تفاصيل الحياة الجهادية للشهيد (علي عبد الله مدهش الحوشبي)

عدن لنج /محمد عقابي
 
ترعرع الشهيد علي عبد الله مدهش احمد مانع الحوشبي (تيشو) في كنف أسرة مناضلة في قرية دجران بالمسيمير الحواشب محافظة لحج فابن جده شهيد الثورة التحررية البطل عبد الصفي علي احمد مانع شقيق قائد قطاع الحزام الأمني بالمسيمير القائد محمد علي الحوشبي، وأبن خالته سمير حنش شهيداً آخر من شهداء المقاومة الجنوبية التي نشبت لإجتثاث ملكوت الحوثي واعوانه، عاشت أسرة الشهيد علي عبد الله مدهش ظروفاً صعبة وعمل هو الى جانب أبيه منذ نعومة أظفاره على مساعدة الأسرة في توفير اسباب الحياة، فكان يقوم بعدة مهام منها رعي الأغنام وزراعة الأرض او الذهاب مع والده الى مناطق اخرى للعمل هناك وكسب لقمة العيش الحلال، تلقى الشهيد علي عبد الله مدهش مانع تعليمه الإبتدائي في مدرسة الشهيد عباس رضوان بمدينة المسيمير، ورغم بُعد الطريق وطول السفر إلا أنه كان يدرس في الصباح ويساعد أسرته بعد الظهر قاطعاً مسافة متباعدة ومترامية الأطراف هي تفصل بين قريته وموقع المدرسة قبل ان تنتقل اسرة للإقامة في عاصمة المديرية.
 
الظروف الصعبة والحياة القاسية لم تكبل المجاهد البطل علي او تقيده وتمزق أحلامه، فقد كان طموحاً ومتفائلاً وحالماً بغد افضل وبمستقبل مشرق ينجيه من مصاعب ومتاعب الحياة وأوجاعها المختلفة.
 
الظروف المعيشية والمادية التي مر بها بالإضافة الى الأوضاع السياسية والإقتصادية وحالات الغلاء الفاحش والفساد المستشري في البلد وقفت عائق امام حلم هذا البطل في مواصلة مشواره الدراسي، فقد واجه معوقات كثيرة في طريقه نحو المستقبل لكنه لم يهزم أمامها وصمد صمود الجبال التي ترعرع فيها واكتسب منها صفات الشدة والتجلد مستعيناً بالله ثم بصموده وكفاحه على قهر المحال لكن الظروف المادية غلبته في الأخير وكسرت إرادته التواقه للبحث عن مستقبل افضل.
 
الشهيد علي عبد الله مدهش احمد مانع يتمتع بعزة نفسه وأخلاق عالية وتواضع جم، ورغم صغر سنه والظروف القاسية التي واجهها إلا أنه أفنى حياته بشموخ وإباء لا يعرف منه رفاقه وأهله إلا الإبتسامة والكلام الطيب حتى في أصعب واشد المواقف.
 
كرس هذا البطل معظم سنين عمره باذلاً الجهد في سبيل تأمين حاجيات أسرته ولم ينحني قط لظروف ومتاعب الحياة بعكس الكثيرين الذين سقطوا في طوق الحصار وعدم المقاومة واعلنوا الإستسلام للقهر والمذلة.
 
