا الحق، الأمر الذي يحظّره القانون الدولي.

ولا يستطيع نظام صنعاء أن يتنكر لهذا الحق الإنساني  بعد أن اعترفت به وثيقة الاستقلال التي منحت للجنوب العربي حق تقرير مصيره عند إعلان إستقلاله في 30 نوفمبر 1967م ، واتفاقية اعلان الوحدة لم تستفي الشعب الجنوبي في قبول الاندماج مع دولة أخرى سواءً كانت اليمن أو غيرها.

 

وكان قبول مشروع الدولة الواحدة(الجمهورية اليمنية) بدلاً من الدولتين(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية) ، من قبل المجتمع الدولي هذا لان الدولة الوليدة يجب ان تكون دولة سلام واستقرار ، وهذا ما لم يحدث ، حيث بدأت الاغتيالات والتفجيرات بتخطيط من الشريك اليمني (الشمال) ضد الشريك الثاني(الجنوب) ، منذ اليوم الاول لأعلام الوحدة (1990) وحتى احتلاله عام 1994م.

واليمن مدعومةً من ايران كانت وما تزال تستغل أي فرصة ممكنة للتنكّر لهذه الإلتزامات.

المحطة الثالث: التصدي للجيوش الشمالية التي اعلنت الحرب على الجنوب بعد اعلان فشل مشروع الوحدة الاندماجية والمرحلة الثالثة لمحاولة استعادة الدولة الجنوبية

تتمحور هذه المرحلة الثالثة حول إعلان الدولة الجنوبية في 21 مايو 1993م ، وتداعياتها المختلفة. فقد أعلن الرئيس الجنوبي علي سالم البيض الذي وقع مشروع اعلان الوحدة مع الرئيس الشمالي علي عبدالله صالح ، «قيام دولة جمهورية اليمن الديمقراطية وعاصمتها عدن ». وأشار، في سياق هذا الإعلان إلى أن اتفاقية اعلان الوحدة ، هي دليل وجود الدولتين ، وهي نفسها ما زالت توفر شروطًا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الجنوبي في استعادة دولته. وكان لهذا الإعلان تداعيات كثيرة، منها:

إن مجلس الأمن الدولي لم يرفض ولم يعترف بحق الشعب الجنوبي باالعودة الى دولته السابقة التي اعلنت بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية ( المقدرة حسب اتفاقية اعلان مشروع الوحدة الاندماجية بعامين ونصف العام) وذكر في القرار رقم 924 لسنة 94م ، والقرار رقم 931 لسنة 94م أن هذين القرارين  قضيا بـ{الاحتكام للحلول السياسية وعلى ان يبقى الملف قيد النظر}. وقد بلغ هذا الرفض للحرب من قبل المجتمع الدولي والدول العربية الاقليمية ، من الأهمية ما دفع أكثر من دولة عربية وكذلك مجلس التعاون الخليجي برفض الوحدة بالقوة { جاء في بيان مجلس التعاون الخليجي الصادر في 4 يونيو 1994م ان من حق ابناء الجنوب العودة الى دولتهم السابقة ونرفض الوحدة بالقوة العسكرية} وكذلك خطاب وزارة الخارجية البريطانية بان عدن خط أحمر ، وهذا نعتبره موقف عربي ودولي على طريق الاعتراف بالدولة الجنوبية والإعراب عن الإستعداد للتعامل معها. وقد أنشأ بعضها بالفعل علاقات استيراد وتصدير معها.

 

إلاّ أن الحرب التي شارك فيها اكثر من 50 الف من الافغان العرب انتهت باحتلال الجنوب يوم 7/7/1994م (اصبح هذا التاريخ مناسبة وطنية لطرف واحد من طرفي الوحدة - الشمال - تحتفل به صنعاء كل عام) وهروب اعضاء مجلس النواب الجنوبيين ، وهروب رئيس مجلس الوزراء ونصف أعضاء الحكومة الجنوبيين والرئيس الجنوبي الذي وقع مشروع اعلان الوحدة الاندماجية. ثم استعاض الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عن اتفاقية الوحدة بين دولة الجنوب ودولة الشمال  بسلوك المنتصر بالحرب ، وطريق الاستئثار بالسلطة وتجييش قبائل الشمال ضد الجنوب ، والغى مجلس الرئاسة الذي كان يضم عضوين من الجنوب (علي سالم البيض وسالم صالح محمد) وعضوين من الشمال( علي عبدالله صالح وعبدالعزيز عبدالغني وعضو خامس هو المدعو عبدالمجيد الزنداني عن التجمع اليمني للاصلاح ، المطلوب دولياً في قضايا الارهاب).

