نصيحة لأشقائنا في التحالف

في كتاب الاستاذ عبدالفتاح البتول "خيوط الظلام" الذي تحدث فيه عن عصر الإمامة الزيدية في اليمن بين (284 – 1382هـ)، قدم له الاستاذ نصر طه مصطفى مقدمة جميلة قال فيها: "يعلمنا ربنا سبحانه وتعالى من مخاطر و مساوئ أمراض (الكبر) و (الاستعلاء) و (التباهي بالأصل و العِرْق) و ما ينتج عنها من سلوكيات و قيم منحرفة ارتبطت (بإبليس) و (بني إسرائيل) فكانت سببا في غضب الله عليهم و سببا في خروجهم عن طاعته عز وجل و مصادمتهم لسُنة الله في المساواة و العدل و الحرية و الشورى.. و من ثَمّ فقد أصبح نهج (إبليس) و (بني إسرائيل) في الكبر و العنصرية مثلا و عبرة في النهايات المأساوية لكل من يسلك ذلك النهج و كذا في انعكاساته السلبية على القيم والأخلاق الإنسانية".
أن الإمامة اضطهدت اليمنيين جميعا و لم تستثنِ أحدا لأسباب مذهبية أو عنصرية فالإمام عبدالله بن حمزة قتل أكثر من مائة ألف من المطرفية رغم أنهم كانوا على نفس المذهب، و الأئمة عبر التاريخ خاضوا صراعات دامية مع الأسر الهاشمية التي يعتقدون أنها المنافس الوحيد لهم على الإمامة بموجب شروط الإمامة الأربعة عشر و هم كانوا بالتأكيد أكثر دموية و عنفا تجاه من يخالفهم المذهب و المعتقد، فحتى عهد الإمام يحيى حميد الدين مارسوا حملة اضطهاد كبيرة ضد الطائفة الإسماعيلية و اعتبروا الشوافع كفار تأويل. و هكذا لم يتركوا يمنيا إلا و في قلبه جرح دامٍ منهم، و لذلك وجدنا الهاشميين في مقدمة صفوف الثائرين في ثورة 1948م و حركة 1955م و ثورة 1962م كدليل لا يقبل الجدل على أن الأئمة أساءوا للناس جميعا دون استثناء.
و ما ارتكبه الحوثيون في محافظة صعدة اليمنية قبل اربع سنوات تقريبا ضد الجماعات السلفية التي تقيم في بلدة دمّاج، ليست الا جرائم حرب، و جرائم ضد الإنسانية، لا تستهدف سوى عملية تطهير طائفي، و إبادة جماعية للوجود السُني، و تصفية أي تواجد سلفي هناك.

خداع عفاش للجنوبيين باهمالة الفترة الانتقالية
الجمهورية اليمنية تكونت من دولتين، الجمهورية العربية اليمنية و جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، و من شعبين، شعب شمالي و آخر جنوبي، و من قرر توحيدهما زعيمان، الزعيم الشمالي، علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي الشمالي، و الزعيم الجنوبي علي سالم البيض امين عام الحزب الاشتراكي، و ارتبطا بوحدة غريبة لم يُستفتى فيها الشعبان، رغم إختلاف البلدين اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا، فهي وحدة تمت بطريقة غريبة لم تعرفها اي تجربة في التاريخ، فضحك بها زعماء الحزبين في الدولتين على شعبيهما.
اقرت اتفاقية الوحدة على فترة انتقالية مدتها سنتين و ستة أشهر تسبق قيام الوحدة، و هذا يعني فترة زمنية حتى يتم الانتقال من دولتين غير موحدتين الى دولة واحدة موحدة حسب اتفاقية الاعلان، و ان يتم اعلان قيام الوحدة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
و يجب في هذا الفترة الانتقالية تحقيق امورا كثيرة مثل إزالة الاختلافات الاجتماعية بين الشعبين، ايجاد نظام اقتصادي موحد، و الغاء قانون التأميم في الجنوب و اعادة الممتلكات لمالكيها الاصليين و تعويض المنتفعين، و اعلان عملة جديدة لدولة الوحدة اسمها "الدرهم"، و ازالة الاختلافات بين اجهزة و مؤسسات الدولتين بل و توحيدها على اساس الأخذ بالأفضل في الدولتين، و في الأخير ايجاد نظام سياسي جديد لا يمثل الشمال و لا يمثل الجنوب.
و لكن انتهت الفترة الانتقالية دون تنفيذ ايا من شروطها، بل فجّر الشماليون المشاكل بين الرئيس و نائبه.
و بعد انتهاء الفترة الانتقالية دون تحقيق اي شيئ من شروطها، استبق الرئيس علي عبدالله صالح الجميع و ذلك بحل جميع المؤسسات الجنوبية من مدنية و عسكرية و امنية، و ربطها بالشمال، و جنّد إعلامه الشمالي بإخفاء كل ما هو جنوبي، بل و إغلاق كل مؤسسات الاعلام الجنوبي.