*مرحلة الكفاح المسلح والجهاد في سبيل الله*
 
حينما شنت مليشيات الحوثي الحرب على الجنوب التحق البطل علي عبد الله مدهش بصفوف المقاومة الجنوبية وهو لم يبلغ عمره الـ 17عاماً ليلبي نداء الواجب ويهب هبة العظماء لنصرة الأرض والعرض والدين، ساهم هذا البطل اسهاماً كبيراً في صناعة النصر وتحرير جبهة المسيمير من دنس الغزاة المحتلين كثاني منطقة جنوبية يعلن تحريرها ويذاع ذلك الخبر في بيان رسمي عبر وسائل إعلام دولية، وكان من المشاركين في ثورة الجنوب التحررية منذ انطلاقتها وعمل أكثر من عمل وتواجد في كل مكان، وطوال هذه الفترة النضالية حظي بحب واحترام جميع الناس نظير تعاونه وبساطته معهم ومساعيه الطيبة في خدمتهم ومساعدتهم داخل المديرية وخارجها، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وانتصرت المسيمير في العام 2015م، ساهم مع قادة وأفراد المقاومة وفي مقدمتهم القائد محمد علي الحوشبي لكونه بعتبر احد افراده في تطبيع الحياة والدفاع عن منجزات الثوار والتحق بالسلك العسكري في لواء المحضار المرابط بالمخاء ولحنكته القيادية وأمانته ومصداقيته واخلاصه في العمل حظي بإهتمام وتقدير القيادة حيث اصدر القائد محمد عبد الله علي الرباكي الحوشبي قراراً يقضي بتكليفه قائداً لإحدى سرايا الكتيبة العسكرية التي يقودها القائد محمد عبد الله الرباكي، ليظل بعدها باذلاً وقته وطاقاته في سبيل الوطن والذود عن مكتسباته.
 
*المحطة الأخيرة من حياة هذا البطل*
 
حينما حاولت مليشيات الحوثي العودة نحو كيلو 16 بمحافظة الحديدة الذي جرى تحريره في وقت سابق من العام 2019م، تداعى ابطال كتيبة القائد محمد عبد الله علي الرباكي وانطلقوا إلى مكان المواجهة لحماية هذه المنطقة وكسر التوغل الحوثي وكان من بين اولئك الرجال هذا المقاوم الجسور والقائد الفذ الذي ودع أمه وأبيه واخوانه تاركاً لهم وعد مرهون بحكم القدر بأنه سوف يعود قريباً ويحضر لهم متطلبات الحياة، كانت المعارك تشتعل يوماً بعد آخر في ذلك المحور، وكان علي مدهش يشاطر رفاقه روحية المقاومة والصمود والثبات، وظل معهم كما كان في السابق يشاهد وقوع القذائف على مقربة دون خوف او فزع ويستنشق البارود الذي يثير ويحفز حفيظة حماسه المتقد، تمكن برفقة الرجال الأبطال اولئك الملتحفون للسماء والمفترشون للأرض المتكئون على أسلحتهم ومتارسهم وأحلامهم الثورية ثابتين ثبوت الرواسي ومحافظين على ما احرزوه من انتصارات ونجاحات في هذه الجبهة، وفي منتصف ليلة كئيبة وحزينة وغادرة زفت روح المقاوم والقائد البطل الشاب المقدام علي عبد الله مدهش احمد مانع الحوشبي إلى السماء شهيداً مدافعاً عن الأرض والعرض والكرامة والعزة والدين من مليشيات حوثية مجوسية إيرانية رافضية شيعية عاثت في الأرض فساداً وتسعى لتدمير كل شيء جميل في هذه الحياة.
 
القائد محمد عبد الله علي الرباكي رفيق درب الشهيد تحدث بأن علي مدهش كان من اشجع وانبل واوفى واخلص الرجال وأكثرهم نشاطا وإقداماً والتزاماً بالصلاة والصيام، فرغم ظروف الحرب والحرارة والتعب والإرهاق إلا أن الشهيد كان ذو استقامة واخلاق عالية ومؤدي لحقوق والديه واسرته ووطنه ودينه.
 
وأضاف القائد الرباكي : تعرض الشهيد البطل علي عبد الله مدهش لعيار ناري اطلقه قناص حوثي عندما كان الشهيد يؤدي واجبه الوطني والعسكري في مقاومة هذه العصابات الإجرامية وقد حصل هذا الموقف الرهيب وقت كان لدي مهمة عسكرية اقوم بتنفيذها بهدف تعزيز المقاتلين بهذه الجبهة، وكان اصعب موقف يمر عليا في حياتي هو سماعي لنبأ استشهاد هذا الأخ والصديق والبطل المغوار الذي كسرت وانا أراه جثة هامدة بلا روح، لكن نحتسبه شهيداً عند الله، فقد عاش ومات وهو ثابتاً على قيم ومبادئ مثلى لا نظير لها، فرحمة الله تغشاك ايها الأخ والصديق العزيز ونسأل الله ان يسكنك جنات النعيم ويكرم مثواك ويجعلك برفقة الشهداء والصديقين والصالحين ومن زمرة عباده المتقين، اللهم آميين، فهو من تمنى الشهادة ونالها وهو ثابتاً ومجاهداً على مبادئه.
 
