جِنرالُ المآتَة “4”: من دَلَّكُم عليَّ وَصَمْتي يَسبِقُني

عدن لنج - هافينغتون بوست عربي

 

محمد حربي كاتب وشاعر وصحفي

1

من يُقْرِضني قَرْضًا غيرَ حَسَنٍ
ولن أَرُدَّهُ لَه:
قَصيدتَيْ مَديحٍ سَريعتيْن هذا المساء
فَلَيس لَديَّ في خَزائني
سِوى بُكائيَّاتٍ مُطرَّزَةٍ، أَخفَيْتها بعناية،
وللسَّواقي القديمةِ
أَحتَفِظُ بمَرْثيَتَين بارِدَتَين مَلفوفَتَيْن
في ورقِ الصُّحفِ تحتَ السَّرير.
لا أعرِفُ لَوْنًا في قَصائدي المُحَنَّطَةِ
سوى عِناق الأخضَر بالطينيِّ
لا أستخدمُ القصائدَ في صَلاتي للجُموعِ
ولا أقْرَبُ الشِّعْرَ إلّا وأنا أتَضَوَّرُ جُوعًا لِصورَةٍ
ولا أعرفُ كيف تُخلَطُ الخمورُ بالعَروضِ
فمن الذي أرشدَ الجنرالَ إلى بابي
ومنعَني من الخروجِ..
ألَيْسَ الصُّبْحُ بقريب ؟

2

لا أُتْقِنُ الغِناءَ،
وصَوْتي يَنقُصُ بثلاثِ درجاتٍ
على سُلَّمٍ جانبيٍّ لِمُوسيقى العَويلِ،
فمَنْ دَلَّ الغُرابَ عليَّ
لِيَتَّخِذُني خَليلًا في جوقَةِ الصُّراخِ
وهو يُخْفي جُثَّتَين خلْفَ الجبلِ؟
ومن دَلَّ الجنرالَ على حنجرةٍ مَشروخةٍ
في فِناءِ صَدري الخَلْفيِّ
وأنا أُخْفي حَصَىً ناعمًا تحت لِساني
كَعِلْكَةٍ إضافيةٍ بين الفُصولِ
قبلَ أن يَفِرَّ المُمَثِّلون للأقنِعَةِ البدائيةِ
وهم يَرتَجلون النَصَّ المُقدّسَ فوق الخَشَبةِ
تَعويذةً ضدَّ الغُبارِ الرّجيم ؟

3
من دَلَّ المُتَسوِّلين على خِرْقَتي
فَنَادوا بِي سَيِّدًا على بَقايا طريقةٍ
تَستَوْطِنُ الحُروفَ الخَضراءَ،
مع أنّي لا أعرفُ من النّصوصِ
سوى حَرْفَين يَرقُصان على ظِلَّيْهِما
من دون أن يَلتفِتَ أحدٌ
إلى الصَّخَبِ المُتطايرِ من غُبارِ الحُروفِ

إعلان

4
من دَلَّ المَوْتَى عَليَّ
فَغادَروا الغُرَفَ السُّفْلِيّةَ
وتَظاهروا يُنادونَ بِي
سَيِّدًا للمقابرِ الطينيةِ
وأحجارِ الشواهدِ
وأنا لا أعرفُ من فُنونِ المَوتِ
سوى العودةَ لجذورٍ يَترُكُها السَّلَفُ
وديعةً في لونِ العُيون
أو كتابةَ المَراثي على الجُدرانِ
نَقشًا سابِحًا في معمِدانيَّةِ اللَّوْنِ
قبلَ أن تَفِرَّ الطيورُ

5

من دلَّكُم علَيَّ
وَصَمْتي يَسبِقُني إلى الشوارعِ و المقاهي
والمساجدُ والصحفُ ودمي علامةٌ للقادمين
وزُجاجَتي دائمًا فارغةٌ