في خلاف تركيا مع الاتحاد الأوروبي.. إردوغان يعتقد أنه في موضع قوة

عدن لنج / رويترز
أضرت الحملة الداعية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصعود اليمين الشعبوي في أوروبا بآمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما دفع الرئيس رجب طيب إردوغان لألا يعبأ بانتقاداته وأضعف مسعى لإجراء إصلاحات في البلاد.
 
وفي حين أن كلا من الجانبين ليست له مصلحة في إنهاء جهود انضمام أنقرة لعضوية الاتحاد التي بدأت قبل عشر سنوات فإن العلاقات بينهما تقوم على المصالح ويحركها الاحتياج المتبادل في مجالات مثل الهجرة والتجارة والأمن وليس التوافق على معايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالديمقراطية والحقوق الأساسية.
 
ويحذر زعماء شعبويون بأجزاء مختلفة من أوروبا من تسلل التشدد الإسلامي شيئا فشيئا وكذلك من يدعون لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من عواقب وخيمة إذا انضمت تركيا ذات الأغلبية المسلمة البالغ عدد سكانها 78 مليون نسمة لعضوية الاتحاد الأوروبي وهو ما تسبب في تزايد شكاوى الزعماء الأتراك مما اعتبروه خوفا من الإسلام من جانب أوروبا.
 
وقال إردوغان في حفل تخرج في اسطنبول يوم الأربعاء عشية التصويت على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "أوروبا.. أنت لا تريديننا لأن أغلبية شعبنا مسلمون.. كنا نعرف ذلك لكننا حاولنا أن نظهر حسن نيتنا" وتهكم قائلا إن من الممكن أن تجري تركيا أيضا استفتاء مماثلا.
 
ومضى يقول "سنسأل الجماهير ما إذا كان علينا مواصلة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي."
 
ونفذت تركيا حتى الآن التزاماتها بموجب اتفاق مهم مع بروكسل لوقف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عن طريق شواطئها مقابل مساعدات مالية ووعد بمنح الأتراك حق السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بلا تأشيرات وتسريع المفاوضات بشأن عضوية أنقرة.
 
لكنها أقلقت زعماء الاتحاد الأوروبي بالمضي في حملة على معارضي إردوغان بما في ذلك خطوات لمحاكمة ساسة أكراد معارضين في اتهامات بالإرهاب والقبض على صحفيين وأكاديميين وتغييرات في القضاء اعتبرها منتقدون تخلصا من القضاة المعارضين.
 
وقال مصدر كبير بالاتحاد الأوروبي لرويترز "اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا (عن الهجرة) قائم ولا يوجد سبب للخوف من انهياره على الرغم من التهديدات العلنية" مشيرا إلى أن أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون من تركيا انخفضت بشدة.  
 

وأضاف المصدر "لكن هناك أسسا للشعور بالقلق بشأن الاتجاه الذي تتحرك فيه تركيا في العموم" مشيرا إلى خطط لإقالة مئات القضاة ورفع الحصانة مؤخرا عن أعضاء بالبرلمان في خطوة نحو محاكمة نواب المعارضة.

وترفض تركيا حتى الآن التراجع فيما يتصل بنقطة خلاف رئيسية في المسعى من أجل حصول مواطنيها على حق السفر بدون تأشيرات إلى دول منطقة شينجن الأوروبية التي يبلغ عددها 26 وهي مطالب الاتحاد الأوروبي بأن تغير قوانين مكافحة الإرهاب التي استخدمتها ضد مفكرين ومتعاطفين مع الأكراد ومنتقدين لإردوغان.

ويهدد هذا باستعداء البرلمان الأوروبي المتشكك وهو أكثر مؤسسات الاتحاد الأوروبي المعنية بحقوق الإنسان والحريات وينبغي أن يوافق على منح الأتراك حق السفر بدون تأشيرات.

وتقول تركيا إن قوانينها لمكافحة الإرهاب ضرورية في الوقت الذي وصل فيه تمرد المسلحين في جنوبها الشرقي ذي الأغلبية الكردية إلى أعلى مستويات العنف منذ التسعينيات وبينما تواجه تهديدا متزايدا من متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا المجاورة.

وقال ياسين أقطاي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم لرويترز "تغيير الموقف غير مطروح."

لكن مسؤولين من الجانبين يأملون التوصل إلى تسوية.

يقول بعض زعماء الاتحاد الأوروبي أبرزهم دونالد توسك رئيس الوزراء البولندي السابق الذي يرأس قمم الاتحاد وشارك في التفاوض على اتفاق المهاجرين مع إردوغان إنه يجب ألا يعزى كل الفضل في تراجع أعداد المهاجرين الوافدين إلى تركيا.

