تقرير: "الحرس الثوري" أداة إيرانية لزعزعة استقرار أوروبا

عدن لنج/متابعات


يبدو أن الاتحاد الأوروبي وصل إلى قناعة ويقين بأهمية إدراج "الحرس الثوري الإيراني" منظمة إرهابية، لمواجهة الأخطار المحدقة التي باتت تؤثر على استقرار القارة الأوربية؛ خصوصا ما يجري في البحر الأحمر كون "الحرس الإيراني" الدعم الرئيسي للميليشيات الحوثية التي تنفذ الهجمات الإرهابية ضد السفن التجارية وخطوط الملاحة الرابطة بين آسيا وأوروبا.

نقاشات داخلية تدور حالياً وبشكل مكثف في أروقة الاتحاد الأوروبي لأجل تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية بشكل رسمي، على غرار التصنيف الذي أعلنته الولايات المتحدة الأميركية. ما يجري من مباحثات داخلية تسللت إلى الإعلام الأوروبي الذي أكد أن هذا التحرك يؤكد "عمق الخطر" الذي استشعره الاتحاد بسبب العمليات الإرهابية المرتبطة بالحرس الإيراني التي تهدد استقرار القارة العجوز.

أزمة أوكرانيا

على مدى السنوات الماضية، ظلت العمليات الإرهابية والاغتيالات التي ينفذها "الحرس الثوري الإيراني" أو الأذرع التابعة لها في الشرق الأوسط، غير مؤثرة على العمق الأوروبي، وكانت تلك الأعمال يتم تصنيفها على أنها نوع من الأعمال الفردية التي يمكن علاجها ضمن طاولة الحوارات بين الدول.

ومع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وما خلفته من آثار وتداعيات ثقيلة على القارة الأوروبية، برز الدور الخفي للحرس الثوري الإيراني في هذه الحرب ومساعدة الروس في تمويل وإعداد الجانب العسكري للميليشيات التي تستهدف المصالح الأوروبية في العديد من المناطق ولعل أبرزها ما تقوم به ميليشيا الحوثي من تهديدات للحركة التجارية والاقتصادية في بوابة البحر الأحمر.

ما يجري في أروقة الاتحاد الأوروبي، من نقاشات متأصلة لتصنيف "الحرس الثوري" يأتي عقب سلسلة من الإجراءات والخطوات السابقة التي استشعرت خطر هذه الميليشيات على أمن واستقرار أوروبا، ففي أواخر يناير 2023، صوَّت البرلمان الأوروبي لصالح قرار يدعو إلى إدراج الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والمرشد علي خامنئي والمدعي العام محمد جعفر منتظري وجميع المؤسسات ذات الصلة "الحرس الثوري" الإيراني ضمن قائمة العقوبات.

وجاء في نص قرار البرلمان على موقعه الإلكتروني، أن "التجاهل الصارخ للنظام الإيراني للكرامة الإنسانية والطموحات الديمقراطية لشعبه، بالإضافة إلى دعم روسيا يتطلب إجراء المزيد من التعديلات على موقف الاتحاد الأوروبي تجاه إيران".

دعم سخي للحوثي

وأظهرت الكثير من التقارير الاستخباراتية الغربية، تورط "الحرس الثوري الإيراني" في دعم "ميليشيا الحوثي" لتصعيد تهديدها في البحر الأحمر من نوفمبر 2023. حيث يوفر الحرس الثوري الإيراني للحوثيين الدعم العسكري، اللوجستي، والتقني، بما في ذلك الأسلحة والتكنولوجيا والتدريب. ويعكس هذا الدعم استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها الإقليمي وأجندتها التدميرية في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن الميليشيات الحوثية تتحرك تحت غطاء "نصر غزة وفلسطين ومواجهة إسرائيل"، إلا أن الهجمات الإرهابية المتصاعدة ضد السفن التجارية المارة في البحر الأحمر وباب المندب تدحض تلك الاعتداءات، وتؤكد أن الهدف من الهجمات هو إغلاق الممر المائي الذي يمثل شريان حيوي وهام للتجارة في أوروبا.

وتؤكد التقارير أن "الحرس الثوري الإيراني" عزز قدرات ميليشيات الحوثي بالكثير من العتاد العسكري الحديث الذي يستخدم اليوم في الهجمات البحرية ضد السفن التجارية الأوروبية. وأجبرت نحو 300 سفينة تجارية متوجهه إلى أوروبا على تغيير مسار عبورها مطلع يناير 2024، من باب المندب والبحر الأحمر إلى مسار "رأس الرجاء الصالح" جنوب إفريقيا وهو ما أخر سلاسل التوريدات إلى أوروبا بشكل كبير، ناهيك عن ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين للبضائع الواصلة من آسيا.

