الأستاذ خالد عبدالقادر.. ماذا عساني أقول في يوم رحيلك

صفحات حزن نثرها رحيلك عنا أيها الصافي النقي، دروساً تعلمناها في الصبر ونحن نودع جثمانك، فأما اسمك وذكرك الحسن فسيظل بيننا نتعلم منه كيف يتعامل الكبار عند ملمات الزمن، ذهبت عنا أيها الغالي وتركت فراغاً لن يملؤه غيرك، فقد جلت بناظري في مسقط رأسك فوجدت كل شيء حزيناً، فمنزلك لزم الصمت ولم يفتح أبوابه، فهل تنتطر الديار عودتك؟ هل ينتظر منزلكم طلتك التي تعود عليها؟ ماذا عساه يقول لأسرتك عندما يعودون وقد لملموك حزناً بين صدورهم؟ ماذا عساه يقول وقد ذرفوك دموعاً قد لا تنتهي؟ لقد رأيت صمتاً في دخلتك التي احتضنتك صغيراً وترعرعت فيها فتياً، وخدمتها كبيراً،فكأن المكان (( الدخلة)) قريتك قد أعلنت حزناً أبدياً، وكأن الديار قد توعدت من يبلغها رحيلكم، فلم يقترب منها أحد إكراماً لمنزلتكم، ومن نظر إليها رأى ملامحكم تجول حولها، فيا الله ألهم أهله الصبر، فمصيبتهم عظيمة، ولكن رحمتك أعظم.

 

ماذا عساني أقول في يوم رحيلك أيها الغالي؟ فمدرستك رأيتها وقد تغشاها الحزن، فلقد تركت فراغاً لن تملأه إلا أيام الصبر، وهيهات لأيام الصبر أن تتجمع لتملأ فراغاً كبيراً لرجل يحمل قلباً كبيراًً نادراً أن نجد مثله، فقلبك الكبير وحسن إدارتك لا يمكن أن يصل لها أحد، فالجميع يخجل أن يقول لك لا ، كيف يقولها لك، وقد اعتلت ابتسامتك على محياك، آه ما أصعب لا أن تقال في حضرتكم أيها المربي الفاضل، وما أصعب النسيان لو فكرنا بممارسته لنتعلم نسيانكم .

 

آه ما أعظم التوجع عندما يكون لأمثالكم، لقد تعلمنا منكم أيها الغالي معنى التسامح، فأنت من جيل الطيبين الذين يحس المرء بالأمان تحت إدارتهم، فأنت من الذين يجبر موظفيه على العمل وهم راضون، ومتحمسون، فكيف ستدار الأيام بعد إدارتك؟!! رحيلك رحيل الكبار، فلقد صمت كل شيء في يوم رحيلك، فلقد صمت الإنسان والشجر والمدر، نظرت في الطرقات التي كنت تمر فيها فرأيتها مشرئبة وكأنها تنتطر مجيئك، لمحتك في منعطفات السراب، وجولات الأمل، وظل طيفك يجول في مخيلتي، رحل الطيبون برحيلك، فالكلمات خجلى، والحروف منكسرة، والعبارات بلهاء في وصف سمو أخلاقكم، فلم تجرح أحداً، وأمن الكل من جانبكم، فلله نرفع أكف الضراعة ندعوه ليغفر لك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا أبا محمد لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي الله .

مقالات الكاتب