اسرة الفقيد الميسري تستقبل واجب العزاء بعدن
استقبل محمد الميسري، رئيس قسم المشتريات بديوان وزارة العدل، اليوم واجب العزاء في وفاة والده نائب مدي...
بعد الأيام القاسية والأليمة التي عشناها وعايشناها في تلك الحرب اللعينة، بدأت خيوط شمس الحرية تسطع من خلف مجنزرات الإحتلال وجدران حصارهم الذي فرضوه علينا وأرادوا به وأدنا ووأد ثورتنا وانتفاضتنا التي اندلعت ضدهم..
في يوم السادس والعشرين من رمضان، ذلك اليوم الذي كان كغيره من أيام هذا الشهر المبارك، صوم، ونوم، وقراءة قرآن، وقصف بإستمرار .. فصباحنا ليس بصباح إن لم نسمع أنغام المدافع، ومساؤنا ليس بمساء إن لم نفطر على طبول الكاتيوشا التي تهز مدينتنا القريبة من جبهات القتال.
هكذا كان هو الروتين اليومي لحياتنا مع قلق كبير وهم عظيم قد أثقل قلوبنا وأتعب نفوسنا وهو غياب إخواني عنا في جبهات القتال ووصول الأخبار السيئة كثيراً عنهم وعن زملائهم هناك ،،
فذاك أصغر إخواني الذي تنقل بين الجبهات ليستقر أخيراً في جبهة الصولبان قد عاد إلينا في مساء ذلك اليوم الـ 26 من رمضان وهو يتقافز طائراً من الفرحة بعد غياب في الجبهة، فرحة تجاوزت كل الحدود واخترقت كل القلوب من حوله في مشهد جعل من أمي التي حملت من الهموم أثقال تبتسم وتفرح ولكنها فرحة ناقصة، فرحة بحذر، فرحة تخشى أن تتحول إلى حزن وكابوس!، فما هذه الفرحة التي غمرت أبنها الأصغر لهذه الدرجة ! لاشك إنها الفرحة الأخيرة له، لاشك إنه يودعنا بهذه الضحكات والقفزات والعيون التي تتلألأ وتحكي عن حكاية فرحة عظيمة ربما قد تنبأ بها ، لكن.
ماسبب هذه الفرحة التاريخية في حياتنا؟!
أدري أنني جعلتكم في حيرة لمعرفة سبب هذه الفرحة مثلما كنا نحن في حيرة منها وقتها، لكن أخي قد أفشى لنا بسرها بصوته العالي وكلماته المتداركة التي يسابق في إخراجها حتى يصلنا الخبر سريعاً قائلا:ً "عدن ستتحرر، نحن سننتصر يا أمي، سنحرر عدن قريباً، خلااااص قرب النصر يا أمي، خلاص الإمارات دعمتنا وآلياتها وصلت ، الآن سنهزمهم وسنحرر عدن " ، إنها فرحة ملامسة تلك الآليات أرض عدن الطاهرة التي جعلته يكرر هذه الكلمات معلناً عن قرب موعد النصر الذي رآه يتجلى أمامه بهمته وزملائه ودعم التحالف وعلى رأسها الإمارات ....
فتح كيسه وأخرج منه بدلته العسكرية الجديدة التي وصلت أخيراً مع هذه الآليات وأخبر أمي أنه سيذهب ليغتسل ويغادرنا مرة أخرى لأمر ضروري جداً .. تمسك أمي على قلبها وتصبّر نفسها وتؤملها أنه خير فهي لاتعلم مايخبؤه القدر لصغيرها ، ولا تستطيع أن توقفه عنه فما كتبه الله له سيلقاه إينما كان..
وكعادته اغتسل وغير ملابسه وودع أمي للجبهة وربما لإجتماع هام ، لكن هذه المرة خرج والفرحة تملأ محياه.. خرج وتركنا في ترقب لما سيحصل في الساعات القادمة ..
