شكل الإحتلال الإيراني للعربية اليمنية

عدن لنج /محمد عقابي
 
ترزح العربية اليمنية اليوم تحت وطأة إحتلال أدهى وأعنف من الإحتلال العسكري، إذ أنه لا يستهدف الأرض، ولا نظام الدولة، بقدر ما هو إحتلال من نوع آخر، يستهدف جوهر الإنسان والمنظومة الفكرية والبنية التحتية للعقل البشري، إنه إحتلال ينخر بالمنظومة الأساسية لصناعة الحياة وفق الدستور الإلهي، إنه احتلال لب الإنسان وفؤاده "العقل" وهذا النوع من الإحتلال يعد أخطر الممارسات الإستعمارية لتجهيل الآخر، فهو ليس له نهاية لأنه ليس له وجود عسكري بل وجوده مفاهيمي وإيديولوجي، فنهايته تستدعي ثورة فكرية ثقافية كبرى توجه الى أساسيات العقل، ثورة تهز الثوابت والقيم الزائفة والراكدة والمقدسة، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى ممارسة دائمة، فهذا النوع من الإحتلال طويل الأمد لا يمكن التخلص منه بسهولة لأنه إستعمار نفسي يستند إلى مواثيق دينية وعقائدية أصبحت مع شديد الأسف لا تمس، وتحولت إلى مقدسات صعبة الإختراق.
 
 
 
 
فقدت العقول في العربية اليمنية خلال 5 اعوام ونيف الكثير من فرص التقدم والتطور لأنها طيلة هذه المدة لم تجد الفرصة لتحصيل الثقافة والوعي بسبب كثرة تزييف الحقائق والتزوير والتعبئة المذهبية والتحريض الطائفي الذي قامت بها الجماعة الإيرانية "الحوثي" التي غرست الفكرة السلالية الإيرانيه وجعلت من ذلك الشعب مجرد مسخ يعيش حالة من التوهان والأفتقار للوعي الثقافي والسياسي والديني، وفرضت عليه حصاراً محكماً وصادرة إرادته وجعلته لا يفكر سوى في الحصول على لقمة العيش، هذه الظروف ساعدت على سلب نباهته الإنسانية والدينية والإجتماعية وسهلت من طرق إختراقه، وأصبح هذا الشعب  لا يرى لنفسه مسؤولية بالنسبة لتقرير مصيره ومصير مجتمعه ويتحول الى شعب يدين بالولاء والتبعية بصورة كاملة لملألي طهران.
 
 
 
وقد استفادت جماعة الحوثي الإيرانية من انكفاء العقل في العربية اليمنية على ذاته في بسط سطوته واستعماره واستغفاله لسنين طويلة كانت عجافاً فعمل على تسويف العقل اليمني وجعله مصبوباً في قوالب الفكر الشيعي والطائفي، فأحدث فيه تغييرات عميقة في بنيته وأدوات تحليله وطريقة إنتاجه الفكري والمعرفي والذي وضع مواصفات تخدم ولأية الفقيه وخطابها التغييبي الذي يرى أن حكم من يتدخل بالسياسة هو الإعدام، مما جعل العقل اليمني لا يفكر ولو للحظة واحدة في إنتاج نص سياسي يشم منه رائحة نقد هذه الجماعة السلالية المارقة فضلاً عن التفكير في إيجاد تجمع مناهض لعقيدتها الفاسدة.
 
 
 
 
إن الظروف الدكتاتورية التي فرضها عبد الملك الحوثي على هذا الشعب أنتجت عقلاً خائفاً مترقباً حذراً يسير في طريقه، ولا يلتفت إلى واقعه المأساوي، والذي بدوره أعطى الضوء الأخضر لهذا الرجل وجماعته لتمرير مؤامراتهم وسلب حقوق هذا الشعب وقتل رموزه السياسية والعسكرية والفكرية والدينية وإخضاعه إلى نواميس وقوانين "الجماعة" المخالفة لحقوق البشر.
 
 
 
 
هذه الحالة التي وصل إليها العقل البشري في العربية اليمنية قد أعطت مؤشراً للمستعمر الإيراني في استغلالها وتوظيفها في خدمة مخططاته الإستعمارية، لأن الإستعمار دائما يدرس الواقع النفسي والإجتماعي للشعب الذي يريد استعماره ليرسم من خلالهما السياسة العامة لتمرير غاياته وأهدافه المشؤمة.
 
 
 
 
إن مشروع استعمار العقول تجلى واضحاً على عقلية الشعب اليمني المغلوب على أمره منذ تاسيس هذه الجماعة عام 2004م، حيث أخضع بعدها سنوات لأقسى حصار في التاريخ وضخ الدعايات المستمرة أن النظام الحاكم هو المتسبب في الحصار والجوع والمرض والفقر، حتى وصل اليمنيون إلى مرحلة أستسلام نهائي قبل إطلاق طلقة واحدة باتجاههم، ومع اندلاع ثورة ما تسمى بالتغيير في هذا البلد كانت الأغلبية تعتقد بأن أي احتلال من أي قوة أجنبية أفضل مما هم فيه فربما تنفرج الأمور بوجودهم ربما يرون الضوء في نهاية النفق، هذه النتيجة غير الطبيعية لغريزة البشر وكل الكائنات الأخرى "مقاومة العدو الغازي لموطنك" تم تغييرها بالتطويع وغسيل الأدمغة بواسطة اعضاء هذه الحركة وما نراه اليوم من عدم الإكتراث والتفكير في واقع المجتمع والمستعمر الطائفي والعسكري والإقتصادي والثقافي والسياسي والمذهبي جاثم على صدر شعب هذه الدولة ينهش به جسدياً ودينياً وفكرياً ويتغلغل في كل مفاصله حتى وصل الحال الى تجهيل هذا الشعب وتخديره وسلب الإرادة والنباهة الإجتماعية والأخلاقية منه وبث السموم الجهوية في كل ارجائه.
 
