فهم ميكانيكا الكم: ما هي الأمواج الكهرطيسية؟

عدن لنج - هافينغتون بوست

 

ما هي الأمواج الكهرطيسية؟ وما العلاقة بين الحقول المغناطيسية والكهربائية؟ دعنا نشرح لك ذلك في هذا المقال.

القوتين الكهربائية والمغناطيسية

من الملاحظ أنه يوجد تشابه كبير بين القوتين الكهربائية والمغناطيسية، وبين قوة الجاذبية. من جهة؛ تنجذب الكتل إلى بعضها بقوى تتناسب عكساً مع مربعالمسافة، ومن جهة أخرى، تنشأ قوة بين الجسمين المشحونين أو قطبي مغناطيس تتناسب عكساً ومربع المسافة أيضاً. الفرق في الحالتين هو أن القوة الأولى تكون دوماً تجاذبية، بينما يمكن للقوتين الأخريين أن تكونا متجاذبتين أو متنافرتين. مثال ذلك؛ الشحنتان الموجبتان تتباعدان، بينما تتقارب الشحنتين الموجبة والسالبة.

كما هو الحال مع الجاذبية، تطرح المغناطيسية والكهربائية مسألة تعلُّق التأثير بالمسافة. كيف تدفع أو تجذب الشحنة نظيرتها الأخرى؟ وكيف تتفاعلان مع بعضهما عند وضعهما في الفراغ؟ أجاب عن هذه الأسئلة ومثيلاتها العالم جيمس كلارك ماكسويل.

إن التقدم العلمي الباهر الذي حققه ماكسويل قد غيّر من نظرتنا للقوى الكهرطيسية. تتمثل فكرته بأن الشحنات تتأثر فيما بينها بنوع من الطاقة، بحيث يُحيط بالشحنة حقل من الكهرباء، والذي يمكن للشحنات الأخرى اكتشافه. ينطبق هذا على المغانط أيضاً، حيث أنها تمتلك حقولاً مغناطيسيةً، وتتفاعل مع الحقول المغناطيسية الأخرى. لم يكن النموذج الذي قدمه ماكسويل عبارة عن وصف القوة بين الشحنات والمغانط فحسب، بل وصف أيضاً الحقول الكهربائية والمغناطيسية. مع هذا التغير في وجهة النظر، اكتشف ماكسويل الرابط بين الكهرباء والمغناطيسية، والعلاقة بين حقليهما.

العلاقة بين الحقول الكهربائية والمغناطيسية

إن الحقل الكهربائي المتحرك يولد حقلاً مغناطيسياً، وبالعكس، فإن الحقل المغناطيسي المتحرك يولد آخر كهربائياً. إذن؛ فالحقلان ليسا مرتبطين فقط، بل يولّد أحدهما الآخر. بهذا الفهم استطاع ماكسويل أن يضع توصيفاً موحداً للقوتين الكهربائية والمغناطيسية، وكذلك دمج القوتين المختلفتين ضمن قوةٍ واحدةٍ؛ والتي يطلق عليها اليوم اسم "الكهرطيسية".

أسهمت نظرية ماكسويل في تطور الفيزياء، وكذلك زودت فيزياء الفلك بالأدوات اللازمة لحل بعض الألغاز المعقّدة للفضاء. في أواسط القرن الثامن عشر، تم دمج معادلات ماكسويل مع معادلات نافييه-ستوكس (Navier-Stokes) التي تصف حركة الموائع، لينتج عن ذلك علم الهيدروديناميكا المغناطيسية (MHD magnetohydrodynamics). أسهم هذا العلم الجديد (MHD) بنمذجة سلوك البلازما ضمن الحقول المغناطيسية، والذي يعتبر نواةً لفهمنا لكل شيء من بنية الشمس وحتى تشكل الكواكب والنجوم. ومع تنامي القوة الحاسوبية المتاحة، تمكنّا من إجراء المحاكاة لعمليات تشكل النجوم والكواكب. على الرغم من وجود العديد من الأسئلة الغامضة، إلا أنّنا أصبحنا على علمٍ بالدور المهم الذي يلعبه التناغم بين البلازما والقوى الكهرطيسية في تشكل الكواكب والنجوم.

على الرغم من قوة نظرية ماكسويل إلا أنها تبقى ضمن مجال الفيزياء الكلاسيكية، مشابهةً في ذلك نظرية نيوتن في الجاذبية. لكن بخلاف الجاذبية، يمكن للكهرطيسية الاندماج مع نظرية الكمّ ليشكلان نموذجاً جديداً يطلق عليه اسم "الكهراديناميك الكمومي" (Quantum electrodynamics QED).

يعتبر مفهوم ازدواجية الموجة-الجسيم مبدءاً أساسياً في نظرية الكمّ. فكما أن الإلكترونات والبروتونات يمكنها أن تتفاعل كحقول موجية، كذلك يمكن للحقل الكهرطيسي أن يتفاعل كجسيمات كمّية تدعى "الفوتونات". توصف الشحنات والحقول الكهرطيسية- ضمن علم الكهراديناميك الكمومي- كتفاعلات للجسيمات الكميّة، وتعتبر مخططات فاينمان خير تحقيقٍ لذلك.

عادةً ما يساء فهم مخططات فاينمان في وصفها لحقيقة التفاعل بين الشحنات. وكمثالٍ على ذلك؛ عندما يقترب إلكترونان من بعضهما، يقومان بتبادل فوتون فيما بينهما ثم يبتعدان عن بعضهما. كذلك فكرة الجسيمات الوهمية التي تظهروتختفي خلال الزمن الحقيقي. على الرغم من كون المخططات قابلةً للفهم، إلا أنها تبقى مرهونةً بنظرية الكمّ.

يتم استخدام هذه المخططات في الكهراديناميك الكمومي لحساب المسارات المحتملة التي يمكن للشحنات أن تسلكها ضمن الحقل الكهرطيسي، وذلك من أجل تحديد احتمال الحصول على نتيجة معينة. تعتبر مسألة معالجة جميع الإمكانيات القائمة معاً في الزمن الحقيقي، مشابهةً للمثال الجدليّ حول عدّخمس تفاحات على طاولة، بحيث تصبح التفاحة حقيقيةً عند عدّها فقط.

أصبح الكهراديناميك الكمومي هو النموذج الأكثر دقةً في تاريخ الفيزياء، لكنّ هذه القدرة النظرية العالية تترافق مع فقدان المفهوم البديهي للقوة.

مثلما أن اعوجاج الزمكان لآينشتاين يستخدم لحساب القوة بين الكتل، كذلك تستخدم تفاعلات فاينمان لحساب القوة بين الشحنات. بالإضافة إلى ما ذُكر، يسمح الكهراديناميك الكمومي بحدوث التفاعلات المختلفة عن القوى، فمثلاً يستطيع الإلكترون أن يصدر فوتوناً ليغيّر من اتجاهه، كما يمكن للإلكترون والبوزيترون أن يتفاعلا لينتجا معاً زوجاً من الفوتونات. كما يمكن للمادة أن تتحول إلى طاقة وبالعكس ضمن الكهراديناميك الكمومي.

ما بدأ كقوةٍ صغيرةٍ أصبح رقصةً متناغمةً بين الشحنة والضوء. ومن خلال تلك الرقصة انتقلنا من العالم التقليدي قُدُماً نحو البحث عن القوة والضعف.

المصدر: One Universe at a Time