وخطورة الهجمات الحوثية على الاقتصاد في القارة العجوز، دفع الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق عملية عسكرية رادعة في منتصف فبراير 2024، أطلق عليها اسم "أسبيدس"، وتقتصر هذه العملية العسكرية البحرية على مرافقة السفن التجارية المتوجهة إلى أوروبا وتوفير الحماية لها وردع أية هجمات إرهابية محتملة قد تشنها الميليشيات الحوثية أثناء العبور في البحر الأحمر. ونجحت العملية خلال الثلاثة الأشهر الأولى في تأمين وحماية أكثر من 120 سفينة تجارية، ودمرت 12 طائرة بدون طيار وسفينة سطحية، إضافة إلى اعتراض 4 صواريخ باليستية للحوثيين قبل استهدافها طرق الشحن التجاري الدولي في المنطقة.

تشكيل قوى خراب

خطورة نشاط الحرس الثوري في دعم القوى الحليفة له في المنطقة، يبرز بشكل قوي في الحوارات الجارية داخل الاتحاد الأوروبي، وأصبح أعضاء الاتحاد على يقين أن تصنيف "الحرس الإيراني" حركة إرهابية، بات ضرورياً عقب سنوات من التصنيف الأميركي. فاستقرار الشرق الأوسط هو عامل مهم لاستقرار المنطقة، وأن هذا الاستقرار لن يأتي في ظل التواجد الإيراني عبر ذراعه الخفي "الحرس الثوري" الذي يغذي القوى الحليفة في اليمن والعراق ولبنان.

وتؤكد المحللة السياسية، رولا القط، أن استمرار نشاط الحرس الثوري بلا رقيب ولا حسيب سيكون له كبير الأثر على عوامل الاستقرار في أوروبا ذاتها، والتي تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى خطورة استهانتها بالدور الذي كانت تقوم به إيران من خلال الحرس الثوري، ودوره المدمر في صناعة المليشيا وتحويلها إلى قوى خراب عالمي. مضيفة: "ليس السلاح فقط  هو الكارثة، ولكن يكفي فقط أن يكون حزب الله الشريك الآخر للحرس الثوري، بأنه من أكبر مروجي المخدرات على مستوى العالم، ناهيك عن كثير من العمليات القذرة في مجالات عديدة لا تزال مرتبطة فيها خصوصا وأن القارة الأوروبية أول المستهدفين".

معادلة غير مسبوقة

وتشير المحللة السياسية، رولا القط إلى أن دخول المليشيا على المعادلة الأمنية رغم اختلاف الجغرافيا التي تتواجد فيها بات يشكل معادلة غير مسبوقة في العقل الغربي، خصوصا وأن أوروبا تعاني من أزماتها الداخلية والتي أبرزها الأزمة الأوكرانية بتداعياتها الثقيلة، والتي ألقت بتبعات اقتصادية كبيرة على القارة، ناهيك عن عوامل النزوح الأوكراني والذي هو ضمن القارة الأوربية ويصعب التعاطي معه على شاكلة أزمات النزوح التي شهدتها القارتين الآسيوية والإفريقية، ناهيك عن طول الحرب الأوكرانية والتي يظهر فيها بعد، أي أفق للحلول.

وأضافت: "إشكالية إيران ظهرت في دخولها على خط الأزمة الأوكرانية عبر عوامل السلاح، ومساعدة الروس بهذا الجانب، وإشكالية الحرس الثوري الذي هو الذراع الإيراني الخفي تكمن في تمويل وإعداد الجانب العسكري للمليشيا والتي طالت المصالح الأوروبية في العديد من المناطق، ولعل أبرزها دخول الحوثي كعامل إضافي في تعقيد المشهد الاقتصادي من جانب نظرا لخطورة ما يقوم به على بوابة البحر الأحمر. ناهيك عن الدور الأمني والمخاطر التي يعمل عليها من خلال خلق نوع من الابتزاز ما يعزز فكرة تحدي الإرادة الدولية. وبالتالي تصبح عوامل الأمن والسلم العالمي عرضة للابتزاز مما يثير قلقاً كبيرا بشأن الاستقرار الإقليمي والعالمي، عبر تعطيلها خط الملاحة ما أدى إلى أزمات إنسانية في الدول المنتجة خصوصا في شرق آسيا نظرا إلى أن تعطل التجارة يلحق الأضرار في طبقة واسعة من العمال في الدول الآسيوية التي تعاني من هشاشة اجتماعية في سوق العمل.