سعي مجلس التعاون لحل الأزمة
و خوفا من ردة فعل الجنوب، قام تحالف شيطاني في الشمال بين عفاش و جيشه، و قبائل الأحمر، و حزب الاصلاح الكريه لضم الجنوب، و ليس للوحدة مع الجنوب، لهذا كان خيارهم الحرب لاخضاع الجنوب بالقوة، و هذه الجريمة الشمالية هي من خلقت بين الشعبين الكراهيه للأسف.  و نتيجة لهذه الممارسات الفاسدة:
1)    انتفض شعب الجنوب، و أعلن حراكه السلمي في العام 2007 بفصائله المختلفة، مطالبا بحقوقه المشروعة في العودة الى الوظيفة التي حرمها منه التحالف الشيطاني.
2)    زج صالح بالبلاد في عدة حروب عبثية مع الحوثيين في صعدة، و هذا سبّب للبلاد مشكلات اقتصادية قوية.   
3)    انطلقت ثورة الشباب في 2011 ، و بدأت مظاهر اندلاع صراع سياسي و عسكري على السلطة في صنعاء بين التحالف الشيطاني في الشمال،
انفرط تحالف علي محسن الأحمر ، و آل الأحمر عن حليفهم عفاش، تحت حجة انحيازهم لثورة الشباب.
و هنا استشعر اشقائنا في مجلس التعاون الخليجي تفاقم الأزمة اليمنية فأطلق مبادرته للحل، ثم تدخلت الامم المتحدة فوضعت مع كل القوى الوطنية آلية تنفيذية للمبادرة و لأول مرة شملت "القضية الجنوبية".
و بذلك انطلق "مؤتمر الحوار الوطني" الذي اقر بالاجماع مركزية "القضية الجنوبية"، و المقصود بها "قضية الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية و جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" و صراعهما الدائر منذ 1994.
تدخل الاشقاء في مجلس التعاون كان لتوقعهم ان اصدقاء الأمس و أعداء اليوم على وشك الاقتتال الأهلي في شمال اليمن.
فحسب عادات القبائل الشمالية لنقضهم للعهود توقع مجلس التعاون ان الشماليين سينقلبون على مخرجات الحوار الوطني، و سيستهدفون "الشرعية التوافقية" التي ستنفذ مخرجات الحوار و التأسيس لمرحلة دستورية جديدة تقوم على الدولة الاتحادية، و استبدلوها "بشرعية القوة" للعبث بمخرجات الحوار الوطني.
لهذا عملت "شرعية القوة" على بناء قوة جديدة عقائدية زيدية هو "التحالف الحوثعفاشي" لاسقاط الشرعية التوافقية مسنودا بتحالفات مع ايران لصالح "مشروع الحلم الفارسي"، الذي سيضر بالأمن الإقليمي، و من هنا اقتضى الأمر سرعة الحسم فأنطلقتم انتم يا إخوتنا بعاصفة الحزم لحمايتنا و حماية الإقليم من الاطماع الصفوية.
هنا نرى كيف ان علي عبدالله صالح أخل بعهده لمجلس التعاون، و اصبح عدوا لهم، و تحالف مع الحوثي الذي كان عدوه و استمر يحاربه لعدة سنوات.
الفرق بين الجنوبي و الشمالي
اثبت ابناء الجنوب صدق وعدهم لاشقائهم في التحالف و قد كان هدفم تحرير جنوبهم، و تحطيم المشروع الإيراني الصفوي بالتعاون مع التحالف العربي.
مرت ثلاثة اعوام على الحرب ضد الانقلابيين في اليمن ، و يثبت الواقع أن المقاومة الجنوبية هي من تشكل العلامة الفارقة في انجازات التحالف و ذلك بعد أن تمكنت  من تحرير كل المناطق و المدن التي أوكلت اليها مهمة تحريرها من قبضة الانقلابيين و ما تزال هذه القوات الجنوبية صادقة في مشاركتها الايجابية مع التحالف في عدد من المحافظات الشمالية  مثل صعده و تعز و الحديده.

