الحرب في اليمن تضرب حضور المرأة وتهدد تماسكها

عدن لنج/ خاص- مرام نوشاد

كانت المرأة في اليمن قبيل الحرب الأخيرة، بالكاد تخطو الخطوات الأولى نحو تسجيل  حضورها وسط معمعان نفوذ الرجل، والآن بعد حوالي أربع أعوام من بدء صراع دامي بين الحوثيين من جهة تدعمهم إيران، في مواجهة قوات يمنية محلية وفصائل شعبية يدعمها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية تراجعت قضية المرأة كثيرًا إلى الخلف. وتقدم هذه الحرب مثالًا دراماتيكيًا عن كيف أصبح دور المرأة هشًا في اليمن ويواجه الكثير من التحديات وتذهب الكلفة الأكثر من مخلفات الحرب صوب النساء، فبينما يتصارع الرجال بأسلحة داعميهم الإقليميين، تتلقى المرأة دفعة واحدة الكثير من المصاعب والمعاناة، ففي أسوأ الحالات تواجه تحديًا بالغًا يتعلق بالحفاظ على تماسكها وحضورها وتثبيت الحضور الأخير لها بغية عدم التراجع أكثر فأكثر.

ومن جانب كانت الحرب مشكلة كبيرة تهدد وجود المرأة، لأن دورها الذي لم يكن في الأساس فاعلًا ويتلقى الدعم من دوائر البلد الرسمية، أصبح الآن محاطًا بقائمة كبرى من المخاوف وأولها إن الحضور اللافت لقادة الحرب وأمراءها قد يسهم في غياب التركيز على المرأة لأنه في فترات مابعد الصراع وأثنائها يتلقى المحاربين الدعم كثيرًا من اللاعبين الفاعلين في الحرب بغية الإبقاء على أدوات نشطة لإعادة تحريك الصراع مجددًا وفي هذه الحالة يبدو إن المرأة  ليست خيارًا جيدًا حتى لأكثر المحايدين في الحرب.

كما إن حضور المرأة يواجه مشكلة أخرى تتعلق بمحاولات الإستقطاب للمرأة من جانب فريقي الصراع بغية كسب القاعدة الشعبية النسائية وتقديمها بشكل يفيد في عملية الترويج للمشروع السياسي لإحدى الطرفين. هذا الأمر أدى إلى إعادة تموضع لفريقين نسائيين مما أضر بشكل مباشر بتماسك القاعدة الشعبية النسائية التي تأثرت بإنعكاسات الدعم لقياداتها. ويمثل الحديث عن حقوق النساء خلال الصراع مسألة تفتقد للنقاش المنطقي لأنه حتى تلك الحقوق التي كانت في المتناول أصبح الحصول عليها ليس أمرًا سهلًا في ظل الحرب المستعرة هذا بالتوازي مع غياب الدور الفاعل للحكومة والجهات المسؤولة. قوى الحرب الفاعلة تسعى لتحجيم دور المرأة بما يخدم إستمرارية الصراع، لكن الأمر اللافت هنا هو أن عدد لا بأس به من الناشطات النسويات أصبحن ناشطات سياسيات وحقوقيات ما أدى إلى إضطلاعهن بأدوار إنسانية بعيدًا عن الدور المفترض إن يلعبنه لرفع مستوى حضور المرأة. وأفرزت الحرب في اليمن واقعًا صعبًا للمرأة، حيت باتت النساء يواجهن تحدي بالغ الصعوبة لإثبات جدارتهن في المشاركة والحصول على حقوقهن بما يتيحه الدين والقانون.

ومع إن الحرب والصراع السياسي الناتج عنها لا يعد خيارًا مقبولًا لدى النساء اليمنيات لكنهن في الإثناء يعتقدن إن الإنخراط فيه هو الخطوة الأولى لبدء الحديث عن حقوق فئات المجتمع لاسيما المرأة والاطفال والشباب لإن كل النقاط الأخيرة لن تنتج إلا بإنهاء الصراع الدائر والذي يحتاج للخوض فيه وإيجاد مساحة تقارب بين الأطراف المتصارعة، وتنظر المرأة للسياسة من عين القضايا الحقوقية، فهي ليست مشاركة فاعلة في الصراع، لأنها ليست قائد مليشيا ولا زعيم حزب ولا حتى عضو فاعل في الحكومة،ذلك إن تلك المناصب أصبحت حكرًا على الرجال مثلما إن فترة الحروب تبدو الفرصة الأنسب  لبروز قائمة طويلة من الرجال وهذا أدى إلى تغييب الحديث عن حقوق وواجبات المرأة.

ويقدم الكثير من السياسيين وحتى النشطاء المجتمعيين عبارة "هذا  ليس وقت النساء" في مناسبات كثيرة وهذا تعبير عن واقع حقيقي تجاه المرأة لا يرتبط فقط بفترة الحرب ولكنه يتعلق بقاعدة ثابتة يتم التعامل معها حتى في فترة السلام وهي تخدم ترحيل قضية المرأة في حالتي الحرب والسلم معًا. ومع إن الخلافات عميقةً بين الحوثيين والحكومة الشرعية المدعومة من الخليج إلا إن كِلا الطرفين يتفقان على مسألة تحجيم وتهميش دور المرأة، فالفريقين يمضيان معًا ضد حضور وظهور وحقوق وحرية حركة المرأة في المجتمع، بإعتبارها الحلقة الأضعف في الصراع. هذا الفتك بحضور المرأة في المجتمع سببه عدم وجود حركة قوية تحميهن كما إن مؤسسات المجتمع المدني لا تقوم بدورها في إبراز حقوق المرأة وحمايتها، ومن جانب آخر تبدو الحكومة غير قادرة على ضبط مسار إداراتها وتقديم الدعم أو حماية دور المرأة وبدأ هذا واضحًا خلال الثلاث السنوات الماضية. وتقدم الحرب مثالًا عن كيفية إزدهار العنف ضد الأقليات والفئات الأضعف لاسيما النساء، كما إن ثمة دليل يبرز إحتقار السلطة السياسية الذكورية لتواجد المرأة، تلك النسب الصادمة منذ 3 سنوات إلى الآن، في عدد تواجد النساء في المراكز السياسية المختلفة؛ لقد حاولت الحصول على عدد النساء المشاركات في السلطات السياسية المختلفة في اليمن خلال الفترة الأخيرة، وهذا تأكيد على حقيقة الحضور الضعيف، كما أنهُ يعكس عدم إحترام المرأة ولا الإعتراف بأهمية وجودها. وهذا يمثل تذكير ب 5 عقود مضت من تاريخ اليمن السياسي المعاصر الذي برزت فيه الكثير من الأسماء والوجوه السياسية الرصينة والمحترمة والقوية والقادرة على المشاركة، لكنهن جميعاً تراجعن إلى الوراء وتوارت أسماؤهن، وتم حضور القليل منهم وبشكل صوري، وهو أمر مؤسف ويدفع ثمنه المجتمع ككل.

وأفتقد اليمن خلال 3 سنوات حضور المرأة القوي في هذه المرحلة التاريخية والكارثية، كما إن  حضور النساء بدأ ضعيفًا جدًا وأقتصر من قبل الحكومة بتعيينات لزوجات واقارب الوزراء والمسؤولين، وهو امر يطيح برأس مشاركة المرأة بإعتباها جزء من الفساد، حيث يؤخذ على هذه الحكومة ثقل حقيبة الفساد والمحسوبية فيها.