إنقاذ الكهف المقدّس..الترميم الأوّل من نوعه لما يعتقد أنه “قبر المسيح” قبل انهياره

عدن لنج - هافينغتون بوست عربي

 

بدأت أعمال الترميم في أقدس مكان بالنسبة للمسيحيين. لكن لن يقتصر الأمر على أعمال الطلاء والترميم السطحي، فهذا المشروع يهدف إلى ترميم الصرح من الألف إلى الياء.

سيتم استخدام مسامير تيتانيوم لتثبيت المكان، وسيقوم فريق من الأثريين اليونانيين الشهر القادم بترميم الكنيسة المتهالكة التي تم بناؤها حول الكهف الذي يعتقد المسيحيون أن المسيح قد دفن فيه بعد أن صُلِبَ، ثم بُعِثَ من الموت، بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، الإثنين 20 يونيو/حزيران 2016.

من أجل إصلاح المبنى الذي يكاد ينهار، سيضطر الفريق إلى الدخول بضعة أمتار بداخل آثار القرن الأول الميلادي، وهو ما يسمى بـ”الصخرة المقدسة”.

وسيقومون بتنظيف آثار دخان شموع النذور التي خلفتها القرون، كما سيقومون بتثبيت الرخام، وحقن الملاط الحديث لتثبيت الصرح القديم.

في قلب كنيسة القيامة، في مدينة القدس القديمة (المحتلة)، سيتم رفع اللوح الذي ركع عنده وبكى ملايين الحجاج المسيحيون.

ولأول مرة منذ 200 عام سينظرون إلى ما بالداخل. سيتم انتهاك القبر المنحوت في الصخر بسبب أن الكنيسة التي بنيت حوله آيلة للسقوط.

تقرير واشنطن بوست ذكر أن هذه الترميمات تأخرت كثيراً. فبعد سنين من الجدال مع المجتمعات المسيحية التي تحتل الموقع، بدأت أعمال الترميم أول الشهر الجاري.

لا يعرف المرممون، الذين قاموا بترميم الأكروبوليس في أثينا، على وجه التحديد ما سيجدونه بالداخل.

وقالت أنتونيا ماروبولو، من جامعة أثينا التقنية القومية “هذا هو أكثر الأماكن حياة من بين الأماكن التي عملنا بها. سنرى ماذا يوجد بالداخل”.

قام الفريق بعمل جسات للكنيسة عن طريق أجهزة رادار استكشاف باطن الأرض وماسحات ليزر. ويقومون الآن بتشغيل طائرات بدون طيار تحمل كاميرات فوق الموقع، وهو أمر ليس بالسهل.

كما تم اكتشاف شرخ في صخرة المقبرة، لم يكن مكتشفاً من قبل، ويعتقد أنه ناتج عن الإجهادات التي تتعرض لها الأعمدة التي تحمل القبة. وهذه أول مرة يستكشف فيها العلم الحديث المكان.

ماذا سيجدون؟

إن أعمال التنقيب عن الآثار داخل كنيسة القيامة كانت محدودة للغاية، ليس فقط بسبب رجال الكنيسة، بل أيضاً بسبب التقاليد العتيقة. فالموقع يعتبر الصرح الأكثر قداسة بالنسبة للمسيحيين، وهو مكان للتعبد والروحانية، وليس مكاناً للحفر والتنقيب.

وقال ثيوفيلوس الثالث، بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية في القدس (المحتلة)، لواشنطن بوست، “إن المكان به نوع من الطاقة، لا أريد أن أصفها، لكن هناك نوع من الطاقة ينبع من المكان”.

يقول البطريرك أنه راجع الروايات التاريخية لسابقيه الذين رأوا ما بداخل المقبرة حينما فتحت آخر مرة عام 1810.

هنا في حارات القدس العتيقة، لا يعتبر القرنان مدة زمنية طويلة. ولكن في آخر مرة قام فيها العمال ورجال الكنيسة بالكشف عن “الصخرة المقدسة” كان توماس جيفيرسون هو رئيس الولايات المتحدة، ولم يكن الناس يعرفون أن الجراثيم تسبب الوفاة، وعلم الآثار لم يكن له وجود.

جلس ثيوفيلوس على كرسيه المخملي في الكنيسة، محاطاً بالعديد من أعضاء حاشيته، منهم اثنان من الحراس يحملان عصي طويلة لدفع الحشود المتلهفة عنه.

يقول البطريرك إن الكنيسة العتيقة قد دمرت في حريق كارثي عام 1808، وحينما كان اليونانيون يقومون بإعادة بنائها، كان الجميع متحمسين لرؤية الكهف الذي دفن فيه المسيح، وفقاً للمعتقد المسيحي. “نحن الآن لدينا نفس الشعور في الحقيقة. لا يمكننا أن نتعامل مع الأمر بلا مبالاة.”

وأضاف “هذا ليس أثراً عادياً، وهذه ليست صخوراً عادية.”

ماذا يوجد هناك؟

يتوقع عالم الآثار مارتين بيدل، الذي قام بدراسة الموقع في التسعينيات، أنه ربما تكون هناك رسوم أو كتابات على الحوائط حول الصخرة المقدسة أو أسفل الأرضية التي تقع تحت القبة. أو ربما صلبان صغيرة تركها المسيحيون الأوائل. أو ربما الصخور فقط.