و أما قبائل الطوق الشمالية فقد استسلمت تماما، و لم يدافعوا او يحموا زعيمهم صالح، مما ادى لاغتياله و التمثيل بجثته من قبل الحوثي، و اثبت موقفهم هذا انهم لا يهتمون مع من يحاربون، و انما يحاربون مع من يدفع لهم أكثر و يرتزقون، قُتل زعيمهم بدم بارد، و لم يحركوا ساكنا للإنتقام، فمثل هذه القبائل لا يمكن ان نثق بهم كشركاء في وطن واحد. هدفهم كان و لا زال ابتزاز اشقائنا في التحالف، و سرقة ثرواتنا.
علمنا التاريخ، ان الزيود انفسهم انهم لا يصونون الوعود و العهود، و هم يتمترسون "بالتقية" في تعاملاتهم مع الجميع، و هذا لا أدعيه انا ضدهم، و انما الكثير من الكتّاب الشماليون هم من ذكروا ذلك، و انا انقل هذه المعلومات منهم.
لقد اسقطوا مخرجات الحوار، و ارادوا إعادة حكم اليمن و معه جنوبنا لهذه القوى المتزمة و التي هيمنت على اليمن منذ أكثر من 11  قرنا، فقد تحايل صالح على مجلس التعاون الخليجي عندما أرغموه على التنحي من الرئاسة، فوافق بشرط ان يستمر بممارسة العمل السياسي من خلال منصبه رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام، و كذلك ساعدته الظروف بعد حصوله على ضمانات خليجية بعدم الملاحقة القانونية، و تم منحه الحصانة التامة من الملاحقة القانونية و القضائية، شعر صالح بالزهو لانه لا زال رقما صعبا.
 
علمنا التاريخ انه منذ قيام الدولة الهادوية على يد الامام الهادي يحيى بن الحسين سنة 284 هـ، و حتى انهيارها في 1962 م، كانت بين مد و جزر و صراعات و إقتتال، و قال الدكتور حسين بن عبدالله العمري:
"أصبح الصراع تقليداً دمغ الحياة السياسية و الاجتماعية بميسم الانقسام و الاقتتال بين الطامحين و المتصارعين من أئمة البيت الحاكم حتى أُرهق المجتمع و فقدت الدولة المركزية السيطرة و انجرفت البلاد إلى سنوات طويلة من الفوضى".
و من أمثلة هذه الصراعات:
1)    الصراع مع الرافضين للإمامة و المعارضين للأئمة من الزعامات القبلية.
2)    الصراع مع الدول اليمنية (الصليحية, الحاتمية, الرسولية، الطاهرية), والصراع مع الدول التي قامت في اليمن (الأيوبية, المماليك الجراكسة, العثمانيين).
3)    الصراع داخل البيت الواحد, و الأسرة الواحدة, مثل ما حدث بين أحفاد الإمام الهادي الذين أشعلوا نار الحرب لسنوات طويلة أدت إلى خراب صعدة القديمة.
و عندما يخف الصراع مع الآخرين، يبرز الصراع الداخلي فيما بينهم، أي بين الأسر و البيوت الهادوية، و ليس ذلك فقط، فكان الأكثر مأساوية صراعات الأباء و قتالهم مع أبنائهم، و عيال العم.
 
