علي محسن يكتب في الاهرام المصرية : الكوليرا السياسية فى اليمن

عدن لنج - صحف :

 

كتب : على محسن حميد




انسد أفق الحل التفاوضى فى اليمن لإنهاء حروب عدة وليس حربا واحدة هى كلها فى سنتها الثالثة وقد تمتد إلى الرابعة والخامسة أو إلى ماشاء الله. قبل عام التقت لآخر مرة أطراف الصراع الذى لاعلاقة للشعب به لأن أيا من أطرافه لايعبر عن مصالحه مهما قال عن ضرورة تطبيق مخرجات الحوار الوطنى وتنفيذ المبادرة الخليجية الخ.. لقد بقى التحرك لإنهاء الحرب هما حصريا للسيد ولد الشيخ مبعوث الأمم المتحدة وليس للأطراف اليمنية . الحرب فى اليمن تشبه الحروب الدينية التى يؤمن كل طرف فيها بأنه يخوض حربا مقدسة وأنه وحده صاحب الحقيقة المطلقة وأن الآخر ليس سوى باغ ومعتد وأنه لابديل له عن الانتصار الماحق الساحق عليه.لليمنيين تفسيراتهم الخاصة لمواقف أطراف الحرب أبسطها أنهم ليسوا مكتوين بنيرانها ولاتصيبهم أمراضها فهم بعيدون عن الجوع، بل قل عن المجاعة والإفقار اللذين نتجا عنها، وهم ليسوا تحت حصارمن أى نوع ،حتى حصار الضمير، فهم يسافرون متى شاءوا ويتطببون أين ماشاءوا وينامون فى أمان وأولادهم يتعلمون تعليما يضمن لهم مستقبلا وظيفيا فى اليمن أو فى غيره، ولاتفارقهم ابتساماتهم التى تعبرعن رضاهم عن أنفسهم وعن مواقفهم وأدائهم ، ملابسهم نظيفة ومكوية وأناقتهم لم يصبها أذى ومحافظهم عامرة. مايحاولون تجنب الوعى به هوأن اليمن تحت المجهر فلا شئ يمكن إخفاؤه والصورلاتكذب ومن يكذب هم أبناؤه.

قبل أكثر من نصف عام تحدثت الصور التى لم تكن يمنية المصدر نيابة عن الإنسانية الغائبة فينا عن مجاعة فى تهامة التى يقع فيها ميناء الحديدة ، المنفذ البحرى اليمنى الثانى بعد عدن ،وكان الأمل أن الحصار على ميناء الحديدة سيرفع أو يخف أو يعامل الميناء على الأقل كقطاع غزة ومع هذا استمرت الحرب/ الحروب برا وجوا وأحيانا قليلة بحرا.. المجتمع الدولى مهتم باليمن ولكن النخب اليمينة غير مهتمة وأحيانا يتبادر إلى الذهن أنها غير معنية بالوطن وبالمواطن وماآل إليه الحال من دمار وخراب وتدهور أبرزه فى القطاعين الغذائى والصحي. الأخير فقد 60% من منشآته والكثير من كوادره وغابت مؤسسته عن أداء دورها الإنسانى وحل محلها دعم خارجى مفعوله محدود لأنه يأتى على قلته بعد تفاقم وانتشار الأوبئة والأمراض ومع هذا لابديل لليمنيين فى محنتهم القاسية هذه سواه.

التحذيرات من وصول اليمن إلى هذا الوضع المأساوى عمرها نصف عمر الحرب ومع هذا لم تفهم أطراف الحرب خطورة ماسيصيب أكثر من جيل سواء من حيث الموت المجانى لعشرات الآلاف أوزرع اليأس بحل سياسى من قبل الذين يتطلع إليهم اليمنيون كمنقذين أو كممثلين لهم فى ساحات الوغى أوطاولات التفاوض. إن حرب اليمن غير مسبوقة فهى لم تتسبب فى تدهور شامل فى الخدمات بل فى توقف رواتب موظفى الخدمة المدنية منذ تسعة أشهر مما زاد الفقراء فقرا.صنعاء التى يغادرها معظم سكانها فى الأعياد يحول الفقر دون سفرهؤلاء لأنهم لن يذهبوا لمضاعفة مآسى من يعانون بصمت خارجها.

