جونو تخاطر من اجل العلم

عدن لنج - ناسا بالعربي

 

المركبة جونو تُخاطر بنفسها على المشتري لأجل العلم

في الرابع من تموز/يوليو ستمر المركبة الفضائية التي أطلقتها وكالة ناسا على مقربة من أكبر كواكب المجموعة الشمسية. يبلغ حجم المركبة حجم ملعب كرة السلة وتعمل بالطاقة الشمسية، وستكون على بعد نحو 4667 كيلو متر من أعالي الغلاف الغازي للكوكب.


واعتبارًا من يوم الخميس الماضي، ستكون جونو على بعد 13.8 مليون كيلو متر عن المشتري، وستستغرق ثمانية عشر يومًا للوصول إليه. وفي مساء الرابع من تموز/يوليو ستُشغِّل المركبة جونو محركها الرئيسي لمدَّة 35 دقيقة، ما يضعها في مدارٍ قُطبي حول العملاق الغازي. خلال عبورها، ستسبر المركبة الغيوم الغازية الغامضة التي تلفُّ كوكب المُشتري وتدرس هالته، لمعرفة المزيد عن أصل منشأه وبنيته وتكوين غلافه الغازي والمغناطيسي.

تشرح ديان براون Diane Brown، المديرة التنفيذية لبرنامج المركبة جونو في مقر ناسا الرئيسي، فتقول: "في مثل هذا الوقت من العام الماضي كانت مركبة نيوهورايزنز تلقي نظرةً مُقرَّبةً على بلوتو، لأول مرة في تاريخ البشرية. واليوم، تُحلِّق جونو على مقرُبةٍ من المشتري، أقرب من أي مركبةٍ زارته سابقاً، لتستكشف الألغاز الكامنة فيه".


من المُخطَّط أن تقترب المركبة عدة مرات من الكوكب خلال مهمتها، سيصل عددها إلى سبعةٍ وثلاثين مرة، الأمر الذي سيُحطم الرقم القياسي السابق الذي سجَّلته مركبة (بايونير11Pioneer 11) التابعة لوكالة ناسا في العام 1974، عندما اقتربت منه لمسافة بلغت 43 ألف كيلو متر. لن يكون هذا الاقتراب من المشتري بدون ثمن، وأحد هذه الأثمان ستدفعه المركبة كلما حملها مدارها إلى الدوامات المضطربة من الغيوم البرتقالية والبيضاء والحمراء والبنية التي تغطي العملاق الغازي.


يُعلِّق على ذلك سكوت بولتون Scott Bolton، المُحقق الرئيسي في مهمة جونو من معهد ساوثويست للأبحاث في سان أنطونيو، بقوله: "نحن لا نسعى وراء المشاكل، بل نبحث عن البيانات. لكن المشكلة، هي أن طبيعة البيانات التي تسعى المركبة جونو لجمعها تتطلب منك الذهاب إلى مناطق سُرعان ما ستجلب لك المشاكل".


وقد يكون المُسبب الرئيسي للمتاعب هو المشتري نفسه. فتحت أعالي الغلاف الغازي لكوكب المشتري مباشرة توجد طبقةٌ من الهيدروجين تخضع لضغطٍ هائل يجعلها تسلك سلوك الموصل الكهربائي. ويعتقد العلماء أن وجود هذا الهيدروجين المعدني، المترافق مع دوران المشتري السريع حول نفسه، حيث يدوم اليوم على المشتري مدة 10 ساعات، سيولِّد حقلًا مغناطيسيًا قويًا يُغطِّي الكوكب بالإلكترونات والبروتونات والأيونات التي تسير بسرعٍة قريبةٍ من سرعة الضوء. وعليه، ستُلاقي أية مركبةٍ فضائيةٍ تدخل هذا الحقل، الذي يأخذ شكل الكعكة والمُفعم بالجسيمات عالية الطاقة، أقسى بيئة إشعاعية في النظام الشمسي برمته.