ووفق ترتيبات ما بعد الحرب واحتلال الجنوب لم يُشر في الرئاسة والحكومة إطلاقًا إلى «ممثلي الدولة الجنوبية» ولا حتى إلى حق الشعب الجنوبي في الدفاع عن أملاكه الخاصة والعامة وثرواته ، بل وأمعن نظام صنعاء المنتصر عسكرياً بتضييع شراكة الدولة الجنوبية عندما قرّر أن وحدة 22 مايو 1990م قد انتهت وان الوحدة الحقيقية بين دولة الجنوب ودولة الشمال هي التي تعمدت بالدم. هكذا ظلت "الوحدة المعمدة بالدم" حوالى عشرون عام من احتلالها للجنوب العربي.

المحطة الرابعة: المحاولة الرابعة لتحقيق حلم عودة الدولة الجنوبية وتحقيق فك الارتباط

 

سنركّز في هذه المرحلة على التطورات الأخيرة المرافقة لمرحلة ما بعد الاحتلال وبداية ظهور الحراك الجنوبي السلمي. وإمكان قبول الدولة الجنوبية من جديد كعضو في الامم المتحدة كما حصل لكثير من البلدان التي دخلت بشراكة مع دولة جارة (مصر وسوريا ، ارتيريا وإثيوبيا ... الخ) ثم انفضت الشراكة عندما حاول طرف الهيمنة على الطرف الآخر.

 

بدأت هذه المرحلة في 19 مارس 2015م عندما احتشدت قوات المخلوع صالح العسكرية ومليشيات الحوثي في صنعاء من جديد والسير بها باتجاه الجنوب لغزوه واحتلاله كما حصل عام 1994م .. ولكن كانت المرحلة اختلفت عن الغزوة الاولى ، حيث جاءت الغزوة الثانية والجنوب يعيش أوج حشوده المليونية الشعبية ضد الاحتلال اليمني ، واعلن التسامح والتصالح ، ويعيش مرحلة نضال سلمي شامل ، حيث مثل الحراك الجنوبي السلمي الروح الوطنية المتعطشة للحرية والاستقلال ، وتناول العالم وهيئاته الانسانية والحقوقية هذه الانتفاضات الشعبية الواسعة ، حيث اصبحت معسكرات الاحتلال في محافظات الجنوب (27 لواء في عشرين معسكر) خالية من الجنود والضباط والمؤن والأسلحة العسكرية نتيجة الخوف والرعب التي انتابت تلك المعسكرات من جرى الحشود الضخمة التي كانت تنزل سلمياً الى الشارع مطالبة بالاستقلال الوطني ، وخروج الجيوش والاجهزة الأمنية اليمنية من الجنوب.

وحافظنا على تلك المراحل النضالية السلمية على امل ان يغير العالم نظرته ويحمي الحق الذي قدمنا من اجله آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين. وعندما فرض على ابناء الجنوب الحرب تحولت حارات وشوارع عدن وجبال وصحاري ووديان الجنوب الى متاريس قتال ، وحقق النصر المبين في 18 يوليو 2015م ، واعتبرنا ذلك مكاسب انسانية سبق للقانون الدولي والهيئات الدولية أن أقرّها لمصلحة هذه القضية أو تلك ، وهي بالتالي تشكل نقاط انطلاق للقضية الجنوبية لا يجوز التخلي عنها ، ومنها:

 

تأكيد الوضع القانوني للجنوب الذي تحرر من الاحتلال اليمني العام 2015م بما فيها العاصمة عدن وكافة محافظات الجنوب ، وتحولت الحرب الى حرب استنزاف على المناطق الحدودية السابقة بين الشمال والجنوب . هذا التوصيف جرى تأكيده في دعوة الامين العام للامم المتحدة السيد بان كي مون لممثلي الحراك الجنوبي السلمي لحضور مباحثات جنيف 1 في 15 مايو 2015م عندما كانت المقاومة الجنوبية تواجه الغزاة الحوثعفاشيين ، وهذا كان امتداد لقرار السيد جمال بن عمر ممثل الامين العام للامم المتحدة السيد بان كي مون بالأخذ بمبداء المناصفة بين الشمال والجنوب(50% من اعضاء مؤتمر الحوار الوطني من الشمال ، و50% من الجنوب) ، هذا القرار كان في محل موافقة كل الاطراف الشمالية ، والذي أقرته الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ، ومنها دول الفيتو الخمس(امريكا ، روسيا ، بريطانيا ، فرنسا والصين) ، وكذلك مجلس الامن من خلال ممثل الامين العام للامم المتحدة السيد جمال بن عمر . فالواقع إن هذا التوصيف - «المناصفة بين الجنوب والشمال» يجب أن تتبعه قرارات دولية تدين المسئولين عن الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الجنوبي وحراكه السلمي ، وتمنح الجنوب حق بناء دولته.

