مخاطر الغلو والتطرف الديني

الغلو : يعني الزيادة ومجاوزة المقدار المعتبر شرعاً في أي أمر من أمور الدين .

أما التطرف فمعناه : الأخذ بإحدى الطرفين والميل له بشدة والبعد عن التوسط والاعتدال وللتطرف ألوان مختلفة (حزبي ، ديني ، طائفي ، مذهبي ، فكري ) .

الغلو والتطرف ليست مفاهيم حديثة بقدر ماهي قديمة قدم البشرية وجدتا قبل وجود الرسل بل كان الغلو واحد من الاسباب التي جعلت الله يبعث نوحاً عليه السلام الى قومة , عندما غالوا في رجال كانوا صالحين مثل (وداً , سواعاً , يغوث ,يعوق , نسرا ) فأفرطوا في محبتهم وطاعتهم ، ونحتوا لهم أصناماً لعبادتهم من دون الله.

وتمثل الغلو في العصر اليوناني القديم في محبة الملوك والفلاسفة حتى جعلوهم آلهة تعبد وأسندوا إليهم أفعالاً خارقة وأبرزهم , الربة ( أثينا ) وكانت فتاة جميلة لاحد ملوكهم ، أحبها وعشقها الكثير من الناس وغالوا في حبها لنيل رضاها, وعندما فشلوا في محاولاتهم , اطلقوا عليها صفة الآلهة, ولما ماتت أُحرقت ووضع رمادها في إناء فضي داخل معبد ( دلفي) بأثينا وصارت أعظم آلهة في اليونان يحج إليها الناس من كل أرجاء البلاد, حالها حال افروديت وهيرا وهيذر وزيوس وفي حضارات العراق سميراميس ومصر فرعون والاغريق الاسكندر المقدوني ..الخ.

الديانات الوثنية ايضاً هي نوع من انواع الغلو اتخذ المغالون منها وسيلة لزعزعة الاستقرار النفسي والعقلاني للإنسان العامي، لخدمة ذاتهم, فجعلوه يلغي عقله ويندفع بعواطفه نحو عبادة فأر, بقرة , ثعبان , حجر, كوكب, او رمز لا نسان, كبوذا وكنفش يوس, ومانوا .. او غيرهم.

ولم يقتصر الغلو على تلك الديانات بل طال الديانات السماوية , كاليهودية والمسيحية والاسلام , بدليل قوله تعالى لليهود والنصارى ((قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم )) وتأليهم لعيسى ابن مريم وجعله وامة ثالث ثلاثة , وقولهم (نحن أبناء الله وأحباؤه) وهي أعلى درجات الغلو عند النصارى واليهود.

اما في العصر الإسلامي فقد ظهرت جماعات كثيرة تغالي في الدين والعقيدة اهمها ,جماعة الخوارج والسبئية التي الهة الامام علي و توازيها اليوم بعض فرق الشيعة الامامية , والجماعات المتطرفة التكفيرية التي بات العالم يعاني من ويلاتها وهجمات ارهابها.

لذلك يمكن القول إن التطرف والغلو يظهران في المجتمعات التي يخيم عليها الجهل وينعدم فيها الوعي والنضج السياسي والمعرفي والمجتمعات التي تحكمها التناقضات الاجتماعية , والصراعات الدينية والسياسية.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي انتهى الغلو والتطرف الشيوعي واسقط حجة الغرب في مواجهة هذا المد في افغانستان واسيا و الوطن العربي .

لذلك أسندت إلى خبراء علم الأديان والاجتماع والتاريخ مهمة عمل دراسة للأوضاع في تلك المناطق وعلى وجه الخصوص منطقتنا, تمكنها من فرض سيطرتها وهيمنتها العسكرية ثانية, وخلق شرق اوسط جديد تكون فيه إسرائيل قوة اقتصادية وعسكرية تمثل مصالح البلدان الغربية , وخرجت تلك الدوائر بتقرير ارتكز على قاعدة شعار استعماري قديم (( فَرّقْ تَسُدْ )) واحتوى في مضمونه على نقاط الضعف لدى المجتمع العربي والإسلامي ونقاط الخلاف بين المذاهب والطوائف وبين العشائر والقبائل وبين الأحزاب السياسية ورجال المال والأعمال وبين الحكومات والمعارضة واقترح تحقيق السيطرة من خلال نظرية ( الفوضى الخلاقة وقواعد الصدمة).

