مضت ليلة من أسعد الليالي، فعبود أب يتمنى أن يرى أبناءه في أعلى سلم العلم ومراتب التفوق، مرت تلك الليلة وعبود بين أبنائه يذاكر لهم فهذا يسأله وذاك يسمع له، وكبيرتهم في الثانوية تأخذ ركناً في زاوية البيت وتقرأ في عيون أبيها حلمه وفرحته ليراهم وقد تخرجوا وحققوا حلم هذا الأب الذي بذل كل ما لديه لأبنائه .
مرت تلك الليلة بحلاوتها ولكنه تلاها نكد السنين وغدر السياسة، فعبود يجهز أولاده ليذهبوا لمدارسهم ويذهب بدوره لعمله الذي من خلاله سيحقق لهم ما يستطيعون به تجاوز مراحل الدراسة، ذهب عبود وياليته لم يذهب، وذهب أولاده إلى مدرستهم، وإذا بمدير المدرسة يستدعيهم ليعودوا لبيتهم الذي طالما حضنوا فيه أباهم، تساءل الصغير لماذا سنعود والطلاب لم يعودوا؟ ترقرت الدموع في عيني كبيرتهم فعودتهم تعني أن خطباً كبيراً قد حصل ، تسمرت الكلمات على ألسنة الجميع، ولكن ابنته تنطقها بصوت تخالطه عبرات الحزن القادم، أين أبي؟ قالتها وهي تتوجع وتضم أخويها، وتكررها، بعيون الحزن، وتنطق كلمة بحزن قتلوه، قولوا لي : لا، قولوا لي: إني مجنونة، قالتها وهي تردد : لقد سمعت التفجير وتمزقت أحشائي ولكني كتمت ذلك لعل أبي يعود إلينا، بكى أخواها بين ذراعيها وهي ترتعش، خائفة حزينة، وهي تردد : من سيذاكر لنا من سيحضننا من سيلعب معنا من سيدخل السرور إلى قلوبنا، قالتها بكلمات تشق الصخر، قالتها والكل تقتله الأحزان.
أبكت كلماتها المدير والمدرسين وكادت جدران المدرسة أن تبكي، بدت الأحزان تملأ المكان، وأخذ البكاء يأتي من كل زاوية في المدرسة، فجأة ينفجر المدير ويصيح بصوت عالٍ فليذهب الطلاب إلى منازلهم، وهنا يصيح الصغير من بين ذراعي أخته، لا تبكي يا أختي فالكل سيعود لبيته ، فهذا يعني أن أبي مازال حياً، هيا فلنذهب ونحتضنه، ذهبت وهي تبكي وهو يردد مازال أبي حياً، مازال أبي حياً، وأخذت تردد معه من غير شعور مازال أبي حياً، مازال أبي حياً .