 

تأكيد التعهّد الخطي الذي قدمه المخلوع علي عبدالله صالح في عام 1994م ، المحفوظ لدى مجلس الأمن ، والمتعلق بعدم الانتقام من الجنوبيين وتبني المصالحة الوطنية ، وهذا لم يحدث بل انه عمل على اجتثاث الجنوب وحرمانه من ابسط حقوقه. والواقع أن كثير من البلدان أقدمت في العام 1994م ، عام دخول الجيش والقبائل الشمالية الى عدن والجنوب ، على إدانة نظام صنعاء وطالبت بعزله عن الأمم المتحدة لأنه لم يلتزم بتعهده ، ولم يمتثل للقرارين الدوليين المذكورين (924 , 931).

 

تأكيد حق الشعب الجنوبي في تقرير المصيرالذي هو، وفق القوانين الدولية من جملة القواعد الآمرة للهيئات الدولية ، الملزمة بذاتها والضامنة تحقيق مبدأ تقرير المصير للشعوب في كل الظروف.

تأكيد «إعلان الدولة الجنوبية» التي تمت بقبول دولي العام 1967م لأنه أرسى، فعلاً وقانونًا، أسس الدولة الجنوبية المستقلة، وحصلت بالتالي على كل هذه الإعترافات بها - ثم العمل على إعادة إحياء هذه الإعترافات غير القابلة للتصرف سواءً قبل اتفاق الوحدة الاندماجية أو بعد فشلها بين الدولتين ، ولأن الدولة الجنوبية ليست ملكاً لحزب من الاحزاب حتى يسلمها لدولة اخرى ، وغير قابلة للتحكم بها من قبل اي سلطة كانت ، وإعلان مسيرة التحرر الوطني غير قابلة للتراجع في آن ، وهي انطلقت من مبادىء انسانية ودولية ، مثل:

أ- قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 3070 تاريخ 1973 الذي شرّع نضال الشعوب للتحرُّر من السيطرة والإستعباد بجميع الوسائل الممكنة بما فيها الحق في الكفاح المسلح.

ب- وقرار الجمعية الرقم 3336 تاريخ 1974 القاضي بتأكيد مبدأ سيادة سكان الأقاليم المحتلَّة على ثروتهم ومواردهم القومية، وعلى المجتمع الدولي ان يدين الاحتلال اليمني على قيامه بإستغلال هذه الثروات والموارد الخاصة بالشعب الجنوبي لمصالح شلة من أمراء الحرب.

 

ج- دعوة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لممثلي الحراك الجنوبي السلمي الذي يمثل القضية الجنوبية إلى الإشتراك في جنيف 1 الذي يعقد برعاية الامم المتحدة.

 

د- هذا طبعًا بالإضافة إلى بيان دول مجلس التعاون الخليجي الصادر في 4-6 يونيو 1994 في مدينة أبهاء والذي ادان حرب اليمن(الشمال) على الجنوب ، والذي كان يعد الاقليم وبعض دول الفيتو للأعتراف بإعلان دولة الجنوب المستقلة، وقد تقدَّمنا نشرحه. والواقع أن بعض هذه المكاسب قد غيبته أو أهملته المصالح الدولية ولا سيما بعد اتفاق مكافحة الارهاب بين الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح والولايات المتحدة الامريكية بعد تفجير البرجين في الولايات المتحدة وتداعياته ، وقد اتضح فيما بعد شبكة الارهاب العالمية ، وان صالح هو الراعي الاول للارهاب في اليمن ، وقد استخدم هذه الورقة لضرب الجنوب.

أن هذه المكاسب القانونية التي تم تحصيلها دولياً وما تمثل من الرأي العام الدولي جديرة بأن يُعاد إحياؤها أو التأكيد على مضمونها على الأقل.

ويجدر بالإشارة هنا، أن هذه المكاسب مدعومة بشكل عام من قبل القانون الدولي. ومع أن بعضها غير محصور بالقضية الجنوبية ، فإن هذه المسألة تستفيد منها حكمًَا بالإستناد إلى التطوّرات الحديثة للقانون الدولي ولا سيما لجهة حقوق الإنسان والمساواة المطلقة بين الشعوب.

