اتفاق تركي أمريكي يمهد لميلاد المنطقة السورية الآمنة

عدن لنج_ لندن

24 ساعة أو أقل، كانت كفيلة بانتهاء حالة "التراشق السياسي"، بين تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ "تدمير اقتصاد الأتراك"، ورد أنقرة بضرورة "احترام الشراكة الاقتصادية"، ليضع كلًا من ترامب وأردوغان حدًا فاصلًا للتوتر، بمكالمة هاتفية جمعتهما، أمس الإثنين، وتمخضت عن تفاهمٍ لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين بلديهما، والأهم التوصل لاتفاق حول "المنطقة الآمنة" في شمال سوريا.

المنطقة الآمنة

مصطلح المنطقة الآمنة، تردد كثيرًا، منذ سنوات، إلا أن اليوم ربما يكونُ مختلفًا عن الأمس، فالمعطيات حاليًا تختلف عن سابقتها، خاصةً مع بوادر للانسحاب الأمريكي من سوريا، ورغبة تركيا وحلفائها على الأرض، في توغل أكثر في عمق الشمال السوري، وتحديدًا في منبج، بغرض إنهاء وجود قوات سوريا الديمقراطية - التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية المكون الرئيسي لها والذين تصنفهم تركيا "كإرهابيين" - وتوفير مزيدًا من الحماية للمدنيين السوريين، بالإضافة إلى الأمن القومي التركي، الذي يعد الهدف الأول من التدخل التركي في الأزمة السورية عسكريًا.

المنطقة الآمنة، بمفهومها الجديد، تم بحثه في مكالمة هاتفية، جمعت الرئيسين الأمريكي والتركي، بعد ساعات من التراشق السياسي، الذي احتضن "تويتر" ساحته، بين الحليفين الاستراتيجيين.

فقد قالت الرئاسة التركية، الإثنين، إن الرئيس رجب طيب أردوغان بحث مع نظيره الأميركي، دونالد ترامب، الاثنين، مسألة إقامة منطقة آمنة بسوريا.

وكان ترامب قد اقترح في تغريدة، الأحد، إقامة منطقة آمنة بعرض 20 ميلا داخل سوريا، لكنه لم يوضح من سيُنشئ تلك المنطقة الآمنة أو يدفع تكاليفها، كما لم يحدد المكان الذي ستقام فيه.

وأشارت الرئاسة التركية إلى أن ترامب وأردوغان "أكدا الحاجة إلى خريطة طريق كاملة بشأن مدينة منبج السورية، وعدم إتاحة الفرصة للعناصر الراغبة في عرقلة الانسحاب الأميركي".

وتحدث الرئيس التركي عن مخرجات المحادثة الهاتفية مع نظيره الأمريكي، فذكر أن "ترامب أكد لي مجددا قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا".

وأضاف، في كلمته أمام الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية": "أثق بأني توصلت إلى تفاهم تاريخي مع  ترامب، يشمل النواحي السياسية والاقتصادية خلال اتصالنا الذي جرى بالأمس".

وتابع أردوغان أن "ترامب تحدث عن المنطقة الآمنة التي سنقوم بإنشائها وأكد أن القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا".

تركيا.. الرابح الأكبر

فراغ سياسي وعسكري كبير، متوقع أن يخلفه الانسحاب الأمريكي المرتقب من سوريا، وهو ما شجع تركيا على المضي قدمًا في خططها للتحرك باتجاه مدينة "منبج"، وهو ما عطله - على ما يبدو - التهديد الأمريكي الأخير بـ "تدمير تركيا اقتصاديًا" حال هاجمت الأخيرة حلفاء الولايات المتحدة من قوات سوريا الديمقراطية في منبج.

وعلى الرغم من أن ترامب لم يوضح من سيتولى الإشراف على المنطقة الآمنة شمالي سوريا، أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان "رامي عبد الرحمن" أن "الكلمة فيها ستكون في نهاية المطاف لتركيا".

وقال عبد الرحمن في تصريح لموقع "سكاي نيوز" أمس الاثنين، إن المنطقة الآمنة التي ستكون بعمق 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية، "هي مطلب تركي بالأساس"، لإبعاد القوات الكردية عن الحدود.

وأوضح عبد الرحمن أن مفهوم "المنطقة الآمنة يعني أن تكون آمنة من المقاتلين الأكراد"، الذين يتمركزون حاليا في معسكرات وثكنات على مسافة قريبة جدا من الحدود مع تركيا.

وأشار إلى أن المنطقة الآمنة ستمتد من ريف منبج في حلب وصولا إلى الحدود السورية العراقية، تحت مسمى "منطقة حكم ذاتي"، يديرها المجلس الوطني الكردي في سوريا، "على أن تكون تحت أعين الأتراك".

وقال عبد الرحمن إن "الولايات المتحدة تسعى إلى تسليم كامل منطقة شرق الفرات، وتركها لمصيرها الذي رسمته ولا تزال ترسمه مع تركيا، عبر دفع تركيا لفرض إشرافها الكامل على هذه المنطقة".

مناورة أمريكية

بعد التهديد، ثم الاتفاق، تسعى الإدارة الأمريكية من خلاله، إلى محاولة إمساك العصا من المنتصف، بين حلفائها من الأكراد والأتراك معًا، يبدو أن قضية "المنطقة الآمنة"، ستكون وسيلة واشنطن، للحيلولة دون إندلاع نزاع بين الجانبين، خاصةً مع اقتراب الانسحاب الأمريكي من سوريا.

في هذا السياق، وصف مدير المرصد السوري ما تقدمه واشنطن للأكراد من وعود بالحماية بأنها "حيلة"، لتأخير أي اتفاقات بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، ودمشق وموسكو من جهة ثانية.

وأوضح "عبد الرحمن" أن هدف الولايات المتحدة من هذا التأخير، هو الاتفاق إلى إفساح المجال أمام تركيا للدخول بكل سهولة إلى شمالي سوريا عند انسحابها من قواعدها العسكرية في منبج وشرق الفرات.

إلا أن روسيا لا تزال تعارض ما قدمته الولايات المتحدة بشأن مستقبل السيطرة على شرق الفرات، الأمر الذي يُبقي الباب مفتوحا على سيناريوهات لا يمكن توقعها خلال الأيام القليلة المقبلة.