نهال.. لا تصدقيهم!

لا تصدقي يا نهال عندما يقولون لك إنهم لن ينسوك، فقد نسوا إبراهيم وهارون ونسوا شيماء وأنيس.. وغيرهم، بمجرد أن حَلّت قضايا ومآس أخرى على صفحات الجرائد. لا تصديقهم فوحدهما والديك سيبقيان يحملان ذبحة في صدرهما ما تبقى من حياتهما، سينسوا كلهم، لأنهم لم يعودوا يحملون صفات المجتمع المتماسك الرافض للظلم.


لا تخافي نهال، لن تكوني وحدك ضحية الوحوش البشرية، وشوارع الجزائر وحاراتها وبيوتها لم تعد آمنة للأبرياء مثلك، وأرضنا لم تعد تنبت الأبطال الذين يحاربون الفساد ويحاربون الظلم، فكلنا نعاني يوميا الظلم والضغينة ونظرة المجتمع الحاقدة على كل ما هو جميل.


لا تصدقيهم، عندما يرفعون صورتك على صدر صحفهم وشاشات التلفزيونات، فأنت ومثلك أبرياء آخرون مجرد أرقام ترفع من عائدات تجارتهم البائسة.


لقد وعدوا قبلك إبراهيم وهارون وأقسموا أغلظ الأيمان أن لا تسقط أرواحا أخرى ضحية حثالة المجتمع وما أكثرهم، وها هي أزهار أخرى تقتلع من أحضان عائلتها وتترك غصة لا تنطفئ في قلوبهم.
ربما فعلت قوات الأمن ما في وسعها لتعيدك حية إلى حضن والديك وحتى والدك لم يفقد الأمل حتى آخر لحظة مكذبا ما أسماه الادعاء بأن الرفاة التي عثر عليها هي لك، لكن حتى هؤلاء لا تصدقيهم، فهم هنا لحماية مصالح من يدفع رواتبهم، وهم معذورون، فقد خانهم هم أيضا المجتمع وهذا الشعب الذي تآمر بعضه عليهم أثناء الأزمة الأمنية، عندما كان يسمى كل من يقف في وجه داء الإرهاب طاغوتا، فبقي الشرخ واسعا بيننا. ومن هنا بدأ الداء، ومن هنا انتشرت الذئاب البشرية وسطنا، فلم يعد هناك من ينهي عن المنكر دون أن يعرض نفسه وأهله إلى خطر أكبر، وهكذا صارت الوحوش تسرح كيفما شاءت بيننا.


ربما صدقت والدتك مثلنا أن الأمن عاد إلى ربوع البلاد وأن الجزائر أصبحت واحة سلام، وأننا صرنا نغض البصر عن الجريمة المنظمة والوحوش البشرية غيرت من طريقة الأذى الذي تلحقه بالمجتمع، وغيرت أسلوب حربها من المجازر والحواجز المزيفة، إلى اختطاف الأطفال وقتلهم بعد التمثيل بأعراضهم واغتصابهم، وكل جرائم الإرهاب والاغتصاب والاختطاف بشعة، لكنها تكون أكثر بشاعة لما تكون الضحية ببراءتك.


أكيد أن والدتك لم تحذرك وهي تلبسك أجمل فساتينك وتتركك تلعبين أمام باب البيت من تلك الكلاب الضالة التي تعشق لحم الغزلان، وهي اليوم تعتصر ألما، لأنها ربما خافت أن ترعبك إذا حكت لك قصة الجميلة شيماء أو إبراهيم وهارون، وكانت تفضل قصص ليلى والذئب التي انتصرت خاتمتها على الذئب وقتلته، أو ثليجة البيضاء أو سندريلا، تلك القصص التي تنشر الأمل والحب في نفوس الأطفال، حيث ينتصر دائما الخير على الشر، يا ليتها فعلت

مقالات الكاتب