 

وبذلك يصبح إصرار نظام الرئيس السابق المخلوع صالح ومليشيات الحوثي على التمسك باتفاقية اعلان الوحدة الاندماجية بين الدولتين من أجل إقرار نتائج حرب 94م أمرًا مخالفًا لأتفاقية الوحدة وللقانون الدولي ومناقضًا أيضًا للتعهد اليمني في تنفيذ القرارين الدوليين (924,931 لسنة 1994م) كما تقدّم.

 

ونحن ومن خلال هذه المذكرة نتقدم باسم الحراك الجنوبي السلمي بطلب عودة عضوية بلادنا في الامم المتحدة والهيئات الدولية ، كما جاء في وثيقة الاستقلال العام 1967م ، وحسب الشروط المطلوبة في ميثاق الامم المتحدة  في العودة والإنضمام إلى المنظمة الدولية.

 

⚖ والواقع أن الإنضمام إلى المنظمة يتمّ، عادة، برفع الطلب إلى الأمين العام الذي يتأكد، تقنيًا من إستيفائه الشروط المطلوبة حسب الميثاق، ثم يرفعه إلى مجلس الأمن. ولكن طلب إنضمام بلادنا هو يتخذ الشكل القانوني السابق ، ونطالب مجلس الآمن بتوصية ملزمة منه وإلى الجمعية العامة، لنؤكد للعالم اننا كنا دولة ذات سيادة ، وأننا ارض"محبة للسلام" ودليلنا في ذلك الذي لا يقبل الجدل "الحراك الجنوبي السلمي" ونؤكد ان دولتنا السابقة كانت ملتزمة بموجبات الميثاق، واليوم هي مستوفية الشروط الأخرى الواردة في المادة الرابعة من الميثاق.

وأن التعامل مع دولة جديدة على العضوية في الامم المتحدة غير التعامل مع دولة تطالب استعادة العضوية لانها كانت دولة مستقلة.

 

وحتى لا نحرم من جديد كما حرمنا عام 1994م عندما ألهت الحرب التي شنها الرئيس السابق صالح ، على الجنوب ، وظل وفدنا في الأمم المتحدة يفاوض المحتل بشأن وقف اطلاق النار ووقف إطلاق الصواريخ على المدن الجنوبية وخاصة على عاصمة الجنوب عدن ، بينما كان من الواجب على وفدنا تقديم طلب للأمين العام للأمم المتحدة بشأن استعادة العضوية لدولتنا في الامم المتحدة خاصة وان اكثر من 9 دول من أصل 15 كانت شبه مضمونة بالتصويت ، بما فيها بعض دول الفيتو. ولهذه الأسباب، يضطر الحراك الجنوبي السلمي لتحرير واستقلال الجنوب العربي ـ وإن متأخراً - إلى رفع طلبنا الى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التمسك باعترافها وقراراتها الدولية السبعة(١٩٦٣-١٩٦٧) والتي على ضؤها منحنا الاستقلال عن بريطانيا يوم 30 نوفمبر 1967. وما اتفاقية مشروع اعلان الوحدة مع دولة الجمهورية العربية اليمنية سوى توجه ايديولوجي من بقايا النظام الاشتراكي والحرب الباردة.

 

والواقع أن هذه المذكرة حاولنا من خلالها أن نؤكد توصيف  المراحل النضالية السلمية التي خاضها شعبنا في الجنوب العربي من اجل استرداد الدولة التي دخل بها الحزب الحاكم في الجنوب(الحزب الاشتراكي اليمني) بعيداً عن رضا او استفتاء شعب الجنوب ، شريك مع دولة اخرى هي الجمهورية العربية اليمنية ، دون العودة الى راي الشعب الجنوبي ، أو الى اي مواثيق دولية ، وطلبنا هذا يقدم بموجب القانون الدولي كما تقدمنا به عام 1963م من اجل منحنا الاستقلال عن بريطانيا وحاز على موافقة الجمعية العامة للامم المتحدة باغلبية 100 دولة من اصل 104 دولة ذات العضوية في الامم المتحدة ، وكانت دول الفيتو الى جانب دولتنا التي منحت العضوية في الامم المتحدة وفي كل الهيئات الدولية وكانت الدولة النموذجية المشهود لها بتحرير المرآة وبالقضاء على الآمية وعلى امراض الطفولة السبعة وكانت افضل دولة مستقرة في الشرق الأوسط.