 
 
 
يوظف الحركة الحوثية المدعومة من إيران الإعلام وعملاؤها وأذنابها لتنفيذ المخطط الرامي الى الإستمرار في المؤامرة والسياسات الهادفة لإخراج عقول ابناء العربية اليمنية من دائرة الوعي السياسي والديني والإجتماعي والثقافي السليم تجاه افكاره وثقافاته وعقيدته الصحيحة مستخدماً كل قنواته الإعلامية والثقافية كما يفعل اليوم لصناعة عقل ضلالي متميع وبالتالي ينتج أمة ميتة همها لقمة العيش مهما كان مصدرها ولا تعي او تدرك حجم ما يحاك عليها، والنقطة الأساسية هنا إن هذا الأنقياد والتوجه للإستعمار والإنقلاب الفكري يحصل بشكل لا شعوري للفرد في هذا البلد ذات النمط القبلي لأن طبيعته توهم المقابل بجمالها وصحتها فنجد الكثير ممن ينجرف مع المخطط الإيراني الإستعماري لإحتلال العقول بسبب بساطة عقولهم وبالتالي يصبحون أدواتاً وأبواقا للمستعمر من حيث لا يشعرون.
 
 
 
 
إن الإستعمار هو الذي يدفع المجتمعات المستعمرة إلى طريق الإنحدار الحضاري والتخلف في المستوى الثقافي والإجتماعي، وبالتالي عدم مواكبة التطور الحضاري الذي تشهده المجتمعات الأخرى المتقدمة اليوم، وهذا ما يفسر لنا عدم تطور هذا البلد الذي تستحوذ على قراره دوماً وابدى العصابات المسلحة او الجماعات الكهنوتية والسلالية مما يجعل منه شعباً يهرول إلى الوراء بعكس شعوب المعمورة التي تتقدم الى الأمام، وبالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية والنفسية فأن هذا الشعب قد تعود على حياة الذل وحكم الدكتاتوريات طوال قرون ماضية من الزمن، وصولاً الى دكتاتورية الحوثي الذي مازال هذا الشعب يعيش مأساته إلى يومنا، ويقف موقف المتفرج امام ما يقوم به من قتل لصور الحياة والوعي والثقافة ونظام الدولة السياسي والعقيدة الدينية السليمة.
 
 
 
 
إن جميع تصورات وقناعات العقل المحتل جاءت نتيجة لضمور عامل الوعي الديني والسياسي وإندثار مفاهيم الثورة المعرفية والثقافية ورفض الظلم، ومن هنا أصبح العقل المحتل عقلاً تبدو عليه الروح الإنهزامية البلهاء، ويحوي فكراً تبريرياً للمستعمر وسياساته، فهو لا يرى أملاً في الخلاص سوى بالإحتلال نتيجة لإستسلام عقله وجعله طوعاً بيد المستعمر، ويميل إلى فقد الثقة بالنفس ويتجاهل ذاته معداً نفسه خاملاً في المجتمع، فهو فاقد الإرادة والعزيمة على التغيير حتى مع نفسه، لذلك نجده منزوياً مستغرقاً في حسه الفئوي والفردي، رافضاً الخطابات النهضوية والتغييرية حيث يراها خطابات تحريضية على العنف والفوضى، ويتجه نحو السكون والركود والرضا بالقدر المحتوم، هذه هي ببساطة توجهات العقل المحتل التي يمكن للفرد أن يكتشفها بمجرد الحوار معه حول ما يحدث اليوم في العربية اليمنية بعد انقضاء ما يقارب الخمسة الأعوام، والمشكلة أن هذا العقل يزداد تطرفاً في تصوراته لمشروع الإحتلال وكلما حدثت أزمة لديه سواء كانت أزمة سياسية أو اقتصادية او عسكرية يوجه اصابع الإتهام لمن يقف الى جانبه ويدعمه ويسنده ويريد انتشاله من وضعه الراهن المزري.
 
 
 
 
لذا نرى ان شعب العربية اليمنية بحاجة اليوم إلى عملية تحرير العقل من الاستعمار الفارسي المذهبي المقيت بمعنى أنه يجب أولاً أن يعلن ابناء هذا البلد الجهاد على العقل لتحريره من الهيمنة الحوثية الإيرانية المذهبية الطائفية، لأن احتلال العقل يعني موت الإرادة، وموت الإرادة يعني استمرار الإحتلال وتمرير المشاريع والمخططات، اذن فحركة التحرير النهائية تبدأ من الداخل وتتجه نحو الخارج، بثورة فكرية تحاكي العقل الميت وتهز فيه القيم الزائفة التي أوجدها هذا المحتل الغاشم، ثورة تهز ضمير شعب العربية اليمنية  المهزوم فكرياً وثقافياً وعقائدياً واجتماعياً وتمزق الصمت المرير الذي ابتلي به العقل اليمني جراء وجود هذه الحركة الطائفية بين اوساطه، وتبث فيه روح الثورة الفكرية وروح المعرفة الحقيقية وروح تقبل التحرر من عبودية الجهل، واضطهاد الضمير.