ويشير مسؤول بالاتحاد إلى أن تشديد الرقابة على الحدود وعزل اليونان عن بقية أوروبا أدى لانخفاض الأعداد قبل توقيع الاتفاق مع أنقرة موضحا أن تركيا ليست في موقف تفاوضي قوي مثلما تعتقد.

وأضاف المسؤول "نشعر بأن لدينا القوة. لسنا في أيدي تركيا وحسب."  

ويشير مساعدون في بروكسل إلى أن علاقات أنقرة مع روسيا والولايات المتحدة وسوريا وإيران وإسرائيل متوترة وبالتالي فإنها تحتاج لتحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

 

أولويات داخلية

في الشهر الماضي قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إن على إردوغان أن "يفكر مرتين" قبل رفض تغيير قوانين مكافحة الإرهاب وحذر من أنه "سيضطر إلى أن يشرح للشعب التركي لماذا هو مسؤول عن عدم حصوله على حق السفر إلى أوروبا بدون تأشيرات."

اعتاد الزعيم التركي شيطنة الاتحاد الأوروبي عند حديثه إلى أنصاره المخلصين وهو يسعى لدعم شعبي لتغيير الدستور وتعزيز صلاحياته. وهو يعتمد على دعم القوميين الذين يفضلون أن يتبنى موقفا متشددا من المسلحين الأكراد على أن يخضع لبروكسل.

وقال سنان أولجن رئيس مؤسسة إيدام البحثية ومقرها اسطنبول "ربما يكون إردوغان فكر أن على قدر ما سيكون حق السفر بلا تأشيرات تطورا إيجابيا فإنه لن يفيده حين ينظر إليه باعتباره متهاونا مع الإرهاب."

وأضاف أولجن أن هذه الحسبة السياسية ستلعب دورا أساسيا في تعاملات تركيا مع الاتحاد الأوروبي وتكهن بأن يقتصر تعاون أنقرة مع بروكسل في مجالات ترى فيها مصلحة استراتيجية واضحة.

وقال أولجن الباحث الزائر بمركز كارنيجي أوروبا والدبلوماسي السابق بوفد تركيا في المفاوضات مع الاتحاد "ديناميكية الانضمام (للاتحاد الأوروبي) انتهت.. أصبحت غير مهمة فيما يتعلق بإردوغان."

وأضاف "سيكون جهدا تدريجيا للتوصل إلى مجالات الاهتمام المشترك وبناء هياكل للتعاون وفقا لما تقتضيه الحاجة... هذا هو الحال بالنسبة للاجئين وسيكون هو الحال بالنسبة للتكامل الاقتصادي وربما التعاون في مكافحة الإرهاب ومجالات من هذا النوع."  

وتتخذ تركيا خطوة متواضعة إلى الأمام في عملية الانضمام في 30 يونيو حزيران حين تفتح فصلا جديدا من المفاوضات مع الاتحاد عن سياسات الميزانية.
 
يقول مسؤولون بالاتحاد إن المفوضية الأوروبية ستعتمد مسودة تكليف بالتفاوض في أكتوبر تشرين الأول أو نوفمبر تشرين الثاني لتوسعة اتحاد جمركي مدته 20 عاما مع أنقرة هو مكسب محتمل أكبر ويعتقدون أن الإصلاحيين بالحكومة مصرون على تأمينه ويأملون أن يعطي بروكسل المزيد من النفوذ.
 
وفي الأسبوع الماضي قال نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك الذي يعتبر واحدا من الإصلاحيين القلائل في الحكومة الجديدة التي يهيمن عليها حلفاء إردوغان لرويترز إن هذا الاتفاق لتوسعة الاتحاد ليغطي الخدمات والزراعة والمشتريات العامة يمكن أن يجعل تركيا ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد.
 
لكنه قال إن نفوذ تركيا في الشرق الأوسط ودورها كمركز للطاقة وأهميتها بوصفها شريكة مخابراتية يعني أن العلاقات مع أوروبا ليست من جانب واحد.
 
وأضاف "تحتاج أوروبا إلى تركيا إذا كانت تريد أن يكون لها تأثير أقوى على الشؤون الدولية في ظل هذه الجغرافيا وإذا كانت تريد أمن إمدادات الطاقة وإذا كانت تريد أمنا عاما."
 
ومضى يقول "من مصلحتنا أن نظل مرتبطين بأوروبا ومن مصلحة أوروبا أن تحتفظ بارتباط متين بتركيا."