و من الصدامات بين الزيود و الشقيقة الكبرى السعودية رغم وجود الاتفاقيات المعروفة:
1)    معاهدة الطائف هي معاهدة تمت عام 1934 م بين اليمن الشمالي و السعودية .
2)    إتفاقية جدة في سنة 2000 م.
3)    1990 عندما تدهورت العلاقات بشكل واضح بين الرياض و صنعاء بعد أن أبدى صالح تعاطفه مع نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عقب غزوه الكويت.
4)    بعد أعوام قليلة تأزمت العلاقات بين الرياض و صنعاء بشكل كبير من جديد، خلال غزو الشمال للجنوب ، عندما وقفت السعودية بجانب "الحزب الاشتراكي اليمني" في عدن.
قرأنا عن الكثير من اتفاقيات القبائل اليمنية الشمالية، و كنا نتسائل لماذا يتراجعون عن عهودهم، و عرفنا ان السبب كما يقول العارفون بالشخصية الشمالية من اليمن، و خاصة الزيود انهم لا يأتمنون في اي اتفاق الا أهل البيت.
 
الحلول الضامنة لمستقبل زاهر و وطن مستقر
أن رهانات التحالف العربي على المقاومة الشمالية لم تفلح حتى اللحظة في تحقيق مبتغاها في تحرير المحافظات الشمالية بعد مرور ثلاث سنوات،و يرجعون ذلك لأسباب عدة أبرزها حالة التخاذل الكبير وغياب الجدية اللازمة من قبل الأطراف المقاتلة في جبهات الشمال رغم الكم الهائل من الدعم والاسناد المادي و اللوجستي الذي تتلقاه تلك الأطراف و عمليات التدريب و التأهيل لمقاتليها و دعمها بمختلف الاسلحة الثقيلة و المتوسطة الحديثة.
لهذا فانني أقترح على أشقائنا في التحالف ان تقف الحرب حسب الاتجاهات العامة و في إطار مخرجات الحوار، و على هذه الأسس:
1)    سحب الأسلحة الثقيلة و المتوسطة فورا و تسليمها لوزارة دفاع الشرعية، و ذلك تحت إشراف التحالف و الأمم المتحدة.
2)    الاتفاق على قيام دولة إتحادية من أقليمين او ثلاثة أقاليم إذا اراد ابناء الوسط السني إنشاء إقليم خاص بهم، على ان يكون الاقليم الجنوبي حسب حدود ما قبل مايو 1990، و ذلك لمدة (3 – 5) سنوات.
3)    يتم خلال السنة الأولى من الفترة الانتقالية حل آثار حربي 1994 و 2015 على الجنوب، و حروب صعدة، كما يتم دفع التعويضات المستحقة للجنوبيين، و لجميع المستحقين كأفراد و كمؤسسات عامة و خاصة، و الغاء كل الاستحواذات و التجاوزات التي تمت في الجنوب.
4)    وضع خطة صريحة و واضحة لاعادة الاعمار في المناطق المتضررة.
5)    بانتهاء الفترة الانتقالية يحق للإقليم الجنوبي فك الارتباط مع الجمهورية اليمنية، و الطلب للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي، عبر برنامج زمني محدد.
6)    يحق لاقليمي الشمال و الوسط اعلان دولة فيدرالية او كونفيدرالية بينهما تستدهف تأمين المصالح المشتركة بينهما في الأمن و الاستقرار و التنمية.


الخلاصة:
كم كنا نتمنى ان يعيش اليمنيون دون تفريق بين هاشمي و قحطاني أو بين شافعي و هادوي أو بين حاشدي و بكيلي و مذحجي.. لكان أندمج اليمانيون و انكسرت العزلة الاجتماعية التي كرسها الأئمة بينهم و اختلطت أنسابهم و مصالحهم و ذابت الفوارق السلالية و القبلية و المذهبية و المناطقية و أصبحوا جسما واحدا موحداً من المهرة شرقاً حتى الحديدة غرباً و من صعدة شمالاً حتى عدن جنوباً.. و لكن كما رأينا، فساسة الشمال المهووسون بالتمييز العنصري يعيدونا الى تفكيرهم العنصري و تقسيم الناس لسادة و عمال للسادة و عبيد، و ذلك خلافا لمبادئ الدين الأصيلة و مبادئ العصر الحديث.
و الأكثر من كل ذلك زرعوا الكراهية بين أهل الشمال و الجنوب.

مقالات الكاتب