في مواجهة عوامل السقوط

عدن لنج - هافينغتون بوست عربي

حسين يونس مدون وباحث

في الأسبوع المنصرم جاءتني رسالة عبر الفيسبوك من متابعة فاضلة مقيمة في الولايات المتحدة، تطلب فيها التواصل معي عبر الهاتف للاستفسار عن أمور شرعية تقلقها وتسبب لها الاكتئاب، فهي تشعر أنه كلما تعمَّقت في الأمور الدينية أصبح لديها وسواس قهري بسبب الخوف من الله ولقائه يوم الحساب، بالمقابل لديها معاناة كبيرة في إقناع زوجها وأولادها بالإسلام وأداء فروضه، ولا تدري كيف تحدِّثهم عنه، خصوصاً أولادها الذين أصبحوا راشدين، ويشعرون بملل ونفور فور سماعهم أي شيء عنه بسبب نشوئهم في الغرب بعيداً عن أي قيم عربية وإسلامية.

في الحقيقة لم أكن أدري كيف أرد عليها، فلم أعتَد تقديم استشارات اجتماعية مباشرة عن طريق الهاتف؛ لأنَّ هذا ليس مجال عملي، بالمقابل لم أكن أود أن أبخل عليها بنصيحة قد تغير حياتها إلى الأفضل، وكنت في حيرة من أمري... هل ألبي طلبها أم لا، فاستشرت والدتي وزوجتي وكلتاهما أيَّدت التواصل معها، لعلي أتمكن من إفادتها... وهذا ما حدث.

في الحقيقة ليس مهماً ما جرى في تلك المكالة المطوَّلة، فقد كنت على يقين من أني قد نجحت نوعاً ما في تخفيف قلقها تجاه الإسلام وعلاقتها مع الله، ولكني لست متأكداً من أني قد نجحت في تقديم ما ينفعها فيما يخص علاقتها بزوجها وأولادها، تلك العلاقة الملتهبة جداً، فالأسرة العربية النازحة من نار الثقافة الشرقية إلى جنَّة الثقافة الغربية لا تدرك حجم الجحيم الذي انتقلت إليه إلاَّ بعدما تدفع ثمن إهمالها لثقافتها الأم.

بالنسبة لي كانت تجربة التواصل مع هذه السيدة مهمة جداً، فقد أدركت بعدها أني ناجح فيما أقوم به اليوم من لفت انتباه المجتمع العربي في المهجر لعوامل الفشل التي تهدد وحدة أسرهم وأمنها، وتسليط الضوء على أسبابه وكيفية مواجهته قبل أن يخسر الجميع، بالمقابل قد لا أكون قادراً على تقديم حلول لمَن غرق في الوحل، فغالباً لا يستطيع الأهل وحدهم تجاوز تلك الإخفاقات إن حدثت؛ لأنها أكبر منهم بكثير، فهم وحدهم في مواجهة ثقافة رأسمالية شرسة، سلبت منهم أولادهم وهم في حالة الإنكار ينظرون... لا يصدقون أنَّ ذلك يحصل معهم، ووقتها جميع الحلول تكون شبه مستحيلة مع الأسف الشديد، وهذه المكالمة جعلتني أتيقَّن من أنَّ منهجيتي سليمة فيما يخص كتاباتي عن كندا وتحدياتها، وأكدَّت لي -من فضل الله- أني أسير في الطريق الصحيح.

بعد المكالمة، جلست أفكر كثيراً في الأمور التي ساعدتني على مواجهة عوامل الفشل، فالأسباب كثيرة بلا شك وعلى رأسها فهمي لديني الإسلامي، واعتزازي بعروبتي، وفكري الواقعي، وقدرتي على التخطيط وإدارة المخاطر... إلخ، ولكن ما زال هناك أمر مهم في حياتي... مهم جداً، يبدو أني تعودت على وجوده فأصبحت لا أنتبه إليه خلال زحمة الحياة، ما هو هذا الأمر؟

آه... عرفت عرفت... أو بالأحرى... تذكرت! فمجتمعي الشرقي الذي أنتمي إليه غالباً لا ينتبه لهذا الأمر ولا يلقي له بالاً، لا أدري ما السبب؟ ولكن عندما تقدم بي العمر أدركت مدى الحماقة التي يمكن أن يرتكبها المجتمع، وإهمال هذا الأمر هو على رأس تلك الحماقات.
في يوم الثلاثاء الماضي 21 يونيو/حزيران أكملت أنا وزوجتي 13 عاماً معاً، عشنا خلالها حياة صعبة وتحديات كثيرة لم تكن سهلة، اختلفنا مع بعضنا وتصالحنا وعاودنا الاختلاف، كرهنا وعشقنا بعضنا في نفس اللحظة، كان كبرياؤنا وعنفواننا يمنعنا في بعض الأحيان من رؤية بعضنا البعض، رجولتي كانت تمنعني من أن أرى زوجتي، وأنوثتها كانت تمنعها كذلك من رؤيتي، حتى وصلنا إلى مفترق طرق... لنقرر أنَّ حياتنا معاً لا يمكن لها أن تستمر، وقررنا أن ننفصل بما يُرضي الله ليستريح الجميع.

سأتكلم عن نفسي... في تلك اللحظة أدركت أني لن أقوى على العيش من دونها، وأعتقد أنها هي أيضاً أدركت هذه الحقيقة، فقد كنا لبعضنا الوقود والسند في المواجهة الشرسة لعوامل السقوط في حياتنا، وقد ساعدنا بعضنا على تجاوز أسوار المجتمع التي كانت تحول بيننا وبين الحياة الجميلة في الوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم، لكن ذلك الكبرياء شكَّل حائلاً بين شعوري الداخلي تجاه ما تقوم به زوجتي في حياتي من دعم ومساندة وبين البوح به علناً، فقد كانت فقط تنتظر أن تسمع مني ذلك البوح كعرفان للجميل، وما زلت لا أفهم... لماذا نواجه دائماً مثل هذا الصراع الداخلي في نفوسنا؟ ربما لأننا تربينا على الامتنان للأنثى في قالب الأم فقط ولم نتربَّ على الامتنان لها في قالب الزوجة؟

أعتقد أنه لولا زوجتي في حياتي ما كنت قادراً على أن أكون الشخص الذي تعرفونه اليوم، فهي تحمَّلت الكثير في سبيل إنجاح زواجنا، وأنا أدري أنَّ الحياة الأسرية ومسؤولياتها شكَّلت لها تحدياً كبيراً؛ لأنها كانت أكبر من طاقتها، الشيء الذي يحدث مع معظم إناث الوطن العربي بسبب الأحلام الوردية اليافعة عن الزيجة والزواج والتي تكون في ذهن كل واحدة منهن وهي في بيت أهلها، ليتفاجآ بعدها بأنَّ بناء الأسرة والمحافظة عليها يحتاج إلى جهد كبير ومكابدة وعناء، بل قد تكون اليوم أكبر تحد للزوجين، وبعد اكتشاف الحقيقة... مِن النساء مَن تصمد ومنهن مَن تستسلم، وزوجتي اختارت الصمود، وأنا ممتن لها جداً على ذلك الاختيار!