#القاهرة تتهم إعلام #تركيا و #قطر بجر #مصر إلى الفوضى

عدن لنج /خاص

تحذر دوائر سياسية من أن الاحتجاجات المتفرقة التي تشهدها مصر، قد تأخذ صدى أكبر في ظل الضعف الذي طبع العملية الاتصالية للحكومة، والارتباك الواضح في أداء وسائل الإعلام خاصة الحكومية منها.


في المقابل يظهر من يقفون خلف تحريض الشارع قدرة كبيرة على التجييش، خاصة عبر الكتائب الإلكترونية التي تجندت طيلة اليومين الماضيين لنشر فيديوهات جلها تعود إلى سنوات مع إضافة تعديلات عليها، على مستوى الصوت، وتم بثها أيضا من فضائيات تتخذ من قطر وتركيا مقرا لها، ما يكرس وجود عمل ممنهج لضرب الدولة المصرية وركيزتها الأساسية القوات المسلحة.


وفي أول تعليق على الأحداث التي جرت الجمعة وتجددت ليل السبت الأحد في السويس شرقي البلاد أعرب وزير الخارجية، سامح شكري، عن استنكاره لتحريض وسائل إعلام “تركية وقطرية” ضد الدولة المصرية ودعوتها للمشاركة في مظاهرات “داعمة للفوضى”.


وأكد شكري من نيويورك، حيث يحضر ضمن الوفد الذي يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسي اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن “دعاوى التحريض مرفوضة وستذهب هباء”. وأضاف أن هذا “التحريض لن يلقى أي استجابة داخل مصر”، معتبرا أنه “ينم عن حقد دفين لكل ما أنجزته مصر خلال الـ5 سنوات الماضية”.ولفت الوزير إلى أنه تواصل مع عدد من وسائل الإعلام خلال تواجده في نيويورك للرد على ما روجته فضائيات بوجود تظاهرات في مصر، موضحا أنه “طالب القنوات بتصوير الأحداث على أرض الواقع”.


من جهتها دعت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية، في وقت سابق، لعدم الاستناد إلى منصات التواصل كمصادر للأخبار والتقارير خشية “الانفلات والفوضى وتزييف الحسابات والفبركة”.


وبدأت عملية التجييش ضد الدولة المصرية قبل أسابيع مع نشر مقاول، يدعى محمد علي من إسبانيا، فيديوهات اتهم فيها قيادات في المؤسسة العسكرية المصرية بالفساد، رد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر شبابي قبل أسبوعين رغم تحفظات مستشارين له على ذلك، خشية أن يتم جر الدولة إلى ما تريده الأطراف التي تقف خلف الحراك، وهو ما جرى فعلا.


ويعتقد كثيرون أن اختيار توقيت تحريك الاحتجاجات التي حصلت مساء الجمعة في أكثر من منطقة، وبشكل متزامن، كان مدروسا، خاصة وأنه ترافق مع توجه السيسي إلى الولايات المتحدة وبدا أن الهدف يكمن في إحراجه أمام قادة العالم المشاركين في الجمعية العمومية، إلى جانب كسر حاجز الخوف.


وقال مصدر أمني لـ“العرب” إن الفيديوهات التي انفجرت على مواقع التواصل غير منقطعة الصلة بلقاءات السيسي في نيويورك، والهدف من بث هذه الفيديوهات في توقيتات متقاربة هو “الإيحاء بأن الرئيس المصري غير مقبول من شعبه، وبالتالي إحراج الرئيس دونالد ترامب وغيره من زعماء العالم في التضامن مع رؤيته في بعض الملفات”.


وأضاف أن التسخين السياسي والإعلامي والحض على التظاهر لم يكن هدفهما العاجل إزاحة السيسي من السلطة، بل خروج متظاهرين، بصرف النظر عن عددهم، في شوارع وميادين رئيسية واستفزاز أجهزة الأمن للصدام معهم ووقوع ضحايا وتوظيف صور الدماء في شن حملة جديدة ضد النظام المصري في مجال التضييق على الحريات وحقوق الإنسان.
وتجددت ليل السبت الأحد احتجاجات متفرقة وسط السويس، تصدت لها قوات الأمن التي كانت منتشرة بكثافة. وقال متظاهر يبلغ من العمر 26 عامًا لوكالة فرانس برس “كان هناك نحو 200 شخص”. وأضاف، طالبا عدم كشف هويته، أن قوات الأمن “أطلقت الغاز المسيل للدموع ورصاصا مطاطيا وذخيرة حية. هناك جرحى”.


وكانت قوات الأمن المصرية قد انتشرت السبت على أطراف ميدان التحرير وسط القاهرة غداة تظاهرات الجمعة.


