مقال لـ مريم عرجون(معنى أن تكون إنسانا)

قبل فترة نشر الشيخ التونسي طه صبري هذه الصورة على صفحته مرفقة بقول "قدر الله وحده هو الذي أتى بي من هذه المغارة التي ولدت فيها قبل أكثر من نصف قرن، إلى الشمال الأوروبي". نظرت إليها وقلت قدر الله وملائكته التي أسمعته بعضا مما كتبه الشاعر والزجال المغربي أحمد الشاهدي في قصيدته المعنونة ب "خذ طريقك"، اذ يقول فيها :

خذ طريقك واحذر أن تضيع العنوان
خذ طريقك ولا تهمل الزاد والسلاح فقد زودتك بالصحائف ويراع يشتهيه كل بنان
فاكتب وسطر ومزق بكارة البياض بالحرف البهي والفكر النقي نكاية في الجهل والنسيان
خذ طريقك إلى هناك... حيث المنسيون حيث المقصيون من كل شيء ومن الحسبان
بينهم أنشد أشعارك وانشر أفكارك وهلل حتى هنا يحيا الإنسان
يقول الشيخ طه : كانت بيوت قريتنا مغارات في جبل سبحان الله.. أحيانا أفكر ليتني ما خرجت من قريتي البسيطة.. أهتم بحقلي وماشيتي وأستمتع بأرض ربي الواسعة والحياة البسيطة، وما كنت عرفت لا شرقا ولا غربا ولا حروبا وصراعات ولا عولمة ولا أي شيء مما نحن فيه اليوم، وكما نقول "ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة"... والحمد لك ياربي..
تذكرت لحظتها موقفا لسيدة ذكره الصحفي عبد الرحيم الفارسي في احدى مقالاته:
قالت لي جدتي رحمة الله عليها إن إحدى رفيقات شبابها كانت منهمكة في العمل بحقلها الجبلي، فإذا بطائرة فرنسية تحلق فوقها، فما كان منها إلا أن صاحت:"اللهم لا تحرمنا من بركات هذا الولي الصالح". نهرها زوجها أن كيف تنادي طيارا فرنسيا بالولي الصالح. نظرت إليه الزوجة باحتقار وقالت:"إن لم تكن تصدق أنه ولي صالح، فحلق في الهواء مثله".
ميمونة عرفها الله لأنها عرفت معنى الله.. فتركت الخلق للخالق وانشغلت بنفسها، وصمتت عن الأذى، وتشجعت في الخير وأعرضت عن الجاهلين، أما جواب الزوجة الفلاحة ونظرتها لزوجها فكانتا حكمة أسراها الله على لسانها ومحياها.
فأولياؤه هم أولئك الذين قررو أن يكونوا من بني الإنسان. أن يحسن إليك وهو لا ينتظر مقابلا أو إطراء.. أن يتعلم ويقرأ ثم يقرأ لأنه واجب وليس لمنصب أو مباهاة أو عقد عظمة..أن يبتكر ويخترع ويجرب ليس بغرض البيع والتجارة والتفاخر..أن يغني وينشد ويكتب ليس بغرض الشهرة والكبرياء.. أن يطير ويحلق ليس بغرض الطيران..لكن فقط لأنه أدرك ما معنى أن يكون إنسانا..

مقالات الكاتب