التربية والتعليم قيادة مترددة وقرارات متناقضة ومعالجات غير مركزة

تعاني مكاتب التربية والتعليم فيما يسمى بالمحافظات المحررة من غموض وتذبذب في السياسة العامة للقرار التربوي والتعليمي وعدم الوضوح للأهداف الإستراتيجية المراد تحقيقها  أوعشوائيتها احيانا ، واتضح من خلال المتابعة إن القيادات الإدارية التربوية السابقة والحالية افتقرت لأبسط مقومات المنهاجية في رسم السياسات العامة للتعليم خلال تلك الفترة وغابت مقاييس الانجازات الحقيقية والارتقاء بالعمل وعانت العملية التعليمية والتربوية من تراكم ملحوظ للمشاكل الإدارية والمالية وأخفقت الإدارات السابقة والحالية في جدولة تلك المشاكل وحلحلتها ما أدى إلى تنقلها من عام لآخر في جداول الأعمال السنوية للقيادات التربوية المتعاقبة .

والغريب في ذلك ان الفترة السابقة للسنوات الخمس الأخيرة هي الأعلى نسبيا في مستوى الإنفاق على التدريب والتأهيل والتطوير التربوي حيث شهدت العديد من المشاريع والورش والدورات وتدريب الكوادر و المدراء داخليا وخارجيا ودورات لمدراء المدارس ورؤساء المكاتب والموجهين والمدربين وبرامج الجودة والتعليم عن بعد وغيرها ، كل تلك المسميات مع رقيها ورفاهيتها وضخامة الإنفاق المادي عليها إلا أنها لم تلامس ارض الواقع ولم تحقق أهداف نوعية يتم قياسها وفق القياس والتقويم التربوي بل على العكس من ذلك .. فالأوضاع العامة للتعليم المبكر في تناقض بين إقرار برامج والتراجع عنها , وإستراتيجية التعليم الأساسي وعدم تمكنها من تحقيق تغيير ملموس في الاداء بحسب المتدربين , ومشاكل التعليم الثانوي وصعوبة التعامل سنويا مع نوعية الامتحانات النهائية وآلية ادارتها والاشراف عليها ماسبب خلال عامين متتالين اضطراب في النتائج النهائية وتشكيل لجان لمعالجة الخلل , ومشاكل المناهج الدراسية وطباعة الكتب وخضوعها لسياسة الابتزاز السياسي  والارتباط المالي والاجرائي المهين ،  وتعليق الحلول لقضايا العاملين عاما بعد آخر ، ما ادى الى تراكم الاستحقاقات المالية للعاملين وزيادة قيمة المديونية عند الحكومات المتعاقبة ثم عجزها عن صرف مستحقاتهم عاما بعد آخر ، كما أن المشاكل الداخلية وعجز الإدارات التربوية المحلية والعامة عن التعامل معها بحزم أفقد القرار الإداري التربوي هيبته وقوته وفاعليته والسماح لجهات معينة بالتدخل الغير مبرر بالشئون التربوية وتعرضها لتغيير قرار أو فرضه وكثرت خلال تلك الفترة الادانات والاستنكارات والشكاوي ضد القرارات التربوية المتناقضة بشأن التقويم الدراسي والجداول الزمنية وكمية المحتوى الدراسي. وكذا التظلمات بحق بعض المعلمين والمدراء وتعليق الحلول لقضاياهم ، ولعل السلطة المحلية قد ناقشت في بعض الأحيان قضايا هي من شأن الإدارة التربوية بسبب ذلك العجز ، ووجهت لأكثر من مرة مكاتب التربية والتعليم بسرعة معالجة قضاياها الإدارية ذاتيا وتفادي تفاقم المشاكل الإدارية التي تسبب انزعاج للسلطة المحلية وإقحامها في القضايا الإدارية لمكاتب التربية في ظل وجود قيادة تربوية ذات صلاحيات  ولكنها قيادات مترددة وتصدر قرارات ارتجالية وعشوائية ومتناقضة احيانا وتقدم معالجات غير مركزة. وذلك بسبب الصعوبة التي تواجهها والتردد في اتخاذ قرار فك الارتباط التربوي عن المركز وكيفية الاستقلال الإداري بالقرار على غرار الانقلابيين.

ان عدن والمحافظات الجنوبية المحررة من سطوة الهمجية والغطرسة هي بحاجة الى مشروع نهضة تربوية وتعليمية قائمة على سياسة تعليمية واضحة الاتجاهات والمعالم وصادقة ،  ووسائل وأدوات محلية تمنع الاحتكار والهيمنة والابتزاز ، وأهداف إستراتيجية قوية وفاعلة نسعى لتحقيقها بخطى ثابتة واقتدار ولكن بعد اتخاذ العديد من القرارات بشجاعة والاستعداد التام لمواجهة التحديات والتفكير بايجاد البدائل المحلية والوطنية  الكفؤة والمخلصة مع قليل من التنازل عن الذاتية والفئوية والاهداف الخاصة والابتعاد عن التخوف من العجز والعوز والحاجة للآخرين التي افقدت القرار الاداري التربوي هيبته وقوته وفاعليته فيما يسمى بالمحافظات المحررة .

مقالات الكاتب