الأقتصاد العالمي على مشارف الإنهيار بسبب كورونا

عدن لنج /محمد عقابي
 
يعيش العالم هذه الإيام على صفيح ساخن خاصة منذ أن أعلنت الصين أوائل يناير الماضي وفاة عدد من مواطنيها نتيجة إصابتهم بفيروس غامض آخذ في الإنتشار بسرعة بين سكان مدينة ووهان الذين يزيد عددهم على 11 مليون نسمة.
 
 
 
وأصيب الإقتصاد العالمي بحالة من الذعر من احتمال خروج الأمر عن نطاق السيطرة مما قد يؤدي إلى تعطيل عجلتي الإنتاج والإستهلاك في أكبر دول العالم اكتظاظاً بالسكان.
 
 
 
هذه الأزمة التي القت بظلالها على العالم دفعت كبرى الشركات العالمية إلى اتخاذ إجراءات احترازية سريعة آملاً في ألا يطول الأمر، وتستعد شركة "أبل" حالياً للبحث عن بديل لسلاسل التوريد الخاصة بها في الصين، بينما قام مصنع الأثاث "أيكيا" بإغلاق كافة متاجره الثلاثين هناك بعد أن منح 4 آلاف موظف إجازة مدفوعة الأجر.
 
 
 
هذا وكانت شركة "ستاربكس" قد اغلقت نصف متاجرها في الصين والبالغ عددها أكثر من 4 آلاف متجر، ومطلع هذا الأسبوع أوقفت الخطوط الجوية البريطانية والخطوط الجوية الكندية جميع رحلاتها إلى الصين، بينما قامت العديد من شركات الطيران العالمية بتخفيض عدد رحلاتها إلى الدولة الآسيوية التي أصبحت في غضون أيام دولة منبوذة على مستوى العالم.
 
 
 
كما أغلقت آلاف المصانع في الصين أبوابها مؤقتاً وتم تعطيل خطوط إنتاج ومنافذ بيع بالتجزئة وطلب من السكان في مدينة ووهان تحديداً أن يلزموا بيوتهم وهو ما أدى إلى تعطيل عمل كبرى شركات السيارات العالمية التي تمتلك مصانع في المدينة مثل جنرال موتورز ونيسان وفورد وهوندا.
 
 
 
وبلغ عدد المصابين بالفيروس التاجي الغامض (كورونا) في الصين وحدها خلال الإيام الأولى من فبراير ما يقرب من 14000 مصاب توفي أكثر من 300 منهم، ويبدو أن الفيروس آخذ في الإنتشار بوتيرة متسارعة  وبمتواليه هندسيه رغم الإجراءات المشددة التي تتخذها السلطات الصينية وعمليات الحجر التي تتبعها.
 
 
 
وفي محاولة لإبطاء وتيرة انتشاره من أجل تسهيل السيطرة عليه قامت السلطات الصينية بتمديد أجل العطلة الوطنية للبلاد إلى منتصف فبراير الجاري ووضعت قيوداً على حركة النقل البري الجوي وأغلقت 16 مدينة على 55 مليون من سكانها والذين وجدوا أنفسهم فجأة محاصرين فيما يشبه الحجر الصحي.
 
 
 
من جهتها أعلنت 14 مقاطعة ومدينة صينية تمثل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي الصيني فضلاً عن 78% من صادرات البلاد أن الشركات والمصانع الموجودة بها قد تؤجل استئناف عملياتها لمدة أسبوع آخر عقب نهاية الإجازة السنوية التي كان من المقرر أن تنتهي في الثلاثين من يناير الفائت، وهذه المدن والمقاطعات الأربعة عشرة مسؤولة عن 90% من عمليات صهر النحاس في الصين و 60% على الأقل من إنتاج الصلب و65% من أنشطة تكرير النفط و 40% من إنتاج الفحم.
 
 
 
ولا تقتصر أهمية الصين بالنسبة للعالم على إنتاجها الصناعي فقط فالمستهلكون الصينيون يشكلون جزءاً أساسياً من قاعدة عملاء كبرى الشركات العالمية المنتجة للسيارات والجوالات الذكية وغيرها من المنتجات، ووفقاً لمنظمة السياحة العالمية عندما يسافر السياح الصينيون إلى خارج البلاد ينفقون نحو 258 مليار دولار سنوياً وهو ما يقرب من ضعف ما ينفقه السياح الأمريكيون.
 
 
 
ويندهش البعض حين يعرف أن أخطر ما في هذه الأزمة هو أنها وقعت في الصين تحديداً في ذلك الوقت بالتحديد، ولو ظهر هذا الفيروس في إفريقيا مثلًا لما حصلت القارة السمراء على عشر هذا الإهتمام العالمي بل إنه حتى لو ظهر في الصين نفسها قبل 4 عقود مثلاً لما حدثت ضجة مثل هذه بحسب تعليقات الكثير من المهتمين الذين يرجعون السبب لكون الصين أضحت اليوم جزءً أساسياً من الآلة الصناعية العالمية الحديثة باعتبارها أكبر منتج في العالم والمسؤول عن سدس الإنتاج العالمي، وتسبب أغلاق المصانع الصينية في تعطيل القطاعات الصناعية في كثير من البلدان حول العالم وفي مقدمتها الولأيات المتحدة والتي تعتمد بشكل كبير على سلاسل التوريد الصينية في عدة قطاعات أبرزها التكنولوجيا والمستحضرات الصيدلانية والسيارات.
 