كما نؤكد أيضًا المكاسب الأخرى التي وفَّرتها الجمعية العامة للجنوب العربي(جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) بما في ذلك إعترافها بإعلان إستقلال الدولة ومنحها العضوية ورفض الاعتداء عليها من قبل اليمن في عامي 1972 , وعام 1979م ، رغم الهزائم المرة التي تلقتها اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) في تلك الحروب.

أن الطلب الجديد الذي يقدمه الحراك الجنوبي السلمي إلى الجمعية العامة لا يواجه نفس تحدّيات عام 1967م ، ويمتلك هذه المرة اهمية قانونية اكبر ، منها:

- إن اي اعتراف لابد ان يستند إلى المرجعية القانونية للامم المتحدة حتى يدعم من قبلها ، وهذه المرجعية القانونية متوفرة بكامل حيثياتها ، فدولتنا كانت تمتلك عضوية كاملة في الامم المتحدة وفي الهيئات الدولية وفي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ، ثم ان دولتنا التي كانت تسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لم تذوب في شخصية الدولة المقابلة لها "الجمهورية العربية اليمنية" التي دخلت معها باتفاقات شراكة ، بل ذابتا الشخصيتين الدوليتين معاً في شخصية دولية جديدة هي "الجمهورية اليمنية" ، وهنا قانونياً يحق لاي طرف من الطرفين فض الشراكة ، وكل طرف يمتلك نفس الحق ، لان الشخصيتين الاعتباريتين للدولتين ذابتا معاً ، ولم تكن احدهما تابعة للآخرى ، أو سميت بأسم الدولة الآخرى.

 

خاصة وإن هناك إعترافات ثنائية كانت قد تمت بين بعض الدول العربية وعلى راسها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة بعد ان شن نظام صنعاء الحرب على الجنوب عام 1994م ورفضت هذه البلدان الوحدة بالقوة حتى لا تصبح سابقة خطيرة في الوطن العربي ، ولأن ذلك يتنافى مع ابسط القواعد القانونية الدولية.

وقد ذكرنا أن الإعترافات الاولى باستعادة الدولة الجنوبية حصلت منذ العام 1994م ولكنها طُرحت جانبًا من دون أي تفاعل ولا تفعيل بسبب إلتزامات أخرى خليجية وعربية مع المجتمع الدولي.وهذا لا يعني ان الحق الجنوبي كان ناقصاً ، بل لان المصالح الدولية - التي وجدت بالطاغية صالح ضالتهم الكبرى- كانت هي الطاغية.

 

- إن توصيف استرداد «الدولة الجنوبية» بصيغته القانونية يمكن ان يعود إلى الجمعية العامة لكي تقرّره. فالمادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن مجلس الأمن يرفع الطلب، إذا وافق عليه، مع توصية إلى الجمعية العامة بقبوله. وهذه التوصية ملزمة ، وكذلك من حق الجمعية أن تبادر قانونًا إلى هذا التوصيف – كما فعلت العام 1967م بإعلان هذه الدولة (حيث منحت قراراتها باسم الجنوب العربي). هذه الآلية تنفذ عندما يكون طلب العضوية "طلب جديد" ، لكن الشعب الجنوبي يطالب المجتمع الدولي باستعادة دولته المستقلة التي دخلت بشراكة مع دولة اخرى"الجمهورية العربية اليمنية" دون استفتاء الشعب عليها.

 

- إن نظام صنعاء هدّد عام 1994م (عندما كانت معظم الدول العربية متجهه للاعتراف بدولتنا التي اعلن عنها في 21 مايو 1994م) ، وبشكلٍ سافرٍ أنه إذا وافقت بعض البلدان على الاعتراف بالدولة الجنوبية فإنها، أي اليمن ، تعتبر ذلك الأمر مخالفة صريحة لأتفاق مشروع الوحدة الاندماجية ، ثم أضاف" أن الحرب ألغيت تلك الاتفاقية" ، اي انه الغى اتفاقية اعلان الوحدة . من جانبٍ واحد، وسيحتل الجنوب بالقوة العسكرية كما احتل العراق الكويت في نفس عام اعلان الوحدة (1990).وكانت الخطة المعدة حينها هي ان يعلن عن الوحدة بين الدولتين اليمنية والجنوبية ومن ثم تحتل العراق الكويت وتجري مصالحة بين ايران والعراق لمحاصرة دول مجلس التعاون الخليجي ، الا ان الجامعة العربية ومجلس الامن افشلا هذه الخطة... وتكررت هذه العملية عام 1994 بين ايران ونظام صنعاء عندما امتد جسر من طهران الى صنعاء ومن كابول(الافغان العرب) الى صنعاء لاحتلال الجنوب.