وتخضع التظاهرات في مصر لقيود شديدة بموجب قانون صدر في نوفمبر 2013 بعد عزل الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي على خلفية احتجاجات غير مسبوقة على حكمه.

كما فرضت حال الطوارئ منذ 2017 وما زالت سارية إلى اليوم.


وقالت مصادر أمنية لوكالة فرانس برس إن 74 شخصا على الأقل اعتُقلوا ليل الجمعة السبت، في حين كانت دوريات لعناصر الشرطة بلباس مدني تجوب الشوارع في وسط العاصمة المصرية.


واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، جهاد عودة، أن توقيت دعوات التظاهر يهدف إلى ضغط على النظام المصري لتنحيته عن الانخراط في قضايا إقليمية رئيسية، ودفعه إلى القبول بتسويات رفضها صراحة وتتعلق بالسيادة الوطنية، وهو أمر تكرر مع رؤساء سابقين لمصر، ولم يرضخوا له.


وأشار لـ“العرب” إلى أن التظاهرات يمكن قراءتها في سياق رغبة القاهرة في القيام بأدوار عربية أكثر فعالية من قبل ولها هامش مستقل عن إرادة بعض القوى العالمية التي تتمسك بقواعد اللعبة في المنطقة حسب منطقها، كل ذلك يأتي في خضم عمليات للبناء الداخلي شملت مجالات حيوية أزعجت مكونات مهمة في النظام الدولي.


وشدد عودة على أن حديث التظاهرات السياسية يتم توظيفه بغلاف من المشكلات الداخلية الحقيقية، لكن في إطار تآمري يدعو إلى إسقاط النظام والتحشيد الشعبي ضده وليس إلى محاولة إصلاح سياسي.


ورغم وجود مؤشرات عدة على أن دعوات التظاهر لم تكن بريئة وأن هناك جهات خارجية دفعت لها، بيد أنه لا يمكن تجاهل وجود مبررات توظفها تلك القوى للنيل من الدولة المصرية، لعل في مقدمتها تشديد الحكومة الضغوط على القوى الحية والتضييق الكبير على المعارضين السياسيين والحقوقيين، بدعوى التحديات الأمنية التي تواجه مصر والتي لم تعد محل اقتناع من قبل المواطن المصري. وينتقد كثيرون الخيارات الاقتصادية للحكومة التي تنحو صوب إنشاء مشاريع قومية تحتاج سنوات لتبيان أثرها، فيما المواطن المصري يعاني ظروفا جد صعبة نتيجة غلاء الأسعار.


وفرضت حكومة السيسي إجراءات تقشّفية صارمة في 2016 في إطار قروض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى تزايد الاستياء بسبب التضخم وما قاده إلى اترفاع جنوني في الأسعار. ويعيش حوالي واحد من كل ثلاثة مصريين تحت خط الفقر بأقل من 1,40 دولار يوميا، بحسب أرقام رسمية نشرت في يوليو الماضي.


ويقول المحللون إن على الدولة المصرية إعادة النظر في سياساتها من خلال التعجيل في القيام بإصلاح سياسي حقيقي، ووقف التضييق على المنتقدين وفتح حوار حقيقي مع القوى الحية بشأن سياسة اقتصادية تخفف الضغط على المواطن، لافتين إلى أن تجاهل ذلك سيعني الإبقاء على الثغرات التي يلج من خلالها المتربصون بالبلاد.


واعترفت قناة الجزيرة ووسائل إعلام أخرى ببث صور ومقاطع فيديو لمشاهد قديمة، بعد أن كشف ناشطون على مواقع التواصل ألاعيب تضخيم أعداد المتظاهرين وتكرارها في أماكن متباينة، كدليل على حدوث احتجاجات في أقاليم مختلفة.


ويرى كثيرون أن شبكة الجزيرة لم يكن هدفها من الاعتراف بالخطأ الحفاظ على مهنية مشكوك فيها أصلا، لكنها لم تجد أمامها مفرا، كأداة للحصول على مصداقية مخادعة وتتمكن من مواصلة دورها، لأن قطاعا من المشاهدين في مصر التفوا حولها مرة أخرى ركضا وراء الإثارة التي تتعمدها في تغطية شؤونهم المحلية، بما يشير إلى أن هناك فصولا تنتظر القاهرة مع جهات تريد عرقلتها سياسيا.


أكد أستاذ الصحافة بالجامعة البريطانية في القاهرة، أسامة السعيد لـ “العرب”، أن المسألة تتعلق بـ”محاولة إعادة الثقة المفقودة بين الجزيرة والمصريين للتأثير في الرأي العام، خاصة مع ازدياد الأحداث سخونة واندلاع تظاهرات في المستقبل”.