عن المرأة والحرب

لن أنسى صراخ نساء المبنى الذي كنت أقطن فيه بصنعاء ذات صباح, جرّاء قصف "جبل عطّان" المكدس بمخازن الأسلحة من قبل طيران التحالف, أسلحة راح ضحيتها الكثير من المدنيين من بينهم نساء كنت أسمع عن قصصهن المروّعة من أقاربي وصديقاتي. ظل نظام صالح الإجرامي يكدسها في الجبال لثلاثة عقود من الزمن حول مدينة يكتظ بها نحو 3 ميلون نسمة. ولا أخفي عن القارئ أيضاً شعوري المرعب المشابه الذي خالجني أثناء محاولة دخول الحوثيين لشارع المعلا الرئيسي في العاصمة عدن, وتبادل إطلاق النار الذي عايشته مع أسرتي وبعض الأصدقاء طوال ليل الرابع من إبريل عام 2015م, والذي استفقت بعده على ضوء شمسٍ حزينة أنظر من نافذة المنزل ودبابات ميليشيا الحوثي وصالح قد سيطرت على الشارع, وكان الكثير من شباب المقاومة في عدن قد سقطوا ليلتها دفاعاً عن المدينة.

في كل مدينة وبقعة وزاوية هناك قصة لا تنسى عاشتها امرأة في هذا الوطن, قد تكون قصص مأساوية فقدن فيها أغلى ما يملكن من آباء و أبناء و أزواج وأخوة في جبهات الحرب, أو أمهات وأخوات وأطفال في بيوتهن, وقد تكون قصص بطولية خرجن بها من رحم المعاناة والألم وقمن فيها بأدوار مشرّفة لإنقاذ مدينتهن وانتشالها من وحل الجنون والوحشية التي ألمّت بها وبسكانها.

دائماً ما تكون المرأة أحد أبرز ضحايا الحرب إلى جانب الأطفال وكبار السن في كل العصور وعبر قصص التاريخ , لم يكن سهلاً عليها مجابهة كل ذلك الألم والتعايش معه في كل مرة, بدءأً من بيعها والإتجار بجسدها وتعذيبها و تجنيدها أثناء الحروب وانتهاءاً باعتقالها وتشويهها جسدياً ونفسياً ثم قتلها. ولم يقتصر ذلك على الحروب فقط, ففي كل الأزمنة كانت معاناة المرأة حاضرة, فقد عانت أيضاً من التمييز العنصري بسبب عرقها أو طبقتها ودينها وفئتها, وعانت منه أكثر بالعنف الجسدي والنفسي من محيطها المجتمعي والأسري وبسبب سطوة الرجل عليها نتاج بعض الموروثات والعادات السائدة في بعض الدول منها اليمن.

ازرع الأمل قبل القمح, عبارة كتبتها نساء ألمانيات على بقايا الجدران المحطمة بعد أن استسلمت ألمانيا للحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945م, حيث سقط فيها الكثير من الرجال آنذاك ولم يكن هناك أي وجود للدولة بعد، فنهضت النساء بألمانيا وهنّ يزرعن الأمل والإيمان في قلوبٍ كانت قد حطمتها رصاصات الحرب, بأن هناك غدٍ أجمل إن تعاون الجميع على إحياءه, وبالفعل نهضت ألمانيا وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة بسبب النساء.

وكذلك هي المرأة بعد تحرير عدن من غزاة الحوثي وصالح في الجنوب, حيث كانت فكرة النهوض شبه مستحيلة بعد كل الخراب الذي حل بالمدينة, ورغم ذلك نهضت بها و استعادة معها نفسها ونشاطها ورفعت همم من حولها, فكانت لها بصمات واضحة ودور هام أثناء وبعد الحرب في دعم الأمن والاستقرار, ومناهضة العنف والتطرف عبر مساهمتها الفعالة في العديد الأنشطة التوعوية والإرشادية التي تدعو لبناء البلاد وعدم الالتفات للوراء.

ورغم كل ما قد تحفظه ذاكرة كلُ منا عن هذه الحرب أو سواها على مر التاريخ المعاصر, إلا أنها لن تكسر إرادتنا كنساء نحلم بوطن حر مستقل نبني فيه كل ما أملنا وسعينا لأجله منذ سنوات طويلة, وطن ننتمي إليه وننمّيه بالحب والإخلاص والعمل, وهذا ما قد يكون إن واصلنا على زراعة الأمل والقوة لكل من هم حولنا.

مقالات الكاتب