لن يعلم أحد على وجه اليقين حتى يتم فتح المقبرة. ولكن حتى بعد فتحها، هل سيدل هذا على أنها مقبرة المسيح حقاً؟

لقد وعد الفريق اليوناني بعدم إغلاق الكنيسة أثناء أعمال الترميم، فأعضاء الفريق سيعملون في الليل على أضواء المصابيح.

تقول أنتونيا ماروبولو، قائدة الفريق اليوناني، “إنه مناخ مليء بالتحديات، ولكنه مثير جداً.” وهي تصف نفسها بأنها مهندسة ومؤمنة في ذات الوقت.

مكان إيمان ودماء


تعد كنيسة القيامة بالقدس (المحتلة) من أهم المواقع الدينية في العالم ومن أكثرها جذباً للزوار.

تمتلئ الكنيسة بالممرات الغامضة، ومقابر الصليبيين، والمخابئ والأيقونات الذهبية، ويعتقد أصحاب المذهب الكاثوليكي والأرثوذوكسي الشرقي أن المسيح دفن في هذا الموقع ثم رفع.

يقول ثيوفيلوس “إنه مكان تلاقي السماء مع الأرض”.

في كل عام، يأتي الآلاف من المسيحيين يوم سبت النور لرؤية “النار المقدسة”، حيث تضاء مجموعة من الشموع بجوار المقبرة ويتم تداولها بين الزوار لتأكيد إيمانهم بمعجزة بعث المسيح والوعد بالحياة الأبدية.


يقول علماء الدين المسيحي أن أتباع المسيح كانوا يصلون هناك منذ عام 66 ميلادية. وهناك الكثير من الأدلة أن الحجاج المسيحيين يذهبون لزيارة الكنيسة منذ القرن الرابع على الأقل.

ويقال أن الموقع كان يمتلكه يهودي، من حواريي المسيح السريين، قام بإهدائه للمسيح.

المكان مفعم بالروحانيات، ولكن التاريخ يشهد أنه كان مضرجاً بالدماء. بنيت في هذا الموقع أربع كنائس مسيحية على الأقل. كان أولها في عهد الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع، والذي هدم المعبد الوثني الذي كان هادريان قد بناه للإلهة أفروديت. قام الخليفة المسلم عمر بن الخطاب بإنقاذ الكنيسة، ولكن الخليفة الحاكم دمرها عام 1009. قام الصليبيون بإعادة بنائها، ولكنهم قاموا أيضاً بذبح نصف سكان المدينة. مرة أخرى، قام القائد المسلم صلاح الدين بحمايتها، ولكن التتار دخلوها بخيولهم وقطعوا رؤوس الرهبان ودمروها.

قام اليونانيون ببناء أحدث كنيسة، بعد أن دمرتها النيران في حريق شب عام 1810.

اليوم، لم يعد القفص الحديدي الذي أنشأه الحاكم البريطاني عام 1947 قادراً على تثبيت المبنى.


يرى القس جيرومي مرفي أوكونر أن كنيسة القيامة ما هي إلا تضافر المقدس مع الدنيوي، وفقاً لما أورده في “الدليل الأثري للأراضي المقدسة”.

فقد كتب “تطلع العين للنور، لكن المكان مظلم. يطمح الإنسان إلى السلام، لكن الأذن تئنُّ من سماع طبول الحرب.” ويعتقد القس أن هذا هو المكان الذي دفن فيه المسيح حسب العقيدة المسيحية.

لقد استغرق الأمر سنوات لإقناع المجتمعات التي تتعبد في كنيسة القيامة بالموافقة على أعمال الترميم.


الكنائس التي لها حقوق في القبر المقدس -الروم الأرثوذكس والكاثوليك والأرمنية الأرثوذكسية، جنباً إلى جنب مع السوريين والأقباط والإثيوبيين– تشتهر بالجدال فيما بينها، كل يؤكد بشدة على حقوقه بموجب اتفاق “الوضع الراهن” الذي أبرم في العهد العثماني لتنظيم العبادة في هذه الكنيسة.

بعد موافقة البابا وبطريرك الكنيسة الأورثوذكسية الشرقية على المشروع، التزم الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، الذي له حق الحماية للمواقع المقدسة في القدس (المحتلة)، بتمويل معظم تكلفة المشروع التي تبلغ 3.4 مليارات دولار.

يقول القس بيتر فاسكو، رئيس مؤسسة الفرنسيسكان في الأراضي المقدسة، “لقد تأخر الترميم كثيراً ولكن العمل بدأ أخيراً. المبنى يكاد يتهدم”.

يذكر فاسكو أول مرة صلى فيها بالقرب من المقبرة كقس حديث السن، ويقول “هذا ليس مجرد مكان مقدس، بل هو أقدس مكان”.

بعد الانتهاء من أعمال الترميم، ستتم إزالة العوارض الحديدية البريطانية، وستقوم الأعمدة وتقفل المقبرة بالأقفال. سيعاد تجديد الألوان لتبدو أكثر بهاءً.

لم يجزم أعضاء فريق الترميم بالمدة التي يحتاجونها للانتهاء من العمل. قال أحدهم “ربما ألف عام. أو ربما للأبد.”