مرت ساعات قليلة ليتصل بي في فجر يوم الـ27 من رمضان تحديداً حوالي الساعة الثالثة فجراً وهو يحدثني بنبرة هادئة " أختي أنا ذاهب الآن في هجوم وإن شاء الله سيكون الهجوم الأخير وسنحرر عدن .. سوف نقطع خط العريش وبذلك نقطع إمدادات الحوثي وسنحرر عدن بإذن الله ، أدعي لي وأخبري أمي وأبي أن يدعوان لي ، لاتقلقوا عليّ ولا تتصلوا بي فأنا سأغلق الجوال ولن أستطيع الرد عليكم لأني سأكون في هجوم " ظل يتحدث هكذا معي وأنا عاجزة عن الكلام لا أقول سوى الله يحميكم، الله ينصركم ، انتبهوا لأنفسكم ، أنهى المكالمة معي ودمع عيناي قد تمردت من قبل أن يودعني ، ظننتها وصيته الأخيرة، فبكيت وبكيت وبكيت وأنا أناجي ربي، لمّ كل هذا ياربي يحدث لنا، ماذنبنا ، ما الجرم الذي ارتكبناه حتى نعيش كل هذا العذاب والمعاناة، ماذنب شبابنا حتى يذهبون ويُقتلون هكذا؟! ربي انصرنا، ربي كن معنا، ربي أحمي شبابنا واعدهم لنا سالمين غانمين ..... ذهبت وأخبرت أمي وأنا أبكي فأظهرت قوتها وقالت:" استودعتك الله يا ابني، الله يحميكم وينصركم" فلم يكن بوسعها سوى الدعاء.
وتوجهت للسرير ككل يوم، لكن كانت عيناي قد أعلنت عن انتفاضة وقلبي قد تضامن معها فظللت أبكي وأدعي حتى سرقني النعاس لأصحو الساعة التاسعة صباحاً من يوم الـ27 من رمضان على أصوات ضخمة وصيحات وطلقات رصاص وتكبيرات مساجد ملئت الدنيا ضجيجاً ..
أنظر من النافذة فإذا بمدرعات الإمارات تدخل الجبهات القريبة منا وتصول وتجول والأهالي تحييهم وتكبر وتصيح عدن تنتصر .. كل الأطفال، كل الرجال يصرخون عدن تنتصر .. تكبيرات المساجد وطلقات الرصاص كأنه يوم العيد، لا وأي عيد هكذا! ، فأنا أشاهد تلك المشاهد الحية أمام عيناي وأسمع تلك الإحتفالات ودموعي تنهمر ، لم أصدق ما أعيشه لحظتها، شعرت أنني أطير من الفرحة كتلك التي كانت تغمر أخي في اليوم السابق، وكان بداخلي صرخة كبيرة كنت أريد إخراجها معلنة نصر عدن على تلك الجحافل الغازية .. سجدت لربي شكراً على هذا النصر العظيم الذي لم يكن أبداً مفاجئاً لنا كغيرنا من الناس بل عشناه ثانية بثانية بطعم العلقم الذي يسبق الطعم الحلو الذي استمتعنا به يومها ..
قمت أسجل أصوات الإحتفالات بمنطقتنا التي كانت أول منطقة تحتفل بالنصر في عدن نظراً لقربها من العريش وجبهة الصولبان التي كانت بداية النصر منها، وأسجل أصوات تكبيرات المساجد وأقوم بإرسالها لصديقاتي في جروبات الواتس ليشاركنني الفرحة الغامرة التي كنت اعيشها لحظتها ، فكنّ يسألنني " أين أنتي، لاتوجد أي إحتفالات عندنا!" ، وبعد ساعات قليلة الجميع يحتفل في كل عدن والمساجد تكبر معلنة الإنتصار العظيم الذي تمنيناه كثيراً،،
فالحمد لله دائماً وأبداً على هذه النعمة ، الحمد لله الذي استجاب دعواتنا ، ونصرنا على أعدائنا ولا حول ولا قوة إلا بالله ..