 
 
ويرى عدد من المحللين بانه كلما ظل فيروس "كورونا" دون علاج وطال أمد الأزمة تقلص الإنتاج الصناعي الصيني وزاد خطر تعطل كل المصانع التي تعتمد على المنتجات الصينية الوسيطة في عملياتها الإنتاجية كدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام ستعيش كابوساً بالنظر إلى أن 40% من إجمالي وارداتها من المنتجات المصنعة الوسيطة جاء من الصين في عام 2015م.
 
 
 
وعلى الصعيد ذاته حذرت شركة البيانات المالية "آي إتش إس ماركت" من احتمال قيام الموردين الصينيين في المناطق المتأثرة بفيروس كورونا بإعلان حالة "القوة القاهرة" لإعفاء أنفسهم قانونياً من مخاطر عدم تصدير السلع المتعاقد عليها وهو ما قد يؤدي إلى تعطل العديد من المصانع العالمية في غضون 3 أسابيع فقط لأن أغلب المصانع الصينية لا تحتفظ في مخازنها إلا بمخزون يكفي لثلاثة أسابيع، وهو ما سيجعل الأيام القادمة اكثر حسماً في تحديد مدى نجاح الجهود المبذولة للحد من انتشار الفيروس وآثاره داخل وخارج الصين.
 
 
 
واكد محللون بان الصين قد تحتاج لنفس المدة التي احتاجتها قبل 17 عاماً للسيطرة على فيروس متلازمة الإلتهاب الرئوي الحاد "سارس" حيث استغرقت الصين 8 أشهر حينها قبل أن تتمكن من السيطرة على "سارس" في يوليو 2003م، متسائلين عن مدى قدرة الإقتصاد العالمي على الصمود مدة مثل هذه بدون المصانع الصينية والمستهلكين الصينيين وهو ما قد يكون احتمالاً ضعيفاً جداً، فالصين في بداية الألفية الثالثة مختلفة كلياً عن الصين التي يطلق عليها اليوم "مصنع العالم".
 
 
 
ويشير كثير من المتخصصين إلى أن إيجاد علاج لفيروس "كورونا" قد يستغرق أكثر من عام وذلك نظراً لمدى تعقيد عملية تطوير عقارات مضادة للإلتهابات الفيروسية، والتحدي الآن أمام الصين هو أن تسيطر بقدر الإمكان على رقعة انتشار المرض بحيث لا يتحول إلى وباء يأكل الأخضر واليابس.
 
 
 
من جانب آخر يرى بعض المهتمين بان تعطل المصانع الصينية معناه أن حاجة الدولة الآسيوية للنفط الخام ستقل وهو ما سيؤدي إلى انخفاض وارداتها منه، هذه الحقيقة سرعان ما تأكدت وانعكست على أسعار الخام التي انخفضت بنسبة 17% مقارنة مع أعلى مستوى لها في يناير الماضي ومطلع فبراير الجاري، وبناء على ذلك من المتوقع أن تتأثر كل الدول المنتجة للنفط والغاز وخصوصاً تلك التي تستهدف الصين التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولأيات المتحدة الأميركية وأكبر مستورديه على الإطلاق، ووفقاً لـ "رويترز" تدرس حالياً منظمة أوبك احتمال تقديم ميعاد اجتماعها المقرر عقده في مارس القادم من أجل مناقشة ما يجب اتخاذه من إجراءات للتعامل مع تداعيات أزمة "كورونا"، وبحسب بيانات لشركة "كلبر" الفرنسية فقد انخفضت واردات الصين من النفط الخام بنحو مليوني برميل يومياً في الفترة ما بين يومي 15 و22 يناير الماضي وذلك مقارنة مع المتوسط اليومي لوارداتها في الشهر نفسه من العام الماضي ومنذ بداية العام الحالي انخفضت واردات الدولة الآسيوية بواقع 3 ملايين برميل يومياً والوضع في طريقه للتدهور اكثر.
 
 
 
ويراقب العالم كله الآن التطورات الناجمة عن انتشار "كورونا" في الصين التي أصبحت في العقدين الماضيين جزءاً لا يتجزأ من كافة قطاعات الإقتصاد العالمي تقريباً بشكل يجعل من المستحيل أن ينجو العالم من دونها، وعلى مدار الأعوام الثلاث الماضية ظل الخبراء والمحللون يتشاجرون ويتناحرون حول توقعاتهم لمستقبل الإقتصاد العالمي وهل أكثر ما يهدده الحرب التجارية أم الأحتباس الحراري أم شيء آخر، وفي النهاية جاء الخطر الذي يهدد الإقتصاد والحياة أصلاً من شيء لم يتوقعه أحد وهو فيروس متناهي الصغر لا يرى بالعين المجردة ليفتك بصور وحياة الإنسان.