اسرة الفقيد الميسري تستقبل واجب العزاء بعدن
استقبل محمد الميسري، رئيس قسم المشتريات بديوان وزارة العدل، اليوم واجب العزاء في وفاة والده نائب مدي...
اشتهر الشيخ ( من الشيخوخة وليس من المشيخة) حسين المختار بثرائه الواسع وحيازته أموالا طائلة من تلك التي كسبها بجهده أو ورثها من آبائه وأجداده ثم نماها وأحسن إدارتها لتتحول إلى مئات الملايين، حينما كان المليون يعني شيئا كبيرا وكبيرا جدا.
وللشيخ المختار خمسة أولاد من ثلاث أمهات أكبرهم صالح، ويليه أحمد وعبد الله من إمٍ ثانية وحسن (بعمر أحمد) ومحضار (بعمر عبد الله) من أمٍ ثالثة، لكن الثروة ظلت بيد الشيخ حتى بعد أن بلغ بعض أبنائه سن الرشد، وتزوجوا وأنجبوا.
وفي آخر سنين حياته أراد الشيخ المختار ان يترك لاولاده ثروة طبيعية يضمن بها أن يعيشوا هم وأولادهم ومن بعدهم أحفادهم في مأمن من تلقبات الزمن بدلا من المال الوفير الذي يمتلكه والذي لا يستطيع أن يضمن عدم تعرضه للعبث أيدي أولاد لا يمتلكون اللخبرة الكافية في إدارة الأموال بعد وفاته على.
ومن أجل ذلك قرر الشيخ حسين ان يشترى مزرعةً كبيرةً وأن يعدها لتكون بستاناً لإنتاج التفاح، فالتفاح فاكهة لذيذة وسوقها رابحة وتكلفة زراعتها ، ما عدا السنة الاولى ، ليست شاقة، وعوائدها مضمونة.
اشترى الشيخ هذه المساحة بجزء كبير مما يملك من المال وسخَّر ما تبقى من المال في استصلاح الأرض وتجهيز البذور وإعداد شبكة الري وشراء ما يلزم من آليات الزرع والحصد والنقل وسواها.
وتشاء القدرة الإلهية ان يتوفى الشيخ قبل موسم أول حصاد بأشهر.
ورغم أن الأبناء لم يبدوا اختلافا يذكر بشان العمل في بستان التفاح والتناوب في الواجبات إلا إن بوادر النزاع بينهم بدأت عندما أثمرت أولى الأشجار.
فقد كان كل منهم يذهب إلى البستان ليأخذ بعضا من ثمار التفاح التي أوشكت على النضج ليقدمها لأولاده.
قال لهم كبيرهم صالح : يا إخواني لو فعلنا هكذا لن ننتظر حتى يكتمل نضوج المحصول ولن نحصد من الثمر لا ما نطعم أولادنا ولا ما نبيع، واقترح عليهم أن يصبروا حتى ينضج الثمر وحينها يستطيعون أخذ ما يشاؤون من التفاح.
قال لهم: تذكروا أن ابونا لم يصرف أمواله لكي نأكل التفاح نحن وابناؤنا، بل لكي نجني الملايين من هذه الثروة، وبهذه الملايين سننمي أموالا ونفتح مجالات جديدة للشغل والربح وسنضمن مستقبل آمن ومزدهر لأبنائنا وأحفادنا ونستطيع تنمية أموالنا بتسخير جزء من العائد لفتح مجالات جديد للشغل، أما أكل أموالنا عن طريق السرقة فهو سلوك لا يليق بذرية الحاج المختار.
كان إخوانه يستمعون إلى كلامه ويؤكون على صوابه لكنهم ما إن ينصرفوا فرادى إلى البستان حتى يعود كل واحد منهم بسلة مملوءة بالتفاح الذي لم ينضج بعد ويعطيها لأولاده.
وذات يوم تصادف أن التقى أحمد وحسن في البستان وكالعادة كان كل منهما يحمل سلته ليملأها ببعض التفاحات التي يعتقد أنها ناضجة والتي غالبا ما تكون نصف نيئة.
اتهم حسن أخاه أحمد بالسرقة لكن أحمد أعاد التهمة لحسن قائلاً:
ـ أنا لم أءت إلى هنا إلا لحراسة البستان من السرق من أمثالك. قال متهما أخيه.
تصاعد النزاع بين أحمد وحسن إلى اشتباك بالأيادي حتى سمعهما اخواهما الأصغران عبد الله ومحضار فسارعا وانحاز كل أخ إلى شقيقه (أخيه من امه).
وقد تكررت المرات التي يتنازع فيها الإخوان الأربعة تسابقا على أولى التفاحات الناضجة التي ما إن يعودوا بها إلى بيوتهم حتى يكتشفوا أنها نصف ناضجة وغالبا ما كانوا يرمون بعضها بسبب عدم صلاحيتها للأكل.