فى 25 يونيو كتب السيد جوهانس برور نائب رئيس وفد الصليب الأحمر الدولى بصنعاء نداء استغاثة طويل خلاصته أن الأطفال المصابين بالكوليرا يموتون فى ممرات المستشفيات وأن أربعة أمراض محشورون فى سرير واحد وأنه بسبب إغلاق أكثر من نصف المستشفيات كأثر من أثار الحرب والحصارين البحرى والجوى ينتظر الأمراض للعلاج فى الشارع. البى . بى . سى في29 يونيو تحدثت عن انتقال الإصابة بالكوليرا إلى كبار السن والشباب. وفى اليوم نفسه أيضا يأتى نداء من محافظة حجة، شمال غرب صنعاء، يقول انقذونا من الكوليرا التى تصيب ليس فقط المواطنين بل الأطباء والممرضين الذين يفتقرون إلى وسائل تدفع عنهم الإصابة بالكوليرا أثناء معالجتهم لمرضاهم. السيد برور كتب تقريره قبل انتشار الكوليرا بصورة مميتة فى محافظة حجة وقد أوضح أن الـ 200000 مصاب بالكوليرا اليوم قد يزدادون إلى نصف مليون ويعلل السبب فى عدم وجود الماء النظيف وتوقف الصرف الصحى عن العمل فى صنعاء ابتداء من 17 ابريل وانتشار الكوليرا بعدعشرة أيام من هذا التاريخ. السيد برور يحمل الحرب كل المسئولية ويوضح بأنه كتب تقريره والضربات الجوية مستمرة وأن الصليب الأحمر يقدم الرعاية الصحية لواحد من خمسة من المصابين بالكوليرا وهو مايعنى غياب الدور المحلى تماما واحتمال وفاة غالبية المصابين بما قد يصبح تطهيراعرقيا مقصودا او غير مقصود . ويختم برور تقريره بقوله إن اليمن يعانى من تراجيديا ثلاثية:1- سكان تحت الحصاريعانون من عنف الحرب غير قادرين على العمل أو الحصول على الغذاء والخدمات الصحية. 2- الانهيار الاقتصادى الذى أدى إلى ارتفاع نسبة الجريمة. 3- الأزمة الصحية المدمرة. ويضيف أن قدرة اليمنيين فى رأيه على التكيف تتقوض وحتى لو حصلت معجزة واختفت الكوليرا فإن الحرب مستمرة مما يعنى أن اليمن سيكون فى وضع أكثر سوءا وأنه لم يجد هذا النوع من المعاناة طوال خدمته مع الصليب الأحمر.

إن من يتواجد على الأرض بجانب الصليب الأحمر هى منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية ولاوجود البتة لمنظمة عربية كاتحاد الأطباء العرب والهلالين الأحمرين العربى والإسلامى أو دور لمجلس وزراء الصحة العرب أو لجامعة العرب وبيتهم وسقفهم أو منظمة التعاون الإسلامي. بعض العرب بل كثيرهم بخلوا على اليمنيين بكلمة تعاطف ومواساة أو بإغاثة رمزية كواجب تفرضه العروبة والعقيدة والوفاء لمهد العروبة ،أوبنداء لوقف الحرب، وقد يكون هذا النداء هو الأهم لأنه سيشكل إدانة لاستمرار الحرب التى أكلت ليس فقط الأخضر واليابس بل دمرت إنسانية الإنسان، سواء كان اليمنى ضحيتها أو أطرافها.

لا أحد برئ مما يحل باليمنيين فكل الأطراف مسئولة عن هذه الكارثة التى تقول الأمم المتحدة إنها غير مسبوقة ولم يحدث مثلها فى أى بلد فى العالم. الشئ الآخر غير المسبوق يمنيا هو فقدان الثقة الشعبية بكل من يزعمون أنهم يمثلون تطلعات اليمنيين ومصالحهم فى جانبى الصراع.