جديد الأخبار

علوم وتقنية

لا يتعلق الذكاء الاصطناعي بالذكاء فحسب، وإنما بالتلاعب بالبشر

عدن لنج - مرصد المستقبل
 

إن إنجاز ألفاجو الحقيقي ليس تعلّم لعبة جو، وإنما تعلّم اللعب والتلاعب بنا.

قراءة البشرية

تخيّل أن صحناً طائراً هبط في تايم سكوير وخرج منه كائن فضائي حاملاً لعبة جو، ثم اقترب من أقرب شخص وقال له بطريقة لبقة :  "خذني إلى أفضل لاعب لديكم"، ولنفترض أن الكائن الفضائي قد قضى العديد من السنوات في دراسة كيف يلعب البشر لعبة جو، حيث شاهد الفيديوهات التي تعرض كل مباراة كبيرة للعبة.

وفي تلك الحالة، فقد تم وضع البشرية أمام تحدٍّ غير مُنصِف.

فقد كان للكائن الفضائي فرصة التحضير المكثّف لمواجهة البشر، بينما لم يمتلك البشر أي فرصة في التحضير لمواجهة الكائنات الفضائية، ومن المرجّح في هذه الحالة خسارة البشر، وهذا تماماً ما حصل في الشهر الماضي عندما استطاع "ذكاء فضائي" يدعى ألفاجو (AlphaGo) التفوّق على بشريّ مُحترف في لعبة جو (Go) يُدعى Lee Sedol، حيث خسر البشري 4 من أصل 5 ألعاب، ولكن عند النظر إلى الصورة الكبيرة لم تكن تلك المباراة مُنصِفة حقيقةً.

وجاءت ردة فعل الإعلام شديدة الانفعال، حيث اعتبر هذا النصر خطوة تاريخية في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، وقفزة غير متوقعة فاجأت المجتمع العلمي، وأوافقهم الرأي كلياً، فقد كانت قفزة هائلة وإنجازاً عظيماً، ولكن ليس بسبب إظهار قدرة الذكاء الاصطناعي على لعب جو بمهارة.

لقد أظهر هذا الفوز أن الذكاء الاصطناعي ماهر في لعب لعبة البشر.

في النهاية لم يتعلم ألفاجو اللعب من خلال دراسة القواعد ومن ثم تكوين استراتيجية ذكية للعب، بل تعلّم من خلال دراسة كيف يقوم البشر بلعب هذه اللعبة، ومن خلال معالجة آلاف المباريات للتعرّف على الطريقة التي يقوم بها المحترفون باختيار حركاتهم، وكيف تكون ردود أفعالهم، وما هي الأخطاء التي من المرجّح أن يرتكبوها، وما هي المناورات التي قد يغفلون عنها، لقد تعلّم هذا النظام ببساطة من خلال مراجعة 30 مليون حركة قام بها لاعبون محترفون، وبالتالي فإن ألفاجو ليس نظاماً مُصمماً لإيجاد أفضل طريقة للعب، بل هو نظام يجد أفضل طريقة للتغلّب على البشر من خلال دراستهم بشكلٍ معمّق، وتعلّم وتنبّؤ الحركات التي سيقومون بها، وماذا ستكون ردات فعلهم وما هي الأخطاء التي سيرتكبونها.

باختصار، لم يتعلّم الذكاء الاصطناعي كيفية لعب جو، بل تعلم كيف يلعب بنا، بإمكانك مشاهدة الخسارة التاريخية في هذا الفيديو:

 

مستقبل الذكاء الاصطناعي

إن هذا الأمر مُرعب حقيقةً، ليس فقط بسبب تغلّب الحواسيب علينا في لعبة جو، بل لأنه بدءاً من هذه اللحظة، سنكون دائماً في موقف غير متكافئ، حيث سنواجه ذكاءً فضائياً تجهّز للتغلّب علينا، بينما لا نعرف إلا القدر القليل عن طريقة لعبه، سيتغلّب هذا "الذكاء الفضائي" - سواء كان اسمه ألفاجو، ألفا-مال، ألفا-جيوسياسة أو ألفا-صراع - علينا وضمن ألعابنا الخاصة بنا.

ينبّئنا هذا بمستقبل يسهل فيه تلاعب الأنظمة الذكية بالبشر، حيث تستطيع التنبّؤ بنزعاتنا وأهوائنا، تفضيلاتنا وانحيازاتنا، أفعالنا وردود أفعالنا، وكل ذلك من خلال إيجاد نقاط ضعفنا واستغلالها، وهذا ما يعنيه إنجاز ألفاجو حقيقةً، ويجب أن نكون شديدي القلق حيال ذلك.

وفقاً للورقة البحثية المنشورة، استطاع نظام ألفاجو التنبّؤ وبشكلٍ صحيح بالحركة التي سيقوم بها البشري بنسبة 57% من الوقت، تخيّل الآن قدرتك على التنبّؤ الصحيح لما سيقوم به شخص ما 57% من الوقت، ربما خلال عقد صفقة تجارية ما، أو بيع منتج، أو حتى خلال دفع أجندة سياسية.

وتذكّر، لا نتحدث هنا عن التنبّؤ بقرارات نعم أو لا بسيطة، وإنما مواقف معقّدة تتضمن العديد من الخيارات.
يستطيع شخص - يمتلك تلك القدرة على التنبّؤ - استخدامَها لبناء إمبراطورية سياسية أو اقتصادية، وقد أصبحت الآن هذه القدرة موجودة، نعم تقتصر الآن على لعبة جو، ولكن هذا موضوع تطبيق للتقنية، وليس حدودها.

مواضيع مشابهه