*ثبات في المتارس وشجاعة عند المواجهة*
 
كان الشهيد علي عبد الله مدهش احمد مانع باراً بوالديه كثير السؤال عنهم والتواصل معهم، مهتماً بأسرته ويحاول إرضاءهم وكسب ودهم وإسعادهم بما استطاع وتعويضهم عن سنوات الفقر والألم والمشقة، وهذا ما أكده أخوه الأكبر المقاوم فضل عبد الله مدهش احمد مانع حيث قال : كنت في المسيمير وكانت الجبهات تشتعل منذ الفجر في جبهة الساحل الغربي التي يتواجد فيها اخي الشهيد علي، كانت أمي تتواصل معه بواسطة هاتفي، وكانت تتصل فيه بين الفينة والأخرى وكان يطمئنها بان لا تخاف عليه، ولكن قلبها لم يطمئن رغم أنه كان يبين لها بأنه بخير وصحة وعافية والأمور طيبة، لكنها كانت خائفة عليه بشكل غير طبيعي في ذلك اليوم.
 
واضاف : في يوم استشهاده أكمل علي الحديث مع أمي ثم كلم كريماته، وكنت حينها متعباً من السهر فقررت ان انام وكانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشر والنصف ليلاً فذهبت واستلقيت على سريري لكي انام، لم تمر سوى أقل من نصف ساعة حتى سمعت صوت الأخ امين الحكيم يناديني ويطرق باب منزلي بقوة طالباً مني الخروج كي يخبرني بخبر، فهرعت مهرولاً اليه مجيباً سائلاً الله بان اسمع خبر فيه خير رغم ان داعي هذا الوقت المتأخر قد لا يحمل بشرى خير، خرجت اليه فتمتم لي بلغة مكسورة وجرني الى مكان يبعد عن مسامع والدتي التي استيقظت بفعل شدة طرق الباب، واخبرني بالقول ( فضل عظم الله أجرك، علي استشهد علينا قبل قليل بعيار ناري اطلقه عليه قناص حوثي، تحمد لله والبقية في عمرك)، لم أستوعب هول الخبر، مر أمامي شقيقي علي وكلماته وذكرياته كلها، تمنيت أي مكروه إلا رحيل اخي الغالي علي، كان الموقف صعباً جداً وكانت كلماته قاسية وحزينة، ولكني تمالكت نفسي وتواصلت مع رفاقي وتواصلنا مع الوالد الذي كان حينها يتواجد في جبهة اخرى وتحركنا واجرينا المعاملات لإخراج جثمانه ونقله إلى ثلاجة المستشفى تمهيداً لإيصاله الى المسيمير.
 
واختتم حديثه : رغم أن رحيل علي شكل صدمة كبيرة وصفعة قوية وجرحاً غائراً إلا أننا مؤمنون بقضاء الله وقدره وقد سبقنا أخي ونال الشهادة، علي مات بكرامة ورجولة وكان في الصفوف الأمامية، مجاهداً مغواراً ومقداماً، شجاعاً لا يهاب الموت، رحل شهيدنا من أجل قضية استشهد لأجلها وجرح آلاف الرجال، فنحن ابناء الجنوب كلنا مشروع شهادة ولن نتخلى عن درب الشهداء، سنظل ثابتين في متارسنا متمسكين بمبادئنا حتى ننال الحياة الكريمة او نلحق بركب هؤلاء الميامين شامخين بالإنفه والكبرياء والعزة والكرامة.