حماية الحريات ليست معركة الصحافة وحدها!

قرأت رسالة الفنان المسرحي البارع، سليمان بن عيسى، التي بعث بها إلى رئيس الجمهورية، يسأل عن مصير ابنه ”مهدي بن عيسى” مدير ”كا بي سي” المحبوس منذ أسابيع. قرأتها وتألمت لكل كلمة قالها، ليس فقط لأنه أب يحترق ألما لمصير فلذة كبده، وتجرع المرارة مثلما يتجرع دموعه كبرياء وحسرة على مصير بلد وليس فقط شاب من شبابها.


رسالة تحمل الكثير من الدروس، فهو لم يطلب شيئا من المرسل إليه، رئيس الجمهورية، وإنما يشرح وضع وآلام وطموحات أجيال من الشباب تصارع لتتخلص من العقليات البالية، وتحاول أن تجد لها مكانا في هذا العالم، الذي تغيرت مفاهيمه ونظرته للحياة، وتغيرت قيمه وأهدافه.


من المؤلم أن يسقط أمثال بن عيسى ورياض ونورة، خسائر جانبية، ويداسون في حلبة الصراع على الحكم، ومن المؤسف أن يوقف برنامج تلفزيوني ”مع كل مساوئه”، ليكون عبرة لكل من يتجرأ وينتقد الفساد والمفسدين وتزداد كل يوم دائرة الخناق ضيقا على الرقاب.

 

ويبدو أن الصحافة التي حاولت لسنوات سد الفراغ السياسي الذي كان من واجب الأحزاب والمجتمع المدني ملؤها وحدها تدفع اليوم الثمن، ثمن ”أخطائها” لما حاولت التخندق في صراعات لا تعنيها وثمن جرأتها لأنها رفعت السقف عاليا، سقف الحرية وسقف المطالب الديمقراطية، وحاولت أن ترفع المجتمع إلى مصاف المجتمعات المتقدمة، وتمارس رسالتها التوعوية، لأن لا ديمقراطية ولا تداول على السلطة ولا حماية لحقوق الإنسان، من دون مجتمع واع يعرف خياراته ويدافع عنها بشراسة.


فبعد تدجين الأحزاب، وإفراغها من دورها، وبعد دخول المجتمع المدني في لعبة التملق للسلطة بجعل الجمعيات ”محلات” تجارية للدعم والمساندة والتصفيق لكل السياسات، فضاعت الرسالة التي كان من واجبه أداءها.


معركة الإعلام اليوم في الجزائر وبعدما كانت السلطة تتفاخر أمام المجتمع الدولي بحرية التعبير في الجزائر، وبوجود صحافة جريئة مقارنة بما هي عليه البلدان العربية الأخرى، مصيرية وعليها يتوقف مصير البلاد كلها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فإما أن تحمى حرية الصحافة وحرية التعبير وإبعادها عن صراع الأجنحة، وأن تنأى هي الأخرى بنفسها بعيدا عن التخندق وخدمة الأطراف على حساب المصلحة العامة، وإما الإنكسار، وترك الساحة لكل من هب ودب، ويفقد الإعلام رسالته النبيلة بذلك، وهو ما بدأ يستفحل في الساحة الإعلامية في السنوات الأخيرة، والوضع مرشح إلى مزيد من الفوضى والدوس على أخلاقيات وقيم المهنة.
حماية حرية التعبير وحرية الصحافة المكسب الوحيد الذي بقي من مكاسب أكتوبر، مهمة الجميع وليست مهمة الصحفيين وحدهم، وكثير منهم غرق في مستنقع الفساد وقبل بتشويه المهنة، وعلى كل فئات المجتمع التجند لحماية هذه الحرية، وأحيانا حمايتها من بعض المنتسبين إليها قبل السلطة!

 

مقالات الكاتب