يُضيف ريك نيباكِّن Rick Nybakken، مدير مشروع في مختبر الدفع النفَّاث في باسادينا، كاليفورنيا التابع لوكالة ناسا: "على امتداد عمر المهمة، ستكون المركبة جونو قد تعرَّضت لما يُعادل 100 مليون ضعف كمية الإشعاع المستخدم في صورة الأشعة السينية للأسنان. لكننا جاهزون لهذا. فقد اخترنا مدارًا حول المشتري يُقلل من التعرُّض لإشعاعاته القاسية إلى الحد الأدنى. وسيسمح لنا هذا المدار بالحفاظ على المركبة سليمةً فترةً كافيةً لجمع البيانات العلمية، التي حفَّزتنا على قطع كل تلك المسافة للحصول عليها".


يأخذ مدار المركبة جونو شكل القطع الناقص (الشكل البيضوي) المستوي. ويعود تصميمه إلى ملاحي المركبة، الذين اختاروا مسارًا يقترب من المشتري من قطبه الشمالي ويهبط بسرعةٍ إلى ما دون حزام إشعاع الكوكب، لتتوجه المركبة جونو مسرعةً إلى القطب الجنوبي للمشتري. يدوم كل اقتراب من الكوكب ما يعادل يومًا أرضيًا. وبعدها سيأخذ المدارُ المركبةَ أسفل القطب الجنوبي بعيدًا عن كوكب المشتري، وبعيدًا عن متناول الإشعاعات الضَّارَّة.


وعلى الرغم من أن المركبة جونو مثقلةٌ بوسائل الحماية والدروع الواقية من الإشعاعات التي تُحيط بحساساتها الكثيرة، فإن أكثر الأماكن حمايةً، هو حجرة التيتانيوم الفريدة من نوعها، والتي تحوي الحاسوب المخصص لقيادة المركبة، وهو العقل الإلكتروني لكثير من تجهيزاتها العلمية. تزن هذه الحجرة نحو 172 كيلو غرام، وستخفَّف التعرُّض للإشعاعات إلى 800 مرة أقل من مستواها خارج جدران الحجرة المصنوعة من التيتانيوم.


في الغالب، سيُشوى العقل الإلكتروني للمركبة جونو من دون هذه الحجرة قبل نهاية أول جولةٍ حول الكوكب. ولكن، وعلى الرغم من أن 172 كيلو غرامًا من التيتانيوم تستطيع فعل العجائب، إلا أنها لن تصمد للأبد في البيئات الإشعاعية القاسية، من مثل تلك الموجودة على المشتري. فكمية وطاقة الجُسيمات عالية الطاقة أكثر من أن تُحتمل. ومع ذلك، فإن مدار جونو المميَّز يجعل التآكل وجرعة الإشعاع تتراكم على مهل، ما يسمح للمركبة بتأدية مهماتٍ علميةٍ رائعةٍ على مدى عشرين شهرًا.

وتُشير هايدي بيكر Heidi Becker، من مختبر الدفع النفَّاث، والمسؤولة عن فريق مراقبة الإشعاعات في مركبة جونو، إلى أن: "عند نهاية المهمة، ستنفذ الإلكترونات ذات الطاقة الأعلى إلى الحجرة مولِّدةً نوافير من الفوتونات والجسيمات الثانوية. وسيُحطِّم هذا القصف الإلكتروني المستمر الروابط الذرية في الأجهزة الإلكترونية في المركبة."


أُطلِقت المركبة جونو في الخامس من آب/أغسطس من العام 2011 من قاعد كيب كانافيرال Cape Canaveral في فلوريدا. 

تختبئ الأسرار في باطن المُشتري، يحجبها الأشد فتكاً من الحقول المغنطيسية وأشدُّ الأحزمة الاشعاعية الموجودة في المجموعة الشمسية. في الرابع من تموز/يوليو من العام 2016 ستندفع المركبة جونو إلى مناطق بِكرٍ لم يسبق أن استكشفت، وتدخل مدارًا حول العملاق الغازي وتمرُّ على مقربةٍ منه بأقرب مما سبق لأي مركبة. ستُشاهد جونو المشتري كما هو حقيقةً، لكن عليها أولًا اجتياز محاولات الدخول إلى المدار.