ولتحقيق تلك النظرية, دفع صدام لاحتلال الكويت , واعيد نقل العمليات الجهادية والجهاديين من افغانستان الى الدول العربية , وحولت المنطقة الى بؤرة توتر وساحة مواجهه مع قاعدة الجهاد ثم داعش وبعدها اطلقت وثائق ويكي ليكس تمهيدا لقيام ثورات الربيع العربي او ثورات ليفي كوهين ويعد احتلال العراق واسقاط انظمة مصر واليمن وتونس وليبيا على ذلك النحو, احد اهم فصول مسرحيات تلك النظرية , القائمة على قواعد الملتية الفريدمانية لخريجين مدرسة شيكاغو, والتي سبق تطبيقها في إندونيسيا مع تولي سوهارتو الحكم ودول امريكا اللاتينية كتشيلي ايام بونشيه ثم دول اوربا الشرقية والاسيان و صولا الى الاتحاد السوفيتي والصين وروسيا.

لقد عبث المتطرفون وأصحاب المصالح بعواطف ودين الكثير من شبابنا حتى صار الكثير منهم لا يدركون ما يفعلون ، فصاروا متطرفين ومغاليين وارهابيين ، يخربون ويقتلون أبناء وطنهم وإخوانهم وأصدقاءهم وجيرانهم ولا يفرقون بين طفل ولا شاب وكهل بقلوب قاسية وعقول متبلده تحركها وتوجهها المشايخ والملالي فيفجرون أنفسهم في الأسواق، والمدارس , والمصالح التي يئمها العباد , وينهبون المال العام معتقدين بأنهم يصنعون بذلك خيراً وأن الله سيجزيهم عن ما فعلوا ، وسيذهبون إلى الجنة ويقابلوا ربهم وهو راضٍ عنهم , والامر البته غير ذلك.

على مستوى اليمن , ظهرة جماعات جهادية في الجنوب مطلع التسعينات تقاتل الاشتراكيين وجماعة الشباب المؤمن الحوثية في الشمال تقاتل الدولة ،ثم تحولت تلك الجماعات في الجنوب بعد حرب1994م الى جيش عدن ابين ثم الى قاعدة وانصار شريعة لبناء دولة الخلافة الاسلامية قابلة في الشمال انصار الله ,الذين قدموا من مران الى صنعاء وقادوا انقلاب حقيقي على الشعب والدولة.

ومن خلال ما سبق يتضح لنا ان الوطن اصبح بين فريقين يتنازعانه ويمزقانه, ويكفر كلا من هما الاخر وانصاره, وتقف خلفهما ارادات وقوى خارجية تديرا هذا الصراع, الذي ينفذه شباب ضال غير تقي عاش حياته معتمداً على الشحن العاطفي والإيحاء النفسي بإساءة الظن بكل من يتعارض معه وأن كل من يتعارض معه فهو ضده مطلقاً وأنه مباح دمه وماله وعرضه.

الصراع المتناقض مع الاسف يدارمن غرفة عمليات واحدة لا عادة استعمار الشعوب بدون حروب ، وتفريغ الاسلام من مضامينه كعقيدة , بعد سقوط العقيدة الشيوعية, ولصالح جهة واحدة هي الصهيونية والامبريالية العالمية.

لذلك لا بد من مواجهة هذه الظاهرة وحماية اطفالنا وشبابنا من وبائها القاتل للعقل والمنطق ، المدمر للعقيدة الإسلامية السمحة وللمثل الكريمة والأخلاق الفاضلة للمسلمين ، من خلال اعادة صياغة علاقاتنا الاجتماعية وزرع المحبة والإخاء والتسامح في صدورهم وغرس القيم السامية والصفات الحميدة والعقيدة الراسخة في عقولهم وانتهاج الوسطية التي جاء بها الإسلام ، تصديقاً لقولة تعالى (( وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )).
المسئولية تقع علينا جميعاً ,بدئاً بالأسرة والمدرسة والجامع وانتهائاً بالدولة والمجتمع.

ورسالتنا للشباب أنتم عماد هذا الوطن ومستقبله وعليكم أن تدركوا الخطر المحدق بدينكم وأمتكم وأوطانكم من خلال التوسع في اكتساب المعارف الإيجابية والعلوم النافعة عن طريق القراءة والاطلاع والتأمل في إدارة أفكاركم وأن تتفحصوا بدقة متناهية كل ما يطرح عليكم وأمالكم من أفكار دينية كانت أو سياسية ولا تأخذون الامور على عواهنها مطلقاً.

مقالات الكاتب