وذات مرة التقى الأخوان الكبيران أحمد وحسن عند مدخل البستان فشرعا يتبادلان الاتهامات كالعادة بعد أن تحولت علاقتهما إلى خصام شبه مزمن، واشتبكا بالأيدي بل وتقاذفا ما كان بأيديهما من حجارة وأدوات خشبية وحديدية، وكالعادة سارع شقيقاهما للالتحاق بالمعركة كما في كل مرة بانحياز كل منهما إلى شقيقه.
وتصادف أن محضار الشقيق الأصغر لحسن كان يحمل بندقيته وقد حاول تخويف غريم شقيقه بإطلاق الرصاص في الجو لكنه تعثر في السير فاتجهت الطلقة إلى صدر أخيه أحمد وأردته صريعا، وما كان من عبد الله (شقيق أحمد) إلا إن أحضر بندقيته من السيارة التي كانت على مقربة ليتبادل الاشتباك بالرصاص مع أخويه فيرديهما قتيلين بعد إصابته بطلقة أدت إلى شلل مزمن.
وعندما حضر أخوهم الأكبر صالح كانت الكارثة قد حلت والنواح قد انتقل ليملأ بيتهما الكبير.
لم يتبق من الإخوة الخمسة إلا صالح الذي كان منشغلا خارج المزرعة يوم الحادثة، وعبد الله المشلول العاجز عن الحركة بسبب الإصابة المعيقة.
وعندما نضج المحصول لم يجد من يحصده ولا من يحافظ عليه فقد كان يتطلب قوة عمل لا تتوفر لدى الأخ الاكبر الذي زهد في كل شي ناهيك عن الاخ المشلول العاجز عن تناول كأس الماء.
وهكذا صار ثمر البستان نهبا للصوص والطيور وعابري السبيل والوحوش والقوارض ولمواسم طويلة كان المحصول ينضج ويتساقط ويتعفن دون ان يجد من يحصده أو يأكله.
وذات ليلة وفي غمرة المنام حلم صالح بأبيه يقابله ويعاتبه ويؤنبه بمرارة وحرقة واستياء شديد على ما جرى.
_ كيف عبثتم باموالي وثرواتي وأسئتم التصرف بها هكذا؟ سأل الأب ابنه.
ـ لماذا لم ترشد إخوانك إلى طريقة أكثر مسؤولية للتعامل مع البستان والمحصول؟
ـ كيف تنازع إخوانك حتى وصلوا إلى الاقتتال وأنت لا تعلم؟
ـ وكيف تركتهم ينحدرون إلى هذا المستوى؟
ـ وما جدوى وجود البستان إذا كان أهل البستان يتقاتلون بسببه؟
ثم تنهد ضجرا: لقد أردت لهذا البستان ان يكون سببا لرفاهيتكم لكن حماقتكم وانانيتكم قد جعلته سببا لتعاستكم وموتكم.
بيد أن صالح أوضح لأبيه مبررا ومدافعا:
ـ يا أبتي ! لقد تنازع إخواني على المحصول قبل نضجه، لقد قلت لهم إن هذا العدد الضئيل من التفاح الذي تتسابقون على سرقته نيئا يمكنه أن ينضج ويوفر لكم الملايين فضلا عن سد حاجتكم لسنة كاملة من التفاح، قلت لهم انتم لا تسرقون بعضكم ولا تسرقون البستان، بل أنتم تسرقون انفسكم.
قلت لهم تمتعوا بالصبر لأشهر وحينها لن تضطروا للسرقة وأكل التفاح النيء حراما، بل ستأكلونه ناضجا حلالا ومعه الملايين.
قلت لهم أن القليل الذي تسرقونه اليوم سيصير غدا كثيرا وكثيرا جدا، ومن كثرته ستؤمنون مستقبلكم ومستقبل أولادكم وأحفادكم.
قلت لهم أن الثروة تنمو وتتضاعف بحسن إدارتها وصيانتها من العبث وعندما تتكاثر ستكفي لسد حاجاتكم عشرات المرات وستدخرون منها ما يكفي لأجيال كاملة، وستتصدقون بالفائض على المحتاجين من خارج أسركم.
لكنهم يا أبتي كانوا يرددون الخطابات الرنانة عن البستان أكثر مني بينما يتسابقون بعد كل خطبة لسرقة ثمر البستان قبل ان ينضج.
ليست الأنانية وحدها هي ما تسببت في ضياع البستان وما فيه من كنوز، بل ضيق الأفق ومحدودية التفكير وقصر النظر وعدم المهارة وغلبة الحماقة على الحكمة هي من أوصل بستان التفاح إلى هذه النهاية المأساوية.