بمهرجان القارة التراثي.. قبائل يافع تخلد إرثها الحضاري

عدن لنج/عبدالله البحري


يمثل مهرجان القارة الترثي الذي يقام سنوياً في قلعة القارة التاريخية معقل السلطنة العفيفية في يافع بني قاصد بمحافظة أبين، أحد أبرز الفعاليات التي تحرص قبائل "يافع" على إحيائها في أيام عيد الأضحى المبارك لإبراز الإرث الحضاري والثقافي والتقاليد التي تمتاز بها "يافع" عن باقي المناطق اليمنية.

وأقيم المهرجان برعاية كريمة من السلطان نواف فضل بن محمد بن عيدروس العفيفي، وعدد من الشركات والمؤسسات التجارية، وسط حضور لافت ومشاركة واسعة من أبناء مديريات يافع الثمان ومحافظات الجنوب منها: أبين، عدن، لحج، الضالع، وحضرموت، الذين وصلوا إلى مديرية رصد يافع للمشاركة في المهرجان وتبادلوا التهاني العيدية بأجواء فرائحية غمرتها السعادة والسرور بالحضور والمشاركة.

وخلال المهرجان التراثي ألقى نائب سلطان يافع بني قاصد الشيخ محمد بن غالب العفيفي كلمة رحب فيها بالحضور. وأشاد بعملية الترتيب والتنظيم للمهرجان التراثي. كما حث الحضور على ضرورة إحياء هذه الموروثات الشعبية والعادات والتقاليد لتذكير الجيل الجديد بهذا الإرث التاريخي الذي مارسه الآباء والأجداد بيافع سرو حمير.

وقال الشيخ العفيفي: إن هذا الحدث "فرحة وفرصة للقاء وبعث الموروث اليافعي، وإحياء روح الأخوة والأخلاق اليافعية الحميدة". معتبراً المهرجان "عودة إلى أحضان قبائل يافع والحفاظ على موروثاتها الثقافية في ظل أجواء يافعية، بعيدا عن هموم العصر وأزمات المرحلة؛ تخفيفا للضغوط النفسية التي نعيشها".

العفيفي أكد ضرورة الابتعاد عن جميع أشكال السياسة، والتفرغ للعيش في ذكريات الآباء والأجداد بأحضان القارة، رمز يافع التاريخي وعاصمة السلام والإخاء اليافعي. كما دعا إلى التسامح والترفع عن صغائر الأمور، مشيرا إلى أن يافع كبيرة بأمجادها ومكانتها وتاريخها، وأبناء يافع كجبالها العالية؛ شموخ وإباء وكرم وكرامة وحسن أخلاق.

وعبّر الراعي الماسي للمهرجان وليد السعدي عن سعادته الغامرة بهذه المناسبة السعيدة التي جمعت كافة الأطياف المجتمعية من يافع والجنوب على سفح قلعة القارة حاضرة التراث اليافعي. داعياً الجميع إلى دعم هذه الموروثات الشعبية التي تزخر فيها يافع.

فعاليات المهرجان

وضم المهرجان فقرات ثقافية وفنية، منها رقصات البرع، والأشعار، والأغنيات التراثية، وأركان أبرزت الزي التقليدي، والصيدلية اليافعية الشعبية، وأدوات التجميل، وركن الصور الفوتوغرافية،والأكلات الشعبية اليافعية. وكذا الحرف اليدوية التقليدية وعدد من المنتوجات الزراعية منها حبوب الذرة البيضاء والحمراء والدخن والكوري والمنزلة. كما تم تخصيص ركن للكتب والمؤلفات التي تهتم بتاريخ يافع.

وقدم خلال المهرجان فقرات فنية من وصلات غنائية وموالات وأشعار تراثية جميلة قدمها نخبة من نجوم الفن بقيادة بلبل يافع الفنان الكبير علي صالح اليافعي، والثنائي المميز عامر اليافعي، وعمر ياسين، والمبدع منصور الوعلاني.

كما نفذت فرق شبابية من الحد والمفلحي ومنطقة السعدي عروضا فنية ورقصات شعبية بالجنابي والسيوف والزوامل والأهازيج والقصائد الشعرية الجميلة جميعها عبرت عن التراث الفني الأصيل الذي تزخر به يافع ونالت استحسان وإعجاب الحاضرين.

الحرص على إقامة المهرجان

ويحرص أبناء يافع على تنظيم هذه الفعاليات في المناسبات الدينية والوطنية تأكيداً على ارتباط الإنسان اليافعي بتراثه الأصيل وحضارته العريقة الممتدة منذُ الأزل ورفضه للمشاريع الدخيلة والثقافات الوافدة التي تسعى إلى طمس هويته وتجريده من انتمائه الأصيل، وتقليد سنوي يعبر عن مظاهر الاحتفاء بالعيد لسكان مناطق يافع.

وقببل انطلاق المهرجان السنوي شهدت قلعة القارة التاريخية تحضيرات واسعة لانطلاق المهرجان التراثي الخامس الذي انطلق ظهر الأربعاء رابع أيام العيد، حيث ظهر المهرجان هذا العام بصورة مختلفة ومتميزة عن مهرجانات السنوات الماضية من حيث الإدارة والتنظيم وتقديم الفقرات المتنوعة التي تعكس الموروث والفلكلور الشعبي والثقافي اليافعي، حيث تم التحضير لهذه الفقرات من قبل اللجنة التنظيمية من عدة أيام.

وحظي المهرجان بتغطية إعلامية واسعة على الصعيد المحلي والخارجي لتعريف الشعوب العربية على الموروث الشعبي اليافعي.  فمهرجان القارة التراثي، ليس فقط مناسبة للاحتفال بالماضي كما يقول القائمون عليه، بل هو جسر يربط بين الأجيال وينقل الموروث الثقافي للأجيال القادمة، مما يساهم في تعزيز الهوية الوطنية والاعتزاز بالجذور.

ويساهم المهرجان في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء للمجتمع، فالاحتفال يعمق الفخر بالهوية ويسهم في الحفاظ على التقاليد والعادات للأجيال القادمة.

قلعة القارة

وها هي قلعة (القارة) الشامخة والمنيعة اليوم في هذه اللوحة  كسفينة تمخر عباب البحر وسط أمواج عاتية.

إنها حاضرة السلطنة العفيفية على مدى حوالي أربعة قرون منذ تأسيسها في منتصف القرن العاشر الهجري تقريباً وحتى عشية الاستقلال. وما زالت تشمخ بقصورها وحصونها في ذروة جبل شاهق، يحمل نفس الاسم، وهي تمثل قلعة منيعة محصنة طبيعياً بصورة مُحكمة.

قال فيها الشاعر عبدالرب بن ناصر أبوبكر العفيفي:

يقول ذي حل في قلعة من الياجور

وساسها من حجر حكَّم مبانيها

غسَّانية مبنية مُشَرْكَسَهْ معمور

وهي حجر واحدة بأعلى عَلاليها

على جبل طور عالي من جبال الطور

لا ماتت الأرض فالرحمان يحييها

واحتفظت يافع وقبائلها الحميرية عبر قرون من الزمن بإرث حضاري فريد، وتشهد لها "الحصون المنيعة" التي توصف بـ"ناطحات السحاب الحجرية الفريدة في العالم".

كما ظلت الجبال الشاهقة الممتدة بين محافظتي أبين ولحج وصولاً إلى البيضاء سدا لا يقهر في وجه الأطماع لتحفظ شرف البلاد من السقوط في قبضة المد الحوثي، وسطّر اليافعيون ملاحم تاريخية في مختلف محافظات البلاد حتى غدت تضحياتهم عنوانا للنصر والبطولة والفداء.

ترميم قلعة القارة

وفي بادرة منهم تجاه المواقع التاريخية والأثرية بادر أبناء شعب العرمي بمديرية يافع رصد بمحافظة أبين جنوبي اليمن وعقب انتهاء مهرجان القارة التراثي بالإعلان عن تبرعهم بمبلغ(150) ألف ريال سعودي لصالح ترميم قلعة القارة التاريخية التي تتعرض حصونها ومرافقها للإهمال والتهالك.

القلعة أصبحت في وضع سيئ، وتظهر انهيارات في أجزاء كثيرة من سقوفها وجدران حصونها ومرافقها. وتحولت إلى خرابة مما لفت انتباه المشاركين في المهرجان وحز في نفوسهم أن ينهار هذا الرمز التاريخي ليافع أمام أنظار أبنائها.

ولاقت رسالة وجهها رجل الخير والعطاء الشيخ أمين حيدرة قاسم الفقيه ووزعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل المهرجان صدى كبيرا. وطالب فيها بضرورة أن يكون المهرجان انطلاقة للاهتمام بقلعة القارة وترميمها، فالتقط أبناء منطقته أبناء شعب العرمي هذه الرسالة وأعلنوا عن تبرعهم بمبلغ 150 ألف ريال سعودي.

وقال نشطاء ومواطنون بأن ترميم قلعة القارة التاريخية بحاجة إلى جهود كافة أبناء يافع لمؤازرة حملة الترميم التي تنفذها لجنة الترميم بإشراف السلطان نواف فضل محمد عيدروس العفيفي التي عملت على تأهيل طريق القارة وترميم بعض المرافق الأثرية بإمكانياتهم الشحيحة. مضيفين أن يافع لديها من الإمكانيات ما يجعلها أن تؤهل قلعة القارة كمركز سياحي يقصده الكثير من السياح لمكانتها التاريخية ورمزيتها وموقعها